"تنتابني حالة من النشوة والارتياح وأنا أستقبل رمضان هذا العام حيث تُفَتّح أبواب السماء للمسلمين عامة للدعاء وقبول صالح الأعمال، كما تفتح سماء أديس أبابا أبوابها لموسم الأمطار الذي يبدأ في يونيو بهذه الكلمات يصف الإثيوبي الأربعيني "سيد رمضان" شعوره وهو ينظر إلى سماء بلاده التي بدا أنها ستكون رفيقة بهم خلال شهر الصوم، حيث تستعد بالتزامن لاستقبال موسم الخريف، وتكسوها السحب، ما يقلل من حرارة الشمس، ويجعل الجو معتدلا في معظم أقاليم إثيوبيا، خاصة العاصمة أديس ابابا. ويتابع سيد "المسلمون في إثيوبيا يستقبلون رمضان مستبشرين بهذا الجو، وإن شاء الله، حيث تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتقيد الشياطين، كما جاء في حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم"، مضيفاً بلهجة أمهرية "وسنسعى لأن تبقى الشياطين مقيدة بالأغلال إن شاء الله"، في إشارة على عزمه الالتزام بالطاعات والأعمال الصالحة حتى بعد رمضان. ويشير إلى أن "الأسر المسلمة تشهد حالة من الحراك وإعداد الأغراض اللازمة لرمضان كل بما يستطيع، فالمسلمون يجتهدون في الاهتمام برمضان رغبة منهم في القبول من الله والتقرب إليه بالأعمال الصالحات، من تقديم الصدقات، والإحسان إلى الفقراء والمساكين". ويضيف "نحن كمسلمين في إثيوبيا، علينا واجب خاص تجاه أجدادنا الذين فازوا باستقبال صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الهاربين من ملاحقة كفار مكة قبل أكثر من 14 قرناً، حيث أجاروهم وأكرموهم". ولم ينس رمضان أن يستشهد بالصحابي بلال بن رباح، الحبشي (الاسم القديم لإثيوبيا) الأصل ، والملقب ب"مؤذن الرسول"، حيث يعتبره "أول وثيقة اعتماد للإثيوبيين إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم،فكان بلال رضي الله عنه أول من رفع الأذان في الإسلام". وكانت الحبشة (إثيوبيا) قد شهدت الهجرتين الأولى والثانية لصحابة رسول الله "محمد صلى الله عليه وسلم"، الذين استقبلهم ملكها في بداية الدعوة الإسلامية، حيث أوصى نبي الإسلام أصحابه المضطهدين في مكة قائلاً "إن بأرض الحبشة ملكاً لا يُظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه". في إشارة إلى ملك الحبشة المسيحي آنذاك "أصحمة النجاشي". الباحث الإسلامي الإثيوبي د.إدريس محمد يقول بدوره لمراسل الأناضول إن "المسلمين في إثيوبيا في كل من المناطق الريفية والحضرية يستقبلون شهر رمضان بطقوس ثابتة منذ عصور، ويعتبرون الترتيب له واجب ديني". ويضيف أستاذ اللغويات في جامعة أديس أبابا "يتجلى ذلك في حركتهم في الأسواق بمزيد من الحماس، ونشاط علماء الدين والدعاة في الريف والحضر أكثر من أي وقت، وتنظيف المساجد وتجديد طلاء جدرانها وتغير فرشها"، مشيراً إلى أن "هذه التغيرات تظهر في مساجد المدن أكثر من نظيرتها بالريف". ويلفت في المقابل إلى أن "المسلمين في المناطق الريفية بإثيوبيا يشهدون انتشارا واسعاً للثقافة الإسلامية، من خلال المدارس القرآنية، ومراكز التدريس لعلوم الدين الإسلامي، خاصة منطقة (ولو) بإقليم أمهرا (شمال شرق)، ومنطقة (قوراقي) بإقليم شعوب جنوبي إثيوبيا". "وهناك أكثر من 30 مركز ومدرسة لتعليم القرآن وعلومه واللغة العربية وأصولها بأثيوبيا لمساعدة المسلمين في تعليم أمور دينهم، ويعتبر إقليم أرومو ذات الأغلبية المسلمة من أكثر الأقاليم التي يوجد بها مراكز تعليم إسلامية"، وفق إدريس. ويكشف أن "الموظفين المسلمين بإثيوبيا عادة ما يأخذونا أجازاتهم الرسمية في شهر رمضان، ويفضلون التواجد في المساجد في حالات تأمل وهدوء"، مضيفاً "ليس من المستغرب أن العلماءيكرسون شهر رمضان فقط إلى تلاوات القرآن وتعاليمه، حيث يتفنن معظمهم في التلاوة، بالإضافة إلى إحياء ليالي رمضان بالمدائح التي يطلق عليها (منظومة) Menzuma، وهو نوع من الابتهالات الدينية في خشوع". وحول صلاة التراويح يقول "تشهد حضوراً كبيرا في الريف الإثيوبي، وتستمر حتى منتصف الليل في العشرين يوما ألولى من رمضان، أما في العشر الأواخر فتتواصل إلى صلاة الفجر، لاقترانها بالتهجد. حيث يتوافد المزارعون إلى المساجد القريبة في القرى". ويعبر سعيد محمد (25 عاما) عن سعادته بالشهر الفضيل قائلاً "أيام رمضان تحتاج لأقصى درجات ضبط النفس حتى لا يقع المسلم في السيئات، ولذا أتصالح مع كل من حولي، وأبدأ بروح جديدة وعلاقة جيدة مع الآخرين في هذا الشهر الكريم". ويردف"شهر رمضان يعتبر أجمل أيام حياتي، حيث أحاول أن أقضي معظم أوقاتي في المسجد، فرمضان يأتي مرة واحدة كل عام، وبالتالي يصبح فرصة لتربية النفس، وزيادة الحسنات وتجنب المعاصي، ولذا فإن رمضان في حد ذاته يجلب الحب بين المسلمين، بل بين البشر جميعا". ويشرح الشاب الإثيوبي المعنى الذي خلص إليه بقوله "في رمضان نبحث عن الأشخاص ذوي الحاجات لنقوم بمساعدتهم.. ففي الحقيقة نحن من بحاجة إليهم لزيادة حسناتنا". وعادة ما يتناول المسلمون الإثيوبيون الأطعمة الغنية بالبروتينات والكربوهيدرات على مائدة الإفطار في رمضان، لذا ترتفع أسعار الحليب واللحوم، بحسب حواء أبوبكر، صاحبة متجر بقالة في منطقة الشعلة شمال شرقي العاصمة الإثيوبية. وتقول حواء "نسعى لتوفير المواد الغذائية التي يزيد طلب المسلمين عليها بشكل كبير خلال رمضان خاصة الجبن والحليب، واللحوم، والشوكولاتة والتمور"، مضيفة "أحب كثيرا شهر رمضان، لأنه يدر علينا أموال كثيرة كربح دنيوي، فضلاً عن الأرباح الأعظم المتمثلة في الطاعات وألأعمال الصالحة". وبالرغم من الفائدة التي تعود عليه بزيادة الطلب على اللحوم في رمضان، يقول الجزار (قصاب) الإثيوبي داوود حسن "كنت أتمنى عكس ذلك لأن هناك فقراء يتمنون تناول اللحم". ويشكلع المسلمون 34% من تعداد سكان إثيوبيا البالغ 89 مليون نسمة، يتمركز غالبيتهم في محافظة بالي روبي التابعة لإقليم الارومو، الذي يعد أكبر أقاليم إثيوبيا التسعة، وأكثرها تعدادا، وأغناها ثروة، فيما يضم إقليميّ الصومال الإثيوبي وعفار العدد الأقل من المسلمين. وأقاليم إثيوبيا التسعة هي؛ الامهرا، الارومو، تقراي، هرر، شعوب جنوباثيوبيا، قامبيلا، الصومال الاثيوبي، بني شنقول غمز، عفار. وتعتبر بالي روبي مركز الإشعاع الديني بإثيوبيا، حيث يوجد بها أكثر من 27 مسجداً، وثلاثة مراكز للعلوم الدينية؛ ومدرسة سلفية للعلوم الشرعية، إلى جانب تدريس اللغة العربية، وتضم هذه المدرسة نحو ألف طالب في مختلف المراحل الدراسية. كما أنها غنية بالأماكن الأثرية الدينية، كبقية أقاليم إثيوبيا التي تزخر بالأثار الإسلامية، مثل قرية النجاشي، بإقليم تقراي (شمال)؛ وهرر (شرق)، الذي يحتضن المعالم والآثار الإسلامية العريقة (مساجد ومباني أثرية اسلامية يرجع تاريخها للقرن السابع الميلادي) . ويبلغ عدد المساجد بالعاصمة اديس ابابا أكثر من 100 مسجد. ويعتبر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا أعلى هيئة مستقلة معترف بها من الحكومة، تتولى شئون المسلمين، ويتم انتخاب أعضائه من الأقاليم التسعة، وقد نجح في إدخال فقرة بالدستور الإثيوبي تسمح للمسلمين في الاحتكام بشرائعهم، وبموجبها انشأت محاكم إسلامية معترف بها من المحكمة العليا في إثيوبيا. ويمثل مجلس علماء الإفتاء والدعوة والبحوث الإسلامية أحد هيئات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وهو الجهة المختصة بالفتاوى والدعوة والبحوث.