لا يمكن استنساخ اللحظة السابقة ولا يمكن إعادة تكرارها لأنه لا يمكنك أن تنزل نفس النهر مرتين كما قال هرقليطس! وبتعبير آخر لن يعود مرسي للحكم مرة أخرى ولن تتمكن أي قوة من إعادة قبضة مبارك الأمنية لأنه باختصار التاريخ يتطور ولا يعيد نفسه وتلك القاعدة يتجاهلها الجميع ابتداء ممن يرونه انقلابا ويمنون أنفسهم بعودة ما سموه المسار الديمقراطي الذي أسقطه الشعب ويحاولون استنساخ الثورة في أيامها وبنفس أحداثها وتواريخها ومرورا بالسلطة التي لا تبذل الجهد في الانفتاح على أفكار الثورة وأهدافها بتحقيق الحرية الشخصية والعدالة الانتقالية في المحاسبة الجادة والشفافية بنشر المعلومات وإيضاح الحقائق. إن الاعتراف بالخطأ والمحاسبة هما أكبر ضمان للسلطة بالتطور والبقاء ومثال على ذلك مقتل الناشطة شيماء الصباغ فلو اعترفت الداخلية واعتذرت وقدمت المسئول للمحاكمة وفقا للقانون لكان ذلك علامة على تطور هذا الجهاز الذي نحتاجه قويا ولوأد الفتنة وأشاع في النفوس مفهوم العدل أو على أقل تقدير تقديم الدليل الواضح لبراءتهم فتطمئن القلوب بأن الحق ظاهر أما ما يحدث من اللغط والنفي بدون تقديم دليل فهذا يعني الاستمرار في نفس الأخطاء وتوقع نتائج مختلفة عما حدث سابقا . إن تضحيات إخواننا في الشرطة محل تقدير من الشعب لكن محاربة الإرهاب لا تبرر اعتقال وقتل الأبرياء ولا تبرر تغييبهم في السجون حتى يبين الحق من الباطل ولأننا نحارب العنف والإرهاب والتفكير الرجعي ولا نحارب أعضاء الجماعة بالشبهة فليس كل من انتمي يكون إرهابيا فالإرهابي هو الذي يرفع السلاح ضد الدولة لا من يمشي في مظاهرات ضدها والإرهابي هو الذي يقطع الطرق ويعطل المارة لا من يقف على جانب الطريق بالشعارات وهذا التمييز مهم للتفرقة بين من يستخدم العنف ومن يستخدم حقه الدستوري في التعبير كما أن فض أي تظاهرة لا بد لها من إجراءات معلومة مسبقا ابتداء من التنبيه ثم استخدام المياه ثم استخدام القنابل المسيلة للدموع ثم استخدام الرصاص الحي في حالة تم مجابهة الشرطة واستخدام الرصاص ضدها وأن يكون الضرب في أسفل الجسم وفي القدمين وليس في الرأس ولا في العيون ولا في القلب . إن حرية المواطن هي أكبر حصانة للمجتمع وللدولة من الفكر المتخلف الذي يقصي الآخر كما أنه يمثل ضمانا للأمن بعكس النظرية التي تقول أن الحرية مدعاة للفوضى فلا تغلق فمي ودعني أتكلم وكن حازما في تطبيق القانون إن خالفت ، كما أن حرية التعبير بما في ذلك من التظاهرات يمكن مواجهتها بتركها طالما لم تقطع طريقا ولم تسيء لأشخاص أو مؤسسات بالهتافات المعادية وطالما اتسمت بالرقي في شعاراتها وأهدافها وطالما أنها ستكون تحت مسئولية منظميها ويمكن محاسبتهم إن خالفت ما نزلت من أجله . إن إطلاق الحريات بضوابط يرتضيها المجتمع يضمن أمنه ويمنحنا استقرارا ، كما أن التعاطي الإيجابي معها يدفع السلطة إلى معالجة أخطائها وتخفيف حالات الغضب الموجودة لدى الشباب وكذلك يضمن التمييز بين دعاة الفكر الهادم للدولة والفكر البناء وتكون الصورة أوضح للمجتمع في التفريق بينهما ومعرفة من يريد هدم الدولة ومن يريد تطويرها وبنائها وغير ذلك سيكون محاولات فاشلة لإعادة اللحظة السابقة بدون جدوى. أما فيما يتصل بجماعة الإخوان المسلمين وحلفائها فهي تعيش وهما كبيرا اسمه الشرعية وتتخذ آليات عقيمة تتمثل في محاولة إحياء ما هو ميت بالفعل . فلا الثورة تتكرر ولا الشعب أصبح مهيئا للاستماع إليهم لذلك تفشل كل أنواع الحراك من جانبهم لعدم استجابة المواطن لهم رغم القنوات الممولة من مجهولين في تركيا ورغم التحريض المستمر للناس على النزول بدعوى الثورة التي سرقوها ثم باعوها ثم يحاولون التجارة بها مرة أخرى بعد خروجهم من السلطة . الجماعة خسرت الكثير بعد 30 يونيو لعدم توقفها قليلا وممارسة النقد الذاتي ومعرفة لماذا خرجت الملايين في ربوع مصر لكي تقصيهم من السلطة وفضلوا التفسيرات التي تريحهم من وطأة الإحساس بالفشل من قبيل انقلاب عسكري ومظاهرات فوتوشوب وأن الذين خرجوا ضد مرسي يكرهون الإسلام أو أن العالم وقف مع الانقلاب لأن مرسي كان سيطبق الشريعة وغير ذلك من التأويلات الجاهزة وهي ميكانيزمات دفاع فقط ليس إلا . لو أنهم تريثوا قليلا لعلموا أنه لا قيمة للسلطة في مقابل نقطة دم واحدة ولعلموا أنهم شركاء في كل الدماء التي سالت عبر تحريضهم للشباب ورميهم للموت باسم الشهادة والحقيقة أن الوطن خسر طاقات بناءة منهم وكان يكفي بيان اعتذار يوم 3 يوليو للشعب مع الوعد بتصحيح الأخطاء والعودة مرة أخرى للنسيج الوطني والعمل الدعوى والسياسي وكنا خضنا تجربة مختلفة لكن لا جدوى من كلمة لو لأن الشيطان سكن كل التفاصيل بالفعل . الوطن جسد واحد لكن أعضائه تئن ولا يمكن بتر عضو فيه إلا تشوه الجسد والعلاج أولى من البتر كما أن تسكين الألم لا يمنح الشفاء ولكنه يؤجل الوجع لفترة مؤقتة وكلما بكرنا بمواجهه تلك الآلام كلما كان العلاج ممكنا ولا أعرف على وجه الدقة هل تأخرنا أم لا لكن لابد من المحاولة والتنازل من كل الأطراف حتى يعود الوطن سليما معافى من الأمراض والآلام وإذا كان عقلاء الوطن لا يسهمون في النصح والتوجيه في وقت الأزمات فهذا زمن الجنون لا ريب !.