يقف الدكتور ياسر برهامي، والإعلامي أحمد منصور على طرفي نقيض من الصراع الذي تشهده مصر منذ الإطاحة بالدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة يناير، فالأول انحاز بوضوح إلى "خارطة الطريق" التي أعلنها المشير عبدالفتاح السيسي وقت أن كان وزيرًا للدفاع في 3يوليو 2013، بكل تداعياتها، ليس هذا فحسب بل كان شريكًا أصيلاً فيها، بعد أن حضر الدكتور جلال مرة، القيادي البارز بحزب "النور" مع الرموز السياسية والعسكرية والدينية التي باركت خطوة الإطاحة بالرئيس وقتها. في حين أن منصور، انتماؤه الفكري إلى "الإخوان المسلمين" معلوم للجميع، لكن هذا لم يمنعه من الاصطدام في كثير من الأحيان بسياسات وأفكار قيادات الجماعة، كما أنه يعد من أبرز الوجوه الإعلامية التي تصدرت المنصة بميدان التحرير في ثورة 25يناير 2011، مثلما كان من أشد الرافضين لما يصفه ب "الانقلاب" على "الرئيس الشرعي"، وتعرض للملاحقة من قبل الأمن المصري، وتم التحفظ على أمواله وممتلكاته في مصر جراء موقفه المناهض للسلطة الحالية. الاختلاف في المواقف بين برهامي ومنصور لم يمنعهما من الاتفاق في مقالين نشرا لهما أخيرًا على تشخيص الصراع الذي تعيشه مصر منذ 3يوليو وحتى الآن، على أنه "معادلة صفرية" يخوضها طرفا الصراع: السلطة من جهة، والإخوان وشركائهم من جهة أخرى، وإن اختلفا بوضوح على طرح العلاج المناسب له ومقترحات الخروج منه، فالأول يتبنى نهجًا يميل إلى رفض الصدام بشكله الحالي، والثاني يدعو "الإخوان" إلى مواجهته والتخلي عن استراتيجيتهم الحالية. وينطلق برهامي في مقاله المنشور عبر موقع "أنا السلفي" من حقيقة تاريخية بأنه "رغم أن الصراع بين الأمم والطوائف وأهل الملل قد شهد عبر الزمان معارك فاصلة كان النصر فيها حليفًا لأحد الطرفين بطريقة حاسمة، إلا أن سنن الله الكونية لمن تأملها دلت على أن هذه المعارك لا تمحي الطرف المغلوب مِن الوجود بالكلية"، ويضيف: "فمن عرف التاريخ عرف أن الوصول إلى المعادلة الصفرية "إما تقضي عليَّ بالكلية وإما أن أقضي عليك بالكلية" لا يكاد يقع في العالم إلا قبيل قيام الساعة في زمن المسيح عليه السلام كما بيَّنَّا حين تصبح الملة واحدة هي الإسلام دون ما سواه". ويصف ما يحصل في مصر ب "الدائرة المفرغة"، التي يدعو إلى إخراج البلاد منها لأن "هذه الأمور لا تحتمل المعادلة الصفرية الوهمية، بل لا بد مِن التكاتف والتعاضد والتعاون والتعايش مع المخالف، واقتسام الحياة بدلًا مِن قهر الآخرين. ويمضى محذرًا من أن "وسائل التأثير التي يظنها البعض سلاحًا ماحقًا مثل الإعلام والمال، بل والقوة العسكرية لا تمحق، بل في حالة الصراع الداخلي والحروب الأهلية إنما يمحق كل طرف جزءًا مِن نفسه وجزءًا مِن خصمه، والجزء الأكبر من شعبه وأمته ومستقبل وطنه، وكلما نزف الدم وكثر القتل؛ جذب مزيدًا مِن النزف والقتل، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أشراط الساعة: "ويكثر الهرج، فقيل: وما الهرج؟ قال: القتل القتل". أما أحمد منصور، فهو يبدو واثقًا ثقة مطلقة لايقبل معها أي شك بأن حكم الإعدام بحق محمد مرسي سيتم تنفيذه لامحالة، ويصف من يعتقدون بغير ذلك ب "السذاجة"، لأن "كل من لديه أبسط مراحل الفهم والإدراك يعلم من متابعته لسياسة السيسي تجاه الإخوان من أول يوم أنها سياسة صفرية لا تقبل أنصاف الحلول أو المصالحة وأن السيسي قرر أن يكسر شوكة الإخوان ويقضى عليهم ولا مجال للصلح معهم وينفذ مخططه الدموي بحزم وعزم وعنف ودموية دون أن يرف له جفن". ويمضي منصور إلى القول بأن "السيسي لن يشعر أنه أصبح حقًا رئيسًا لمصر إلا بعد الخلاص من الرئيس الشرعي الذي انتخبه الشعب. لأن مصر الآن بها رئيسان: منتخب هو مرسي، وانقلابي متغلب مغتصب هو السيسي، ولابد في النهاية أن يكون هناك رئيس واحد لمصر إما المنتخب؟ وإما المتغلب المغتصب للسلطة"؟. ويطالب الإخوان بالتوقف عن رهانهم على الغرب، لأن "الغرب لا يحترم إلا الأقوياء الذين يفرضون الواقع وهنا أسأل الإخوان لماذا استبدلوا شعار "الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا" بشعار "سلميتنا أقوى من الرصاص"؟. منصور تحلى بالشجاعة حين اعترف بأن "فشل" مرسي خلال السنة الوحيدة التي أمضاها في السلطة هو السبب الرئيسي فيما وصلنا إليه الآن وإغراق البلاد في حمام دم، عندما أبدى تعجبه من بيان الإخوان الذي قال إن "العالم كله سيدفع الثمن إن أعدم مرسى"، ليعلق قائلاً: "وكأن دماء مرسى أغلى من دماء آلاف الشهداء التي سالت وتسيل منذ انقلاب السيسي والتي يتحمل مرسى وقيادات الإخوان بأدائهم الفاشل سواء في مجلس الشعب أم الرئاسة والحكومة السبب الرئيسي فيها". أجدني متفقًا تمامًا في الرأي مع برهامي ومنصور بأن الصراع في مصر بشكله الحالي، هو "معادلة صفرية"، لاخلاف على ذلك، وهو الخطر الأكبر الذي يهدد البلاد، لأن قطبي الصراع لايقبلان الالتقاء عند حل وسط يمكن أن يجنب البلاد ويلات الدخول في حرب أهلية مدمرة وقانا الله شرورها. أهم ما في كلام برهامي هو تحذيره الواضح للسلطة من أن ثلاثية "الإعلام والمال والقوة العسكرية" التي تعتمد عليها حاليًا لن تحقق لها نصرًا حاسمًا في معركتها ضد الإخوان، وهو يدعوها معها إلى استخلاص العبر من صراعات الماضي البعيد، حتى تقبل بفكرة "التعايش مع المخالف، واقتسام الحياة بدلًا مِن قهر الآخرين"، وأنا أراه يتحدث بصدق عن الخطر الذي يتهدد مصر إن لم تخرج سريعًا من "المعادلة الصفرية"، أو "الدائرة المفرغة" التي تدور فيها حاليًا. في حين أن خطاب منصور الموجه إلى الإخوان يحمل في طياته رسالة بالغة الوضوح إليهم يدعوهم فيها إلى التخلي عن استراتيجيتهم الحالية "سلميتنا أقوى من الرصاص"، لأنها أثبتت عدم جدواها من وجهة نظره، ويدعوهم إلى إحياء شعارهم "الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، منطلقًا في دعوته إلى أن السيسي لن يقبل ب "أنصاف الحلول" ولن يهدأ له بال حتى يقضي على شوكة الجماعة بشكل تام، نعم هو محق في استنتاجه الأخير. لكن وهو حين يدعو إلى انتهاج المواجهة الشاملة ضد النظام بعيدًا عن نهج "السلمية" الحالي، فإنه كمن يسكب البنزين على النار مشعلاً نارًا ستحرق الجميع دون تمييز، وستقودنا لامحالة إلى مصير الدول الغارقة في الفوضى الشاملة والاقتتال بين أبنائها، كما هو حاصل الآن في سوريا وليبيا والعراق واليمن. نعلم أن الدم يولد الدم، وشيوع الظلم يعطي المبرر للداعين إلى رفع السلاح، ويمنح الجانحين إلى العنف الضوء الأخضر، لكن الجميع لايفكر في المصير الأسود الذي تنتظره مصر، والشر المستطير الذي سيحيق بالبلاد والعباد حال انزلقت إلى العنف الشامل، إلا أنه يجب علينا أن نغيب عقولنا تمامًا ونترك أنفسنا نخوض في هذا الوحل، وتتحرك السلطة بجدية لإطفاء النار المشتعلة في مصر، لأنها الطرف الأقوى في الصراع وهي التي تمتلك إن أرادت إطفاء جذوة العنف قبل أن تحرق مصر.