تساءل الكاتب الصحفي حسام عبد البصير، عن سبب غياب الرئيس عبدالفتاح السيسى، عن المشهد السياسي في أعقاب حادث سيناء الإرهابي الذي وقع مؤخرًا، واستند المقال الذي نُشر بصحيفة "القدس" على انعقاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بغياب السيسي، إضافة على عدم ظهوره في جنازات سيناء على غرار حضوره جنازة النائب العام هشام بركات. وكان نص المقال الذي حمل عنوان " غياب الرئيس عن الأنظار يعزز المخاوف بقرارات عاصفة… المجهول يحيط بمصر والخوف يسيطر على الأغلبية" : الرئيس الذي راهنت عليه الجماهير كي يصنع لها البهجة ويحصد لها الأماني الغالية، رشحته الأقدار لأن يكون مشيع جنائز لا أكثر.. تلك حقيقة لا مفر منها، وليس بوسع مراقب محايد أن يقول عكس ذلك. وعلى الرغم من النوايا التي يحملها الرئيس في خاطره، إلا أن الوضع على الأرض يبدو على العكس تماماً، فها هي النخبة التي ظنت أن دولة القانون باتت قاب قوسين أو أدنى، تجد نفسها أمام سلسلة من الإجراءات والقوانين المنتظر صدورها في غضون الساعات المقبلة، تكرس لمزيد من القمع، بسبب ما تتعرض له البلاد من حوادث دموية غير مسبوقة. لا يختلف اثنان على أنه لم يسبق أن أحاط المجهول بمصر في مرحلة زمنية، كما يحيط بها الآن، إذ الخوف بات الرغيف الذي يتقاسمه الجميع رغماً عنهم، فقراء وأثرياء سواسية في الشعور بالذعر من أن يتحول أكبر بلد عربي لمصير مشابه للعراق أو سوريا، أو حتى اليمن، وهو الأمر الذي رشحته آراء عدد من المراقبين، فيما تحول الوطن لعلامة استفهام كبيره ترهق الجميع محاولة فك طلاسمها، عوام ومثقفين، نخبة وبسطاء، لا أحد بوسعه مهما أوتي من علم وحدة بصيرة، أن يعرف إلى اين يتجه البلد الذي استهلك ثلاثة رؤساء، بينهم مؤقت في غضون أعوام قلائل، فالحدود ملتهبة والقلب مضطرب والعمليات الإرهابية لا تفرق بين عاصمة أو قرية مجهولة على الأطراف، كما أن حلم الأمن الذي تعهد به الرئيس السيسي قبيل وصوله للمقعد الرئاسي لم يكن يوماً أبعد منه الآن، حيث الحوادث الإرهابية تصل للرأس، ومن يقفون خلفها يعرفون كيف يصلون لأهدافهم بسهولة ويسر، رغم ما يقال عن الترتيبات والإجراءات الأمنية المعقدة.. وقد حفلت صحف أمس بالمزيد من النحيب على وطن يفقد أغلى ما يمكن، ومرشح بقوه للدخول في حالة من الإنفلات، وتختبره المقادير لمفاجآت قاسية. وزخرت الصحف بالعديد من المعارك معظمها بالطبع ضد الإرهابيين الذين يعيثون في الأرض فساداً وإلى التفاصيل
الرئيس لا يعرف ما الذي عليه عمله بعد ساعة من الآن
لن يحتاج الباحث أو الإعلامي أو الناشط السياسي جهدا استثنائيا لكي يثبت اضطراب الرؤية لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي، أو تناقض تصريحاته مع مجرى الأحداث ذاتها، هذا ما يقر به رئيس تحرير «المصريون» المستقلة جمال سلطان، فمحركات البحث الحديثة فاضحة وكاشفة، وتمثل مخزنا مجانيا للحقيقة، وبضغطة زر مع كلمة مفتاحية يمكنك الوصول إلى بحر من المعلومات، ولذلك أتخمت مواقع التواصل الاجتماعي طوال الليلة الماضية باللقطات و«القفشات» لتصريحات السيسي، بعد الأحداث الإرهابية التي روعت مصر في سيناء، خاصة تصريحاته في فبراير/شباط الماضي، عندما كلف الفريق عساكر بالمسؤولية عن شمال سيناء، وقوله الذي نقلته الصحف والفضائيات يومها: لن أسمح بتكرار هذا الذي حدث مرة أخرى، فإذا بنا نواجه ما هو أسوأ مما حدث مرة أخرى، والأمر لا يتوقف عند التحديات العسكرية والأمنية، فقد تكون فيها المفاجأة كما يقول سلطان، ولكن أيضا في المسار السياسي، يمكنك بسهولة أن تلاحظ أنه بعد كل تصريح للرئيس بأنه لا عودة لما قبل 25 يناير/كانون الثاني، تجد الدولة بكامل مؤسساتها وأجهزتها تندفع بسرعة أكبر لما قبل 25 يناير، وكلما أكد على أنه لا عودة للوراء تجد كل صور الوراء ورموزه وحساباته وموازينه وسياساته تعود بقوة أكثر مما مضى. لا يعود الأمر إلى صعوبة التحديات التي يواجهها وحسب، لأنها كانت متوقعة، أو الكثير منها، وعندما طلب التفويض الشعبي في أعقاب إطاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي، فقد كان يدرك أن هناك مخاطر محتملة، ربما لم يتوقعها بكل هذا الثقل والنفس الطويل، ولكنه في النهاية كان يتوقعها، ولكن هذا الارتباك في تقدير الكاتب يعود إلى غياب الرؤية لدى السيسي تجاه المستقبل، هو لا يعرف بالضبط ما الذي يريده وبالتالي ما هي الخطوات المنطقية التي يجب اتخاذها».
وزير العدل الأسبق مبارك كان أفضل من السيسي
وبقدر ما تشهد مصر من أحداث عاصفة تأتي التصريحات والآراء الصحافية ملتهبة، وها هو وزير العدل الأسبق أحمد مكي يؤكد في حوار ل«المصريون»: «مرسي لم يكن يؤمن بالقوة في التعامل مع شعبه، وإنه نصحه بانتخابات مبكرة: قلت لمرسي: الجيش المفروض يحرس المحاكم.. فرد: مهمتنا حماية الحدود ولن نتدخل في غير ذلك. ويؤكد مكي أن السيسي يسير في عكس اتجاه الديمقراطية، ويفعل حاليًا عكس ما قاله حينما كان وزيراً لدفاع مرسي. مرسي كان إنسانا برتبة رئيس يُصلي بجوار الخدم وعمال البوفيه والسفرجية، مرسي يشكو همه للجميع.. والسيسي لا يُسلم قلبه. واعترف الوزير أن شقيقه المستشار محمود مكي موجود داخل مصر ورفض منصب سفير لدى الفاتيكان، واضاف بأن الحكومة كانت عاجزة عن عقد اجتماعها الأسبوعي في عهد مرسي.. فكيف كانت تحكم مصر. وتابع: كانت الاعتصامات مفتعلة من بعض الجهات لإعاقة الرئيس مرسي عن عمله، وعن نفسه. قال: تعرضت لحملات إعلامية كثيرة، بسبب مطالبتي بقانون التظاهر، وتكلمت لدرجة أنه تمت إهانتي وسبي بسبب هذا. وتابع تصريحاته النارية مؤكداً أن المخلوع مبارك كان أفضل من السيسي وكشف عن أن الأمين العام للأمم المتحدة «داخ» عشان يدخل الاتحادية بسبب المعتصمين في عهد مرسي. وأرسل مكي برقية ل«مرسي» نصها: لم تفاجئني سيادة الرئيس بإنسانيتك ولم تفاجئني أيضًا بصمودك وأنت في قفص النظام. وعن دور المؤسسة العسكرية في زمن مرسي قال كان الجميع يُدرك أن وزارة الدفاع هي القوة الأولى والمتحكمة والمسيطرة في الدولة، وفي اجتماعات الحكومة كان واضحًا أنها حكومة بغير قوة، حكومة ضعيفة. قلت للمشير طنطاوي حينها، «إنه لا توجد حكومة بغير سيف، أنت السيف وأنا الغمد، وأنا المفروض أنصحك لو هتكون موجود في مكان مش مكانك، لكن أنا كنت حاسس أن غمدي فاضي، فلم يكن هناك سيف للحكومة».
المجلس الأعلى للقوات المسلحة عقد اجتماعه الأخير بغياب السيسي
لاحظ مراقبون اختفاء عبد الفتاح السيسي من المشهد الإعلامي لليوم الثالث على التوالي، الجمعة، في مصر بعد هجمات سيناء، حيث كان آخر ظهور إعلامي له الثلاثاء، في الكلمة التي ألقاها خلال الجنازة العسكرية للنائب العام هشام بركات. وقد عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة اجتماعه الأخير، في غياب السيسي، رغم وجوده في القاهرة، وكانت جريدة «الشروق» قد ذكرت أنه سيتم عقد اجتماع للمجلس برئاسة السيسي، وبحضور جميع أعضائه، لمناقشة الأوضاع في سيناء. وعقد المجلس اجتماعه – الذي وُصف بالطارئ، لبحث آخر تطورات الموقف في سيناء- برئاسة القائد العام وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول صدقي صبحي، وهو الخبر الذي تجاهلت نشره الصحف القومية المملوكة للنظام، ومعظم الصحف المستقلة، على غير عادة هذه الصحف، في حالة رئاسة السيسي للاجتماع. وبحسب جريدة «الشعب» غاب السيسي يوم الخميس عن زيارة الضباط والجنود المصابين خلال الهجمات، الذين يخضعون للعلاج حاليا في مستشفيات القوات المسلحة. وفي المقابل، زارهم كل من وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي، ورئيس الأركان الفريق محمود حجازي ويبدو أنه لتعويض هذا الغياب – وفق مراقبين- نقلت صحيفة «الوطن»عن «مصادر مطلعة» قولها أن «عبد الفتاح السيسي تابع تطورات الأوضاع، وأكد لقوات الأمن المسؤولة عن سيناء أنه لن يهدأ هو أو الشعب المصري كله، إلا بعد تطهيرها نهائيا من الإرهاب، وأن الجيش لن يترك ثأر أي شهيد سقط أو سيسقط على أرض سيناء، ونقلت عنه قوله: «مش عاوز إرهابي واحد يفلت من العقاب.. ولازم يذوقوا نار جهنم بجد، ويعرفوا أن الدم المصري غالي». ولم تذكر الصحيفة أين قال السيسي هذا الكلام، ومتى قاله لقوات الأمن المسؤولة عن سيناء، رغم أنه لم يتوجه إليها، ولم يزرها، بعد الهجمات الفاجعة، لا هو، ولا وزير الدفاع، ولا أي من كبار قادة جيشه.
صبر الرئيس له نهاية
وإلى صوت يدعم الرئيس بقوة ويصب جام غضبه على الإخوان ومن والاهم عماد اديب في «الوطن»: «شعرت بأن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان شديد الغضب وهو يتحدث عقب جنازة المغفور له المستشار هشام بركات رحمه الله. وشعرت من نبرات صوته وملامح وجهه ومن مفردات كلماته أن جنون الإرهاب أصبح متجاوزاً لكل حد، أو متعدياً لكل حدود الصبر والتحمل. ويرى عماد أن شخصية الرئيس عبدالفتاح السيسي هي بطبعها شخصية قوية صبورة طويلة البال شديدة التحمل، وخبرته المهنية، كرجل عسكري وضابط استخبارات عسكرية سابق، علمته أن كثيراً من المواجهات السياسية تعتمد على حرب الأعصاب وتقوم على أن إدارة الصراع تحتاج إلى أعصاب باردة. عبدالفتاح السيسي أولاً وأخيراً إنسان، وهو كتلة مشاعر وأعصاب متحركة، يعمل في ظل ظروف سياسية وأمنية شديدة الصعوبة، ويواجه أعداء فقدوا عقولهم وتقف خلفهم قوى قررت أن تفتح لهم حساباتها المصرفية بلا حساب. وعلينا جميعاً أن نفهم أن تحوُّل تنظيم «سرايا القدس» الإرهابي في سيناء إلى أن يصبح تنظيم «داعش» المصري الذي يتبنى عمليات القتل والتفجير الأخيرة هو أكذوبة كبرى لأنه ليس تنظيماً منفصلاً عن جماعة الإخوان وقيادتها. وفي يقيني أنه إذا كانت الدولة في مصر تضع معادلة الإعدام والمؤبد مقابل الإرهاب الذي تقوم به جماعة الإخوان، فإن الجماعة تعدت حدودها وقررت أن تضع مبدأ الاغتيالات مقابل أحكام القانون! ويرى الكاتب أن ما تقوم به الجماعة الآن هو ورقة يأس أخيرة، سوف تُشعل النيران في الجميع ولن تؤدي إلى تقدم سياسي في حال مصر ولا في وضعية الجماعة! وشدد أديب على أن قتل الأبرياء واغتيال المسؤولين ليس بأي شكل من الأشكال أي نوع من أنواع الجهاد، بل قتل نفس حرم الله قتلها».