تشهد الانتخابات البرلمانية القادمة سخونة فى المشهدين السياسى والحزبى، فهناك أحزاب أعلنت عدم مشاركتها فى البرلمان القادم، وهناك أحزاب قوية لن تكون موجودة فى المشهد الانتخابى، إضافة إلى تضاؤل فرص تيار الإسلام السياسى فى المنافسة أو حتى الاقتراب من كرسى البرلمان القادم. وتتشابه ظروف البرلمان الحالى ببرلمان ما قبل ثورة يناير من حيث ضعف الأحزاب الموجودة على الساحة، بالإضافة إلى محاولة خلق نوع من التحايل على الدستور بمنح أغلبية للبرلمان القادم من خلال تحالف حزبى قوى وعمل قائمة موحدة تكون على غرار الحزب الوطنى فى انتخابات برلمان ما قبل الثورة وسيطرة أحمد عز الرجل الأقوى وقتها فى نظام مبارك على المشهد الانتخابى برمته. ويحاول النظام الحالى تكريس فكرة الانتخابات الفردية وتهميش دور العمل الحزبى والذى ظهر جليًا من خلال قانون الانتخابات، الذى أكد أحقية الفردى فى ثلثى مقاعد البرلمان كذلك الدعوة إلى توحد جميع الأحزاب فى قائمة واحدة رغم اختلاف أيديولوجياتهم الفكرية، ويسير النظام الحالى على خطى برلمان أحمد عز ويحاول استنساخ تجربته من حيث محاولاته عمل قائمة موحدة تكون موالية للنظام وعدم وجود معارضة داخل المجلس لتكرار سيناريو برلمان ،2010 الذى سيطر عليه الحزب الوطنى تمامًا، واختفت المعارضة وأطلق عليه حين ذلك برلمان أحمد عز نسبة إلى سيطرة المهندس أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطنى وقتها على المجلس برمته. فالنظام الحاكم يحاول تكرار نفس المشهد تقريبًا والسيطرة على الآراء المعارضة داخل المجلس وترك الحرية لرئيس الجمهورية وحكومته فى تسيير الأوضاع كيفما شاء مع السيطرة على مكمن الخطورة فى مجلس النواب القائم على سن وتشريع القوانين المنظمة للشعب المصري. وفى إطار ذلك ترصد "المصريون" محاولات السيسى السيطرة على البرلمان القادم من خلال استنساخ برلمان 2010ما قبل ثورة يناير الذى سيطر عليه رجل الأعمال أحمد عز الرجل الأقوى فى نظام مبارك. وقال الدكتور محمد السيد أمين لجنة الشؤون السياسية بالحزب الناصرى، إن البرلمان القادم سيعانى من محنة، لأن من وضع قانون الانتخابات هم فلول الحزب الوطنى، كما أن الحكومة التى ستشرف على انتخابات البرلمان. وأضاف السيد أن الحزب الوطنى يعود من جديد ولكن بصبغه مختلفة، وسوف يكرس للرأى الواحد الموالى للنظام دون وجود معارضة وإن كانت ستكون شكلية، لافتا إلى أنه إذا كان النظام الحالى يريد برلمان ثورة فكان لابد من منع الفلول من دخول البرلمان، فوجود قائمة موحدة هو شيء من الخيال لا سيما فى ظل اختلاف التوجهات السياسية للأحزاب، فعندما يتم جمع الأحزاب فى قائمة واحدة ستنتهى فكرة الانتخابات. من جانبه، رأى الدكتور محمد سليمان لاشين عضو الهيئة العليا لحزب المؤتمر، أن القائمة الواحدة سوف تكرس لعملية الانفراد بالقرار وتقضى على التعددية الحزبية، ومن ثم قتل التيار المعارض فى البرلمان، ولا يوجد صوت واحد يمكنه أن يحقق مطالب المواطنين، فوجود أكثر من قائمة فى الانتخابات البرلمانية سوف تعطى الفرصة للمواطنين اختيار الأنسب، كما أنها سوف تخلق معارضة حقيقية فى البرلمان. فلجنة الخمسين التى أقرت الدستور المصرى أعطت صلاحيات كبيرة لمجلس النواب، ومن حق الجميع الترشح، ولكن على الجانب الآخر، فالديمقراطيات العتيدة فى أوروبا لا يوجد بها عدد الأحزاب الموجودة فى مصر الآن، والتى قد تصل إلى 135 حزبا مقارنة بثلاثة أحزاب على الأكثر فى الدول الغربية، وهذا ما قد يفشل مشروع القائمة الموحدة الذى دعا إليه السيسى خلال اجتماعه مع الأحزاب السياسية. وقال المستشار أشرف عمران رئيس اللجنة القانونية بحزب الاستقلال، إن إعداد قائمة موحدة يخالف الدستور والقانون الذى ينص على تعدد الأحزاب، فالنظام الحالى يحاول القضاء على وجود حياة حزبية، وقد ظهر ذلك من خلال إقرار قانون الانتخابات الذى يسمح بوجود مرشحين بنسبة 80% على مقاعد الفردى، مقارنة بوجود 20% فقط للأحزاب، ما يعنى أنه يحاول تحجيم دور العمل الحزبى وإعطاء الفرصة لمزيد من الأفراد الذين يمتلكون المال السياسى لدخول الانتخابات، كما أن الوعود الانتخابية التى سيقدمها مرشحو الفردى للعائلات القبلية ستلعب دورا مهما فى استقطاب عدد كبير من الأصوات. ولفت عمران إلى أن الأحزاب السياسية ليس لها برامج انتخابية محددة أو مقترحات معينة يمكن من خلالها أن تجعلها مشاركة مع بعضها البعض، فالناخب المصرى يعانى من فساد الذوق الانتخابى، الذى قد يجعله يميل ناحية انتخاب المرشحين على قوائم الفردى بسبب ما يوفرونه من مبالغ مالية ورشاوى عينية تجعلهم لا ينظرون إلى المستقبل السياسى ولا يفكرون فى أن هؤلاء الأشخاص سوف يقومون بإصدار التشريعات المنظمة لحياتهم، فالوقت الذى سوف تظهر فيه الأحزاب بشكل قوى على الساحة المجتمعية سيشهد تغيير الناخبين لأفكارهم ومعتقداتهم، وسيميلون إلى ترشيح نواب الأحزاب بشرط أن يوجود هؤلاء المرشحون بين المواطنين واهتمامهم بتلبية طلبات المواطنين بشكل شفاف وحل مشاكلهم العامة قبل الخاصة. ورأى مجدى حمدان عضو الهيئة العليا لحزب المصريين الأحرار، أن إنشاء قائمة موحدة يسير على خطأ النظام السابق، الذى كان يسعى إلى كبح المعارضة من خلال خلق تيار واحد مؤيد للحكومة دون وجود معارضة حقيقية وهذا يعد امتدادًا لسياسات الحزب الوطنى، التى كان يتزعمها أحمد عز والذى كان يحاول تجنيد جميع الأعضاء المستقلين لخدمة مصلحة الحزب وعدم خلق معارضة حقيقية فإنشائها قد يهدد البرلمان المقبل لأنها تخالف الدستور الذى ينادى بوجود التعددية الحزبية وضرورة مشاركة جميع فئات الشعب فى إعداد التشريعات المختلفة. ولفت حمدان، إلى أن محاولات حزب الوفد لإعداد قائمة موحدة قد تؤثر على التحالفات الحزبية، التى تتم بين الأحزاب المختلفة سواء قائمة الدكتور كمال الجنزورى أو قائمة الدكتور عبد الجليل مصطفى أو حتى قائمة الجبهة المصرية.
فيما اعتبر الدكتور شوقى السيد أستاذ القانون الدستورى وعضو مجلس الشورى السابق، أن فكر إنشاء القائمة الموحدة يخالف الدستور والقانون لأنها قائمة على عدم وجود تعددية حزبية، والقائمة تسعى إلى ضم جميع الأحزاب فى اتجاه واحد مما يهدم فكرة المعارضة التى تهدف إلى صالح المجتمع. وأضاف السيد، أن تنوع الأفكار السياسية التى تنتهجها الأحزاب التى تسعى لتكوين جبهة الوفد المصرى بالتعاون مع حزب الوفد سوف يكون أول سبب فى انهيار هذه القائمة، وان لكل حزب أيدلوجية مختلفة عن الآخر، وسوف يسعى كل منها إلى تحقيق مصالحه التى تخدم أفكاره ومعتقداته مضيفًا أن تناقض الأفكار الحزبية قد تجعل المواطنين يحجمون عن دعمها لأنها لا تتبنى اتجاهًا واحدًا، لافتًا إلى أنها سوف تفشل فى مراجعة القوانين والبرامج الحكومية كقائمة واحدة. وقال ناصر أمين، رئيس مركز الاستقلال القضائى إنه لا يمكن المطالبة بقائمة واحدة فهذا النظام سيؤدى إلى نظام الحزب الواحد فى قالب تعددى، حيث إن المادة 5 من الدستور تنص على أن النظام السياسى لابد أن يقوم على أساس التعددية الحزبية والسياسية والمادة 146 الخاصة بتشكيل الحكومة عن طريق الأغلبية البرلمانية. وأشار إلى أنه قامت ثورة يناير بسببب الانتخابات البرلمانية 2010الذى كان يديرها أحمد عز وجعل البرلمان كله حزب وطنى فقط ولم يكن هناك وجود لأى أحزاب أخرى. وقال الدكتور حسن اللبيدى الخبير السياسى، لانعرف ماذا يقصد الرئيس السيسى بلم جميع الأحزاب المصرية تحت قائمة واحدة مع اختلاف أيدلوجياتها وأهدافها فهو بذلك يريد عودة برلمان الحزب الوطنى مرة أخرى وخاصة فى آخر دورة حتى يضمن ولاء جميع الأحزاب له فى أى وقت وأى شىء ويعيد إنتاج فكرة النظام مرة أخرى التى تخلصنا منها فى ثورة يناير فبهذه الطريقة سيكون استنساخًا لتجربة الحزب الحاكم. وأشار اللبيدى، إلى أن القائمة الواحدة لها عدد مقاعد معينة فى الانتخابات لاتتعدى الثلث والثلثين للفردى فكيف يكون هناك برلمان قوى وقتها، فمن الصعب ضم كل الأحزاب فى قائمة واحدة لأن بها شخصيات من الحزب الوطنى وجماعة الإخوان، وأنه من غير المقبول وجودهم على قائمة أى تحالف برلمانى فقد أصبح وجود الفلول أمرًا واضحًا على قوائم التحالفات. وقال عصام شيحة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، إن مطلب السيسى مطلب مشروع وإن التعددية الحزبية مذكورة فى الدستور وليس المقصود منها تعددية قوائم فالوجود فى قائمة واحدة لا يخالف الدستور، طالما هناك تعددية حزبية داخلها إلا أن ما يفعله الأحزاب الآن ليس عمليًا فهى تحاول من فترة طويلة تجميع تحالفات وفشلت فيها ومن الأفضل أن تكتفى بالتحالفات التى بدأت فى الظهور، وإذا تم عمل القائمة الموحدة بالتعددية الحزبية فلن تكون هناك مخالفة للدستور.