استمعت إلى العديد من الشباب الذين شاركوا في التظاهر أمام السفارة الإسرائيلية أكثر من مرة ، والذين عايشوا أحداث ليلة اقتحام السفارة وهي التي أدت إلى صدور قرار بتفعيل العمل بقانون الطوارئ في اليوم الثاني مباشرة ، كل من استمعت إليهم أكدوا أن المئات من الأشخاص الغامضين والبادي على سلوكهم وطريقة كلامهم والوشم المرسوم على أذرعهم أنهم بلطجية ، كانوا الأشد حماسا لاقتحام السفارة وإشعال الحرائق والهجوم على سيارات الشرطة ، وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق ، إلا أن ما نشر أمس بالأهرام على لسان مصدر قضائي رفيع أكد كل ما ذكره هؤلاء الشباب ، حيث كشف المصدر عن أن التحقيقات مع عشرات المقبوض عليهم أزالت الستار عن خطة تخريب عمدية خطط لها رجل أعمال ثري لم يذكر المصدر اسمه وأنه جمع حوالي مائة وخمسين بلطجيا من مناطق مختلفة في دائرة الهرم والتقى بهم في مزرعة خاصة به في طريق القاهرةالاسكندرية الصحراوي قبل الأحداث بيوم حيث نقلتهم ثلاث حافلات سياحية فاخرة ، حيث أقام لهم وليمة فاخرة جدا عجز المتهمون عن معرفة أسماء الطعام الذي قدم لهم فيها ، وقد دفع لكل واحد منهم مبالغ نقدية كبيرة وطالبهم بالهجوم على السفارة الإسرائيلية وعمل اللازم . ماذا يعني هذا كله ، بالتأكيد يعني أن مصر كلها أصبحت أسيرة كل مائة بلطجي يقومون بأي عمل فيتم عقاب الشعب كله بناء على ذلك ، لأن الذي ثبت حتى الآن أن قانون الطوارئ صدر ردا على أعمال إجرامية افتعلها مائة وخمسون بلطجيا أو أكثر أو أقل ، وبافتراض حسن النوايا عند الجميع وأن الحكاية لم تكن "تلكيكا" لفرض حالة الطوارئ وحصار القوى السياسية ، فإننا سنكون الآن أمام حالة اختطاف أمني مستمرة ، وهي نفس حالة الاختطاف التي كانت سائدة في فترة نظام مبارك ، عن طريق افتعال قضايا إرهاب أو بلطجة لتمرير قانون الطوارئ أو حالة الطوارئ ، والمجلس العسكري الذي قال أن الطوارئ ستنتهي في منتصف 2012 هو نفسه الذي قال قبل ذلك أن الطوارئ ستنتهي قبل الانتخابات البرلمانية ، ثم حنث بوعده وقرر مد الطوارئ ، لسبب تافه جدا ، ولو تصورنا منطقا لهذا السبب فنحن إذن سنعيش في حالة طوارئ لمدة قرن كامل مقبل ، لأن أي سلطة لن تعدم أن تواجه بعض حالات الانفلات أو البلطجة أو المخدرات أو الشغب أو غير ذلك ، هذا إن لم يصنعها بعض الأجهزة الرسمية اصطناعا ، لأن الطوارئ تعطي سلطات غير محدودة للأمن وصاحب السلطان ، بقدر ما تحرم المواطن من ضمانات قانونية ودستورية عديدة ، لحريته وكرامته وأمنه وأمانه وحقوقه السياسية والإنسانية ، وتجعله رهنا لحنان وعفو وكرم صاحب السلطان وليس في حماية القانون والدستور . وزارة الداخلية التي تشعر بأن الحكاية فضيحة ، أصدرت بيانا أمس قالت فيه أنها وضعت ضوابط لجعل قانون الطوارئ ضد الأعمال الإجرامية والخارجين على القانون وليس ضد السياسيين ، وهذه هي نفسها لغة نظام مبارك وحبيب العادلي ، كلما قرروا مد الطوارئ خرجوا على الناس بالقول أن الطوارئ هي ضد البلطجة وتجارة المخدرات والإرهاب ، في الوقت الذي كان فيه النظام أكبر راعي للبلطجية ، بل إن البلطجة لم تتحول إلى مؤسسة تتسع لعشرات الآلاف إلا في ظل الطوارئ ، وفي زمنها كان العصر الذهبي للمخدرات بجميع ألوانها ، بينما كانت الطوارئ عند الحاجة تسحق أي تحرك شعبي أو احتجاج سلمي لأي حزب أو جماعة سياسية ، والحقيقة أنني أشم رائحة الغدر في بيان الداخلية نفسه عندما قال أن الطوارئ لن تكون ضد التحركات السياسية السلمية التي تتم خد بالك "في إطار الالتزام بالشرعية والقانون" ، والشرعية هي ما يقرره صاحب السلطة بأنه شرعية ، والتحرك السلمي هو تحرك مشروع بذاته ، ولا يحتاج إلى أن تضيف إليه الالتزام بشرعية وقانون إلا إذا كنت تفخخ الكلام وتجعل أي تحرك سياسي تحت رحمة تفسيرك للشرعية أو رهنا بنواياك الطيبة في تطبيق الطوارئ . حالة الطوارئ لم تمدد من أجل البلطجة ، فالبلطجية ما زالوا حتى الآن يرتعون في مدن مصر وقراها وميادينها على عين الشرطة وبرعايتها لأنهم يعرفون أنهم سيحتاجونهم في بعض المواقف المقبلة ، بل أزعم وعلى مسؤوليتي أن الطوارئ هي لحماية البلطجية ورعايتهم وليس لسحقهم ، ومنذ صدور القرار لم تشهد مصر أي حملات موسعة ولا مضيقة على البلطجة في عموم مصر ، والانفلات الأمني سببه الرئيس ليس ضعف القانون العادي بل تعطيله عمدا ، وتعمد وزارة الداخلية وقياداتها إحداث فراغ أمني وفوضى، لجعل الناس تتحسر على أيام مبارك وتكره الثورة وعواقبها ، وإلا فإن لديهم ترسانة من القوانين والأدوات التي يمكنهم بها إذا استخدموها سحق البلطجية وإنهاء دولتهم ووقف الاستباحة المدهشة في الشوارع والمرور والسرقات وغيرها ، أقولها بكل وضوح ويقين ، الطوارئ تم مدها لتهديد القوى الوطنية وإرهابها من ممارسة الحق في التظاهر والاحتجاج السلمي ، وإطلاق يد أجهزة الأمن المدني والعسكري للتعامل العنيف مع امتدادات الثورة وكسر شوكتها ، وأي كلام آخر عن مبررات مد الطوارئ هو مع احترامي دجل شبعنا منه أيام إعلام مبارك ، ونفايات كلام لم تعد قابلة لإعادة التدوير والانتاج في مصر الجديدة ، مصر الثورة . [email protected]