ربما يظن القارىء الكريم للوهلة الأولى أن من غير اللائق إثارة هذا الموضوع في هذا الوقت الذي يموج بالأحداث المتلاحقة والدامية في مصر والعالم العربي، والحقيقة أن القضية التي يطرحها هذا المقالتتعلق تماما بالثورة التي نعيشها الآن بحلوها ومُرِّها ولا تنفصل عنها بأي حال من الأحوال. كنت قد كتبت قبل الثورة مقالا في هذه الصحيفة الغراء تحت عنوان "الدبلوماسية القطرية وصفرنا في المونديال" تحدثت فيه عن الخارجية المصرية وكيف تراجع دورها على الساحة الدولية مع تعاظم دور دول أخرى أقل وزنا على الساحة السياسية وأرجعت ذلك إلى ضعف القائمين على الشئون الخارجية آنذاك وعلى رأسهم الوزير خالد الذكر أحمد أبو الغيط الذي لا أزال أعتقد أنه لا يصلح أن يكون حتى ناظرا لمدرسة ريفية بسيطة في قريتنا العامرة. وبعد مرور ما يقرب من العام على المقال المشار إليه تأملت المشهد فإذا به لم يتغير، وربما ازداد الأمر سوءا، فقد كنت ضمن الوفد الذي رافق الأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية والمفكر المعروف إلى السودان الشقيق الأسبوع الماضي بعد أن قرر الفريق عمر البشيررئيس الجمهورية منح الرجل وسام العلوم والفنون بالإضافة إلى الشاعر السعودي الدكتور عبد الله باشراحيل الذي مُنح هو الآخر وساما لجهوده الأدبية، وآثر البشير أن يُكرِّم الرجلين في القصر الجمهوري بالخرطوم. اتجه الدكتور عويس إلى القصر الجمهوري لتسلم الوسام ومعه الوفد المرافق له، وكذلك فعل الدكتور باشراحيل إلا أن المفارقة التي أصابتني بالإحباط أن السفير المصري والمستشار الثقافي لم يهتما بحضور هذا التكريم الذي هو في حقيقة الأمر تكريم لمصر كلها، فسألت القائمين على الأمر ومنهم الدكتور جمال نور الدين مستشار الرئيس السوداني فأكد لي أن السفارة المصرية تلقَّت دعوات بهذا الشأن إلا أن أحدًا لم يكترث، بينما لم يغب السفير السعودي ومعه المستشار الثقافي عن المشهد وبالتالي كان المنظر مؤسفًا جدًا لاسيما وأن الإعلام المصري المتمثل في تلفزيون الدولة وصحفها -وعلى رأسها الأهرام- كان غائبا هو الآخر وكأن الأمر لا يعنيه أو أن الرجل مشكوك في مصريته ووطنيته. هذا الذي حدث في الخرطوم كما شهدته، ومعي أ.د أحمد عمر هاشم وأ.د محمد أبوليلة وأ.د محمد حمزة، وأ.د عبد الله عياد والصحفي أ. محمد سعد وغيرهم، وهو الأمر الذي يجعلنا نمعن في التساؤل: إلى متى نتجاهل رموزنا الحقيقيين في حين نحتفي بتلك المجسَّمات الكرتونية التي تصنعها يد العبث الآثمة؟! ألم يكن عبد الحليم عويس أولى بجائزة الدولة من السيد القمني الذي كشفت هذه الصحيفة زيفه وسوء بضاعته؟! أم إن الأمر لا يزال منوطا ببعض مدعيي الثقافة من العصر البائد الذي لم يفرق بين الغث والسمين؟! ولمصلحة من تُشوه صورة مصر في الخارج على هذا النحو المزري؟! وما وظيفة السفارات والملحقيات في الخارج إذا لم تكن هذه الفعاليات والأنشطة من صميم عملها؟! ألم يأن لخارجيتنا المصرية أن تراجع نفسها وترتب أولوياتها بما يتناسب مع الثورة التي قامت لتقضي على الفساد والمفسدين؟! أجيبونا يرحمكم الله!! [email protected]