المساعدات العسكرية التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار هي المحك الحقيقي للعلاقات بين القاهرةوواشنطن ويعد أي تخفيض أو وضع شروط حقيقية علي تقديمها بمثابة دليل واضح علي حدوث تغير حقيقي في علاقات الدولتين ويجب ان نتذكر هنا ما قاله الرئيس الأمريكي نفسه في لقاء تليفزيوني «أن مصر تحت حكم النظام الجديد ليست حليفًا ولا عدوا للولايات المتحدة». تأني مصر في المرتبة الثانية بعد إسرائيل من بين الدول التي تتلقى مساعدات عسكرية من الولاياتالمتحدة بحسب متحدثة البيت الأبيض. لا يمكن تجاهل أن الكونجرس في السابق لم يترك فرصة أثناء حكم الرئيس حسني مبارك، أو بعد سقوطه، إلا وهدد بفرض شروط علي المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر إلا أن المساعدات لم تمس كذلك لم يؤد اقتحام قوات الأمن المصرية أثناء حكم المجلس العسكري لمقار منظمات أمريكية عاملة في مصر، ومحاكمة بعض العاملين فيها لوقف هذه المساعدات. ولكن هذه المساعدات توقفت بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي ورفض أوباما ما حدث واصفا إياه بالانقلاب علي حسب قوله ومن حينها ومصر تنتظر استئناف تلك المساعدات إلي أن تم تخفيف بعض القيود في العام الماضي، ولكن الكونجرس جعل المساعدات تعتمد على إثبات وزير الخارجية الأمريكية أن مصر بصدد اتخاذ خطوات معينة من أجل الحُكم بطريقة ديمقراطية، وهو تأخير أثار غضب الحكومة المصرية. ظلت المساعدات العسكرية الأمريكية إلي مصر علي صفيح ساخن إلي أن وافقت لجنة الاعتمادات التابعة لمجلس النواب ب«الكونجرس» الأمريكى على مشروع القانون الخاص بالسنة المالية 2016، والمتعلق بالعمليات الخارجية للولايات المتحدة «SFOPS» وأبقت اللجنة لإقرار مشروع قانون المساعدات الخارجية، على الجزء الخاص بمصر، بإجمالى 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية، دون أن تجرى عليه تعديلات. وقالت رئيسة اللجنة، النائبة «كاى جرانجر»، عن ولاية تكساس، فى كلمتها الافتتاحية خلال الجلسة، إنه «فى الوقت الذى يشهد فيه الشرق الأوسط حالة من الاضطرابات، تحتاج الولاياتالمتحدة لمصر كحليف مستقر لديها، الأموال التى تم تخصيصها لمصر فى مشروع القانون تعكس التزام الولاياتالمتحدة الواضح بالحفاظ على علاقتنا مع مصر».
ووفقاً لمشروع قانون «الإمدادات الخارجية»، الذى عرضته لجنة المخصصات للسنة المالية لعام 2016، ستكون المساعدات متاحة للحكومة المصرية، على أن تلتزم الخارجية الأمريكية بتقديم تقارير كل 90 يومًا، منذ تفعيل القانون حتى 30 سبتمبر 2017، إلى لجان المخصصات بالكونجرس الأمريكى، بما يفيد اتخاذ مصر خطوات إزاء تحقيق 4 محاور رئيسية، هى: إقامة الانتخابات البرلمانية، وحماية وتعزيز حقوق المرأة والأقليات الدينية، وتنفيذ القوانين أو سياسات الحكم الديمقراطى، وحماية حقوق الأفراد. ومن بين أهم المتطلبات تنفيذ الإصلاحات التى تحمى حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمى، بما فى ذلك قدرة منظمات المجتمع المدنى ووسائل الإعلام على العمل دون تدخل، وتعزيز الشفافية والمساءلة لقوات الأمن. نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسئولين أمريكيين أن قرار استئناف تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية إلي مصر لا علاقة له بالديمقراطية بل يأتي خدمة للوظائف في أمريكا وأوضح مسئول أمريكي أن أي تأخير أو وقف للمساعدات العسكرية لمصر والتي تقدر ب 1.3 مليار دولار كان يهدد بخطر تجميد عقود مصنعي الأسلحة الأمريكيين ويسفر عن توقف خطوط الإنتاج في خضم حملة إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما وكان سيتسبب بدفع غرامات مالية كبيرة جدًا قد تصل على 2 مليار دولار إذا تم وقف كل المبيعات، مشيرة إلى أن هذه العقوبات ستفرضها الشركات المصنعة للسلاح على البنتاجون وسيتحملها دافعو الضرائب الأمريكيين وليس الجنرالات الحاكمين في مصر. قال الدكتور سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية والعسكرية إن أمريكا راجعت من نفسها أكثر من مرة عندما وجدت أن مصر تستعيد قوتها الدولية خاصة علاقاتها بدول الخليج التي أصبحت أكثر من رائعة لأن مصر تأخذ المنطقة العربية إلي الأمام مشيرة، إلي أن أمريكا كانت تسير علي طريق متناقض فهي تستقبل الإخوان والسيسي في نفس الوقت. وأضاف اللاوندي في تصريحات خاصة ل"المصريون" أن زيارات السيسي الخارجية أقلقلت أمريكا لأنها رأت أن مصر أصبحت علاقاتها جيدة بأوروبا فلماذا لا تكون علاقتها جيدة بأمريكا أيضا مؤكدًا أن القول بأن إعادة المعونة الأمريكية حتي لا تخسر مصانع السلاح الأمريكية صحيح لأن المعونة التي تعطيها أمريكا لمصر تعود إليها مرة أخري في صورة ثمن للسلاح الذي تشتريه منها مصر، مشيرًا إلى أن هذا الموقف حددته استراتيجية السياسات الأمريكية، والتى هى أكبر من الرئيس أوباما ذاته، لأن هذه السياسات ترسم خطط الولاياتالمتحدة لسنوات قادمة، وهذا الأمر تم ليس لمجرد استدعاء السفير الأمريكى فى الخارجية المصرية، إنما إدراكاً من الأخيرة لأهمية مصر وتأثيرها فى مجريات الأمور فى الشرق الأوسط. من جانبه، قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن "الموقف الأمريكي تجاه مصر في تراجع مستمر، فلم يعد يوصف الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيس الانقلاب، فبدأ يتآكل بسبب نجاح النظام الحالي في تثبيت أقدامه بالداخل وأنه يحظى بتأييد شعبي حقيقي، بالإضافة إلى تغيير الموقف الإقليمي في الشرق الأوسط بأكمله". وأضاف "الموقف الأمريكي الأخير من الرئيس عبد الفتاح السيسي ليس موقفًا محايدًا ولكن موقفًا سياسيًا متدنيًا"، مشيرًا إلى أن الولاياتالمتحدة أصبحت تسعى لتطبيع العلاقات مع مصر" قائلاً: "أمريكا هي اللي قدمت تنازلات مش إحنا". وقال السفير عبدالرؤوف الريدى، سفير مصر الأسبق فى واشنطن: «هذا الموقف يؤكد أهمية تحرك الدبلوماسية المصرى فى الفترة الأخيرة، وتقدير أمريكا للدور المصرى فى الحفاظ على استقرار المنطقة». وأضاف أن هذا الموقف الرسمى من الكونجرس يؤكد حرص الأخير على الحفاظ على دفء العلاقات، الذى عاد بالتدريج عقب اندلاع ثورة 30 يونيو وأمريكا لا يمكن أن تستغنى عن مصر، ولا يمكن لنا أن نستغنى عن الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة أن من المصلحة المشتركة الحفاظ على العلاقات القوية. وشدد الدكتور فخرى الفقى، مساعد رئيس صندوق النقد الدولى السابق علي أن مصر لها الحق فى المعونة، ولا يمكن التنازل عنها، خاصة أنها كانت مرهونة باتفاقية السلام.