صور.. إقبال كبير على البرنامج التثقيفي للطفل بأوقاف الفيوم    نائب عن حزب مستقبل وطن: اتحاد القبائل العربية سيستكمل دوره الوطني مع الدولة المصرية في مواجهة الإرهاب    محافظ مطروح يتابع أعمال تطوير المعهد التكنولوجي العالي    "المصريين": توطين الصناعات الاستراتيجية يسهم بفاعلية في حماية الأمن القومي    «مايلستون» تنطلق بأول مشروعاتها في السوق المصري باستثمارات 6 مليارات جنيه    الأمم المتحدة تقدر تكلفة إعمار قطاع غزة ما بين 30 إلى 40 مليار دولار    زيزو يقود هجوم الزمالك أمام البنك الأهلي    هجوم شرس من نجم ليفربول السابق على محمد صلاح    إحالة تجار الأسلحة بالبدرشين للمحاكمة الجنائية    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    وزيرة التضامن تُكرم مؤلف مسلسل "حق عرب" لدوره التوعوى حول الإدمان    بالصور.. كواليس حلقة "مانشيت" من داخل معرض أبوظبي الدولي للكتاب غدًا    نادي الأسير الفلسطيني يعلن استشهاد معتقلين اثنين من غزة بسجون الاحتلال    غسل الأرجل بمياه اللقان ومنع المصافحة والقبلات.. تعرف على أهم الطقوس في «خميس العهد».. «صور»    بينها إجازة عيد العمال 2024 وشم النسيم.. قائمة الإجازات الرسمية لشهر مايو    الترجي التونسي يتخذ هذا الاجراء قبل مواجهة الأهلي في نهائي دوري الأبطال    "لا مكان لمعاداة السامية".. بايدن يهاجم طلاب الجامعات الأمريكية بسبب الاحتجاجات    الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة فرضت عقوبات ضد 280 كيانا روسيا    السعودية.. حريق هائل بأحد مصانع الأحبار بالمنطقة الصناعية وتحرك عاجل للسلطات    تجديد حبس عنصر إجرامي بحوزته 30 قنبلة يدوية بأسوان 15 يوما    تراجع مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان    للبنات.. تعرف على خريطة المدارس البديلة للثانوية العامة 2024-2025 (تفاصيل وصور)    وزيرة البيئة تنعى رئيس لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    النجمة آمال ماهر في حفل فني كبير "غدًا" من مدينة جدة على "MBC مصر"    الفائزون بجائزة الشيخ زايد للكتاب يهدون الجمهور بعض من إبداعاتهم الأدبية    توقعات برج الميزان في مايو 2024: يجيد العمل تحت ضغط ويحصل على ترقية    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية في الطور    إمام الحسين: كبار السن يلاقون معاملة تليق بهم في مصر    الكشف على 1540 مريضا.. قافلة طبية مجانية غربي الإسكندرية    الخطيب يُطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة أفشة    أدباء ومختصون أكاديميون يدعون لتحويل شعر الأطفال إلى هدف تربوي في مهرجان الشارقة القرائي للطفل    تونس .. بيان مهم من البنك المركزي    الأمم المتحدة: أكثر من 230 ألف شخص تضرروا من فيضانات بوروندي    لحظة انهيار سقف مسجد بالسعودية بسبب الأمطار الغزيرة (فيديو)    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتهام الحكومة بإخفاء خبر انتشار أنفلونزا الطيور كي لا تفسد بطولة أفريقيا .. واقتراح بالاستعانة بالجيش لمواجهة المرض .. وسخرية من تحول رموز المجتمع المدني لتلامذة أمام الدكتورة رايس .. وتأكيدات بأن الإصلاح يبدأ بإنهاء حكم مبارك .
نشر في المصريون يوم 22 - 02 - 2006

نبدأ جولة اليوم من صحيفة " المصري اليوم " المستقلة ، وذلك المقال الخطير لمحمد البرغوثي ، وهو صحفي متهم بشئون وزارعة الزراعة ، والذي كشف عن معلومات جديدة حول مرض أنفلونزا الطيور ، حيث أكد أن المرض وصل إلى مصر قبل شهرين كاملين لكن تم التعميم على ذلك ، وكتب يقول " قد يبدو صادما لكثير من الزملاء الذين أشادوا بشفافية الحكومة في التعامل مع كارثة أنفلونزا الطيور ، أن أصارحهم بأنني على يقين من أن الحكومة كانت قد هذه الكارثة تحديدا أبعد ما تكون عن الشفافية أو الصدق ويعرف كثيرون في هذا البلد – معظمهم من أصحاب مزارع الدواجن وكبار تجارها – أن أنفلونزا الطيور وصلت إلى مصر منذ شهرين وربما أكثر من ذلك ، وقد اجتمعت مصلحة الحكومة وأصحاب المزارع والتجار على تأجيل الإعلان عن وصول الكارثة لأطول فترة ممكنة . قد يبدو مفهوما أن يبذل كل المستثمرين في قطاع الدواجن محاولات مستميتة لتأجيل الخسائر الفادحة التي ستتعرض لها صناعتهم بمجرد الإعلان عن وصول الفيروس الفتاك . صحيح أن حياة إنسان واحد في أي متجمع متحضر أهم كثيرا من هذا الأموال المعرضة للضياع ، ولكن التكوين الاستغلالي لمعظم المستثمرين في هذا البلد ، يدفعهم دائما إلى تفضيل صحة كلابهم وتضخيم حساباتهم في البنوك على حاضر ومستقبل المواطنين ، ولهذا يظل حرصهم على كتمان الأمر حتى ينتهوا من بيع فراخهم أمرا قابلا للتصور . لكن المذهل حقا هو تواطؤ الحكومة مع المستثمرين على عدم الإعلان عن وجود هذا الفيروس بمجرد وصوله ، وهو الأمر الذي يجني الآن ثماره المرة والكارثية منذ أقل من أسبوع " . وأضاف البرغوثي " ويتوقع خبراء كثيرون يعملون في استقلال محترم عن آلة الدعاية الحكومية ، أن تتفاقم الكارثة وتصل إلى مستويات يستحيل عندها على هذا الحكومة بأجهزتها الفاسدة والمترهلة أن تفعل شيئا أو تنقذ أحدا من مصير اسود ينتظر البلاد والعباد إذا لم تأتنا نجدة من حيث ندري أو لا ندري . قبل شهرين تقريبا ، رأي مواطنون كثيرون أعدادا هائلة من الدواجن النافقة في أماكن قريبة من مزارع دواجن في الشرقية والقليوبية ، وكان أصحاب هذه المزارع قد سارعوا إلى مسئولين كبار وأطلعوهم على وجود مرض غريب في الدواجن يكاد يهدد بتخريب هذه الصناعة ، ولكن انتخابات مجلس الشعب في مراحلها الثلاث اقتضت من الجميع السكوت ، وعند منتصف شهر ديسمبر 2005 ظهرت الدواجن النافقة وبأعداد كبيرة في معظم سيارات النقل التي كانت تنقل الدواجن من المزارع إلى أسواق القاهرة والجيزة ، وفي بداية شهر يناير الماضي أخبرني أحد أقاربي بأنه شاهد سيارة نصف نقل عائدة من إحدى أسواق الجيزة وفي أرضية مقطورتها في عدد كبير من الدواجن النافقة . وقال لي أستاذ زراعة وعالم بيئة مرموق إنه في طريقه يوميا من القاهرة إلى مزرعته في الإسماعيلية ظل يشاهد الدواجن النافقة بالمئات وقد تخلصت منها سيارات النقل على جانبي الطريق ، وأن هذا المشهد ظل يتكرر منذ بداية يناير الماضي ولكن يبدو أن استضافة مصر لكأس الأمم الأفريقية كانت سببا فارقا في تأجيل التعامل السياسي مع هذه الكارثة حتى تمر الدورة بسلام . أيا كان الأمر ، فقد حلت الكارثة واستفحلت قبل أن تتفضل الحكومة بالإعلان عن وجودها يوم الجمعة الماضي وفي سرعة عجيبة فاضت سطوح مصر وعشش بيوتها ومزارع دواجنها بالطيور النافقة ، وغصت بها الشوارع ومقالب القمامة وقنوات الري – التي نشرب منها ونأكل الزرع الذي ترويه - . وقد بات واضحا أن الحكومة بكل أجهزتها غير مؤهلة على الإطلاق للتعامل مع هذه الكارثة وهو ما يستدعي التدخل العاجل من منظمات المجتمع المدني لمساعدة المواطنين في تخفيف تبعات هذه المصيبة وينبغي على هذه الحكومة أن تطلب النجدة من كل أنحاء العالم وإلا نخجل من ذلك أبدا ، فنحن نعرف أنها حكومة عاجزة ولكننا سنغفر لها هذا العجز إذا تركت القادرين يعملون على إنقاذنا من هذا الوباء " . نبقى مع نفس الموضوع ، لكن نتحول إلى صحيفة " الوفد المعارضة ، حيث اقترح عباس الطرابيلي الاستعانة بالجيش لمواجهة أزمة أنفلونزا الطيور ، وكتب يقول " لقد استخدمنا القوات المسلحة والهجانة مرات في تاريخ الأوبئة التي ضربت مصر مع الكوليرا عام 1947 ثم في منتصف الستينات من القرن الماضي.. فلماذا لا نكرر هذه التجربة التي نجحت في مواجهة الكوليرا ومحاصرتها.. نقول ذلك لأننا الآن في معركة قومية.. وإذا كنا قد نجحنا في "كرتنة" القرى أيام الكوليرا بفرق الهجانة.. فلماذا لا نستخدم القوات المسلحة وأيضا حرس الحدود.. وكذلك فرق الأمن المركزي في مواجهة هذا الطير الأبابيل.. أليست هذه أيضا من واجبات المقاومة والإنقاذ.. وأن تقوم هذه الفرق بمطاردة الطيور المنزلية تحت إرشاد فرق الصحة والطب البيطري.. وعليها أيضا مراقبة المجاري المائية لمنع انتشار الوباء خلال الحيوانات النافقة التي تسبح علي سطح المياه . القضية اكبر من حملة إعلامية للتوعية.. وهي تحتاج إلي تضافر كل الأجهزة وتركيز الجهود حتى نستطيع أن نعبر هذه الأزمة بأسرع وقت.. وبأقل الخسائر.. وما الذي يمنع من استخدام التلاميذ في حملات التوعية.. وفي الاشتراك في المقاومة بعد حصة إرشادات.. حتى لا يصاب أي تلميذ.. ويا أهل مصر: العبارات من أمامكم.. والطير الأبابيل من فوقكم.. فماذا أنتم فاعلون؟ " . نتحول إلى صحيفة " نهضة مصر " المستقلة ، حيث شكك سعد هجرس أن يكون دفاع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس عن الديمقراطية والإصلاح هو الهدف من زيارتها الحالية للقاهرة ، وكتب يقول " الهدف الحقيقي لزيارة رايس له ثلاثة أبعاد في رأينا : أولا محاولة إقناع الحكومة المصرية بالضغط على حماس كما قالت رايس على بلاطة . ثانيا: محاولة إشراك مصر في الحملة الأمريكية ضد إيران وضد برنامجها النووي ، وإسقاط التحفظ المصري بهذا الصدد ، وهو الخاص بعدم استثناء الترسانة النووية الإسرائيلية . ثالثا : محاولة جر مصر – بأي صورة من الصور – إلى الساحة العراقية على أمل إيجاد مخرج للولايات المتحدة من المستنقع الذي سقطت فيه هناك ولا يعرف كيف تتخلص من أوحاله وفخاخه . هذا هو الهدف الحقيقي ، وليس التمسح عن الديمقراطية المصرية سوى سحابة دخان لصرف الأنظار ، ومحاولة ابتزاز للي الذراع . ومع هذا فإنه لا يكفي أن نقول للدكتور كوندوليزا إننا نفهم المرامي الحقيقية لهذا التكتيك . ولا يكفي حتى أن نقول لها – حكومة ومعارضة – إننا نرفض التنطع الأمريكي على شئوننا الداخلية وأن أهل مكة أدرى بشعابها ، الواجب علينا أيضا أن نقلع عن التلكؤ والتردد أمام ملفات الإصلاح ، ليس فقط لأن التلكؤ يعطي فرصة للدكتور كوندوليزا وغيرها للتدخل في شئوننا الداخلية لإنجاز ما تقاعسنا عن إنجازه ، وإنما أيضا وأساسا لأن هذه مصلحة وطنية لم تعد تحتمل التأجيل أو التسويف " . نبقى مع نفس الموضوع ، لكن ننتقل إلى صحيفة " روز اليوسف" الحكومية ، حيث انتقد الدكتور وحيد عبد المجيد لقاء عدد من رموز المتجمع المدني مع الوزيرة الأمريكية ، وكتب يقول " وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس في بلادنا فأهلا بها وسهلا ، فزيارتها ضمن جولة هدفها الرئيسي هو التشاور بشأن مشكلة البرنامج النووي الإيراني وهذه قضية مهمة ومن واجب واشنطن أن تتشاور حولها مع مصر ، ومن الطبيعي أن تشمل المحادثات قضايا إقليمية أخرى في منطقتنا . وكل هذا مرحبا به بطبيعة الحال ولكن ما لا نقبله هو أن تدس الوزيرة الأمريكية أنفها في أمور داخلية وأن تواصل أداء دور معلم للديمقراطية وحقوق الإنسان ، وليتها لا تنسى أن تأتي هذه المرة بينما آخر صور بثتها قناة تليفزيونية استرالية عن التعذيب الرهيب في سجن أبو غريب مازالت تملأ الفضاء العام ، ولذلك نقول لها إن لدينا مثلا شعبيا حكيما يقول " باب النجار مخلع " وعندما يعرف الناس أن النجار عجز عن إصلاح بابه ، يسخرون من مطالبته إياهم بأن يمكنوه من إصلاح أبوابهم . وهذا هو على وجه التحديد ما نريد أن يقوله لها السياسيون غير الرسميين الذين ستقابلهم هي أو إحدى مساعداتها ، خلال الزيارة ، فالوزيرة الأمريكية لا تفوت زيارة دون لقاء مع بعض الشخصيات يتم ترتيبه عن طريق سفارة بلادها ، وفي كل مرة يكون في هذا اللقاء عدد من قادة وممثلي بعض منظمات حقوق الإنسان ، وفي كل المرات ، كان الموضوع واحدا لا ثان له ، وهو التطور الديمقراطي في مصر والمشكلات التي تواجهه " . وأضاف عبد المجيد " الوزيرة تسأل والحضور يجيبون كل من منظوره ووفق رؤيته وحسب موقفه أيضا ، فنهاك من يتحدث حديثا موضوعيا يحترم فيه نفسه وشعبه وبلده وثمة من يتهافت أمامها فيشكو إليها وربما يحرض أيضا . ونتمنى هذه المرة أن يكون المشهد مختلفا وأن يتحول اللقاء إلى حوار بكل معنى الكلمة وأن يسأل المصريون الحاضرون الوزيرة الأمريكية عن " بابها المخلع " وأن يصروا على أن يسمعوا منها إجابة محددة على السؤال التالي : كيف لها أن تفسر حدوث انتهاكات في سجن أبو غريب لم تشهد المنطقة مثيلا لها في السنوات الأخيرة إلا في دولة واحدة أو دولتين على الأكثر وبدرجة أقل مما كشفته الصور الأخيرة ؟ ثم كيف يلقى من يمارس تعذيبا رهيبا على هذا النحو محاضرات في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ، وأكثر ما أتمناه هو أن يكون المصريون الذين سيحضرون اللقاء معها معبرين عن الوطنية المصرية وشموخها وأن يحاوروها كلمة بكلمة لا أن يجلس بعضهم أمامها كما لو أنهم تلاميذ في فصل مدرسي " . ننتقل إلى صحيفة " الدستور " المستقلة ، حيث علق إبراهيم عيسى على التحذيرات التي أطلقها العالم المصري الكبير الدكتور فاروق الباز من أن مستقبل مصر مظلم ، وكتب يقول " منذ أيام قال دكتور فاروق الباز العالم الكبير والشهير أن ماضي مصر مشرق أما مستقبل مصر فهو مظلم ، والحقيقة أن أحدا غير جمال مبارك وأحمد عز وأسامة الباز شقيق فاروق الباز وضباط أمن الدولة وخدمهم في الصحافة والسياسة هم فقط الذين يظنون أن حاضر مصر ومستقبلها مشرق بناء على تعليمات السيد الرئيس . بطبيعة الحال فإن فاروق الباز كان يقصد مستقبل مصر بمفهومه الشامل من الطبيعة والجغرافيا وحتى الأكل والشرب ، وقد شرح الباز وجهة نظره في ندوة له بدار الأوبرا ، فأشار ( إلى أن مصر في الماضي كانت عظيمة ومزدهرة بعشرات العلماء والمبدعين وأنجبت أحمد وزيل ومجدي يعقوب وأم كلثوم وعبد الوهاب وعشرات المبدعين في كل المجالات ، أما الآن فالإبداع قليل والمواهب ندرت واختفت . فلماذا قل الإبداع ؟ لأن الحياة أصبحت صعبة ونحن مكدسون فوق بعضنا ، الناس في مصر يشعرون بحزن ، لم تعد هناك ابتسامات لأنه ببساطة لا توجد آفاق جديدة للعمل أو الترقي في العمل ، الناس تشعر أنه بدون واسطة لن يكون هناك فرصة للعمل أو الترقي والمفروض أن يكون واقعنا أفضل من ذلك لأن لدينا طاقات ولدينا إمكانيات ، ولكن للأسف الشديد نحن في قاع السلم أمام العالم ، العالم كله ينتج أما نحن فلا يوجد لدينا إنتاج ولا توجد أفكار جديدة ) . وكانت العبارة الحازمة التي يؤسفني أنها تصدم بتوعى أزهي عصور الديمقراطية وتلطم الذين يدقون طبول النفاق الذين يكذبون طول الوقت ويقولون إن مبارك باني مصر الحديثة ( طلع الاسمنت مغشوش) كانت الجملة التي قالها الباز : إن ماضي مصر عظيم ولكن للآسف المستقبل أسود ، فهل يمكن أن تعود مصر عظيمة مرة أخرى ؟ . السؤال الآن : هل يمكن أن يكون فاروق الباز حاقدا جاحدا ومن الحاقدين على مصر مبارك أو من أولئك الذين يريدون أن يعكننوا على مصر وشعبها العظيم فرحة الفوز بكأس أفريقيا " . وأضاف عيسى " عموما مستقبل مصر أسود من وجهة نظر دكتور فاروق الباز لأن حاضرها من وجهة نظرنا زي النيلة ، ولكن هذا لا يعني أن نرمي أنفسنا من فوق برج الجزيرة أو نولع في روحنا بجاز بل المطلوب ابسط من ذلك جدا ، فقط نستطيع تغيير الرئيس حسني مبارك ونظامه , أكاد أسمع من يقول " نولع بجاز أسهل " لكن الحقيقة أن مصر في حاجة إلى شعبها وشبابها بالذات ، بينما لم تعد في حاجة إلى سنوات جديدة ممدودة للرئيس مبارك ولا نظامه ، فضلا عن حزبه وابنه قطعا ، فهذا البلد لم يعد يحتمل شيخوخة القرارات واستبداد السياسات واحتكار الحزب الفاشي والفاشل للحكم ، مصر تعامي مما فعلوه بها طيلة السنوات الماضية ، وأول شفائها هو تغيير طبيبها . كنت في جلسة أخير مع العالم المصري العظيم دكتور رشدي
سعيد ، سألته : ما هو شعورك الآن وقد خضت حربا وحدك منذ سنوات ضد جدوى مشروع توشكي باعتبارك خبير النيل والجغرافيا الأول في عالمنا ، كانوا ينبذونك ويرفضون آراءك ويسخفون مواقفك ويستخفون بعلمك ويحولون توشكي إلى بقرة مقدسة لا يريدون حتى أن يسمعوا ( مجرد أن يسمعوا ) كلمة نقد عنها ومن يقترب فيمسها بسوء خرج عليه النباح والعواء من كل صوب ، الآن ولم يبق من توشكي سوى خسارة مليارات الدولارات وأوبريت غنائي فاشل وسجائر توقف خط إنتاجها ، ما هو شعورك يا دكتور رشدي ؟ . أجاب الرجل بحكمة وعلم وزهد السادسة والثمانين : حزين ليس لأنهم فعلوا ذلك معي بل لأنهم فعلوا ذلك بمصر " . نعود إلى "الوفد " ، حيث فتح سليمان جودة للحديث مجددا عن وعد الرئيس للصحفيين بإلغاء السجن في قضايا النشر ، وأسباب التراجع عنه ، وكتب يقول " دارت التكهنات، عن أسباب التأخير، ودواعي التباطؤ، ومسببات التعطيل، وراح كل واحد يفسر الحكاية، علي طريقته الخاصة،. وحسب رؤيته وتقديره. فهناك من قال مثلاً بأن عدداً لا بأس به من المسئولين الكبار، وقفوا في وجه الوعد الرئاسي، وأخذوا علي أنفسهم عهداً، بأن يتحرك الوعد من مكانه بوصة واحدة، وأن يظل حيث هو، بغير خشية من عواقبه.. بغير أدني حركة، ويبدو أنهم نجحوا في ذلك فعلاً، بدليل أننا نتكلم اليوم، في نفس ما كنا نتكلم فيه، من سنتين كاملتين، وكأن الزمن لا يمر عندنا، وكأن الوقت عندنا بلا قيمة!! . وهناك بالطبع، من قال، وهو يحاول أن يفسر أسباب قتل الوعد الرئاسي، في مهده، أن الفساد في مصر أقوي مما يتصور كثيرون، وأن الفاسدين قادرون علي أن يفعلوا أي شيء، فضلاً عن أن يعطلوا وعداً من هذا النوع، وأنهم يخافون إذا تحقق وعد الرئيس، أن تتوحش الصحافة، وأن تسلط المزيد من أضوائها علي مكامن الفساد وأركان المفسدين، والفاسدين.. وبالتالي، فإن الطريقة الآمنة، لمواجهة احتمال تمرير مشروع القانون الذي ينتظره الصحفيون، وتفويت الفرصة عليه، هي المراوغة، والتحايل، ومحاولة تمويت الموضوع بالرهان علي عنصر الوقت الذي قد يؤدي إلي تراجع الحماس، ثم الرهان أيضاً علي »عامل الزمن« الذي يتكفل وحده بدفع القضية إلي زوايا النسيان ". وأضاف جودة " لقد جرب الصحفيون ذات مرة أن يواجهوا مسئولاً كبيراً، بخلاف الرئيس، حول مصير الوعد الرئاسي فسألوا الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الذي كان صريحاً معهم ربما بأكثر من اللازم وقال لهم ما معناه أن عليهم أن يطلبوا تحقيق الوعد من صاحبه وإنه في معني من معاني الكلام، عبد المأمور، وإن اللمبة الخضراء إذا أضاءت في مكان ما، فسوف يمر مشروع القانون في سرعة البرق، ثم ينجلي عن قانون متكامل الأركان، في لمح البصر!! وقد كان كلام الدكتور سرور، رغم أنه عاد في اليوم التالي. وقال ما معناه إن كلامه لم يكن هكذا بالضبط.. أقول إن خطابه مع الذين سألوه كان أكثر صدقاً، ولم يحاول أن يلف ويدور.. فهو يعرف ونحن نعرف، ثم نغالط أنفسنا أحياناً، أن كل شيء في هذا البلد، يبدأ من عند الرئيس.. وعنده أيضاً ينتهي، وأن أي حديث حول هذا الموضوع تحديداً أو غيره من الموضوعات الأساسية، مع غير الرئيس هو إضاعة للوقت، وإهدار للطاقة وتبديد للكلام، في غير موضعه!! . ففي هذا البلد تتوقف الحركة في أي اتجاه علي إرادة الرئيس، التي إذا تحركت، انعكس ذلك علي كل ما عداه، بالتتالي.. وهذا ما يتعين علينا أن نفهمه جيداً.. فليس صحيحاً أن هناك إرادات أخري إلي جوار الإرادة الأم، التي يسندها ويدعمها الدستور.. فخاطبوا الرئيس، إذا شئتم، ولا تضيعوا الوقت، مع من هم سواه!! " . نعود مجددا إلى " المصري اليوم " ، حيث وجه عمرو خفاجي انتقادات حادة لكل من الدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد والصحفي عباس الطرابيلي رئيس تحرير صحيفة الحزب ، وحملهما مسئولية تدهور أوضاع الحزب إلى ما وصلت إليه الآن ، وكتب يقول " الدكتور نعمان .. الرجل الذي كان المفضل للجميع والمحبوب من الجميع في زمن حكم الباشا .. أصبح الديكتاتور السليط المتسلط في زمن حكمه ، الدكتور نعمان الذي جاء عبر ما يشبه الإجماع من الجمعية العمومية للوفد على حساب فؤاد بدراوي وريث الباشا الشرعي ( الحفيد ) أصبح الطاووس الذي لا يحب إلا نفسه ولا يعرف إلا نفسه ، الطاووس المتغطرس على الجميع حتى على الجمعية العمومية التي جاءت به على مقعد سعد زغلول ، وهي الجمعية العمومية التي لا يعترف بها الآن . ومصيبة الرجل المحبوب هذا .. أنه من اللحظات الأولى لتولي مقعد الحكم وهو يجهز على كل فعل ديمقراطي عرفه هذا الحزب عبر تاريخه وتاريخ قياداته ولا أذيع سرا حينما أقول إن الرئيس مبارك كان دائم الاتصال بفؤاد سراج الدين ( رحمه الله ) حتى عندما مرض الرجل كان الرئيس يتصل للاطمئنان عليه وعلى الحزب ف "الحزب" لم يكن يعرف سوى السياسة . أما الدكتور نعمان ، فكان ما يشغله هو نعمان المحامي ، وليس رئيس الوفد ، وقد تردد كثيرا أن أول مقابلة له مع السيد الرئيس لم يتحدث معه في أي موضوع سياسي ، بل عن شئون مكتبه وعمله الخاص ، وأذكر أنها كانت قضية " حديد أسوان " ..وهكذا فمنذ اللحظات الأولى قرر نعمان أن المحامي أولا ، والسياسي " بعد الظهر " ، وبعد عدة أشهر أصبح الوفد في حساباته قضية هامشية أو أن يكون الوفد مسخرا لمصالحه الخاصة ، وعلى سبيل المثال علاقته الخاصة والمميزة بالدكتور يوسف والي ، والتي منحته الحصانة في صحيفة الحزب ، ولم يكن يجرؤ أي محرر على مس الدكتور والي بسوء ، حتى عندما تفجرت قضية يوسف عبد الرحمن ، لم يسمع بها حزب الوفد أو جريدته الغراء حتى الآن ، وطبيعة العلاقة بين جمعة ووالي معروفة للجميع ولا داعي للخوض فيها . وعبر سنوات حكمه لم يشهد أو يعرف الوفد ( الحزب أو الجريدة ) بطشا ، مثلما شهد في هذه السنوات الحزينة ، فصلا تعسفيا بل فصل من النوع الرديء حيث تم فصل بعض الصحفيين لأنهم رفضوا أداء خدمات شخصية للدكتور نعمان ، أما موظفوه السابقون في كلية الحقوق ، فكانوا الباشوات الصغار داخل الجريدة ، تقريبا كانوا كلهم الحكام المتحكمين في كل الأمور ، كأن الدكتور نعمان قد باع لهم الحزب من الباطن ، بالطبع ميزهم عن الصحفيين لأن الصحفيين لم يجدوا من يدافع عنهم " . وأضاف خفاجي " أما الزميل الطرابيلي فقد فاق الدكتور جمعة ، ولكن في الاتجاه المعاكس ، خنوع كامل في مواجهة صلف رئيس الحزب ، وقد اندهشت وتعجبت عندما أعلن الزميل الطرابيلي إنه بصدد إصدار كتاب أسود عن الدكتور نعمان ، ألم يكن شريكا متضامنا في كل صفحات هذا الكتاب ، هل ينوي إصدار كتاب أسود عن نفسه ؟ ، ألم يكن هو رئيس التحرير عندما ألغى رئيس الحزب صفحة الفن بعد أن هاتفته نجمة شهيرة ؟ ، ألم يكن هو رئيس التحرير عند ذبح الزميل مجدي مهنا وإبعاده عن رئاسة التحرير دون أن يعرف , لا أريد أن أطيل في تاريخ الزميل الطرابيلي وأتعجب أكثر من ذلك ، ولكن سأقف عند الأيام الأخيرة ، أيام الأزمة ، ألم يكتب مقالا ناريا هاجم فيه رجال التيار الإصلاحي وطالب بالوقوف مع الشرعية والدكتور نعمان ؟ ، ألم يكن هو الرجل الذي طالب بإغلاق مقر الجريدة بالمفتاح حتى لا يقتحمه الخونة ، والخونة بالمناسبة وقتها ، وكان يوم أربعاء هم رجال التيار الإصلاحي ، وكان معه حق ، فهو الذي ينشر المقالات التي تهاجمهم في الصفحة الأولى من الجريدة ، التي لا يستطيع هو كتابة مقال بها ، ولكن حين خرج الدكتور نعمان ، وأعلن التيار الإصلاحي تهديداته له ، انقلب على نعمان وصار إصلاحيا ويستعد لإصدار كتاب أسود عن سنوات كان يشارك في حكمها " . الحديث عن الديكتاتورية داخل حزب الوفد ، يقودنا إلى مقال صلاح الدين حافظ في صحيفة " الأهرام " الحكومية ، حيث تطرق إلى ملف اعتذار الحكومات والأنظمة عن الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها في حق شعوبها ، مدللا على ذلك بما يحدث حاليا في المغرب ، وكتب يقول " سؤال يبدو ساذجا في نظر كثيرين‏..‏ هل سيأتي اليوم الذي يعتذر الحكام اعتذارا علنيا لشعوبهم‏,‏ عن أخطاء وقعت أو جرائم ارتكبت‏,‏ في ظل حكمهم أو في ظل من سبقوهم‏!!‏ . لست من هؤلاء الذين يستبعدون حدوث ذلك في عالمنا‏,‏ فثمة متغيرات كثيرة وضغوط متراكمة‏,‏ تجعل مثل هذه الخطوة الهائلة‏,‏ ممكنة الآن أو غدا‏,‏ متغيرات وضعت قضية الإصلاح الديمقراطي‏,‏ والتحول من الاستبداد والديكتاتورية‏,‏ إلي إطلاق الحريات العامة‏,‏ علي قمة أجندات دول وشعوب العالم‏..‏ وضغوط تزاوجت بين الداخل والخارج لتدفع بنظم الحكم نحو التخفف من قبضاتها الحديدية‏,‏ والتخلي شيئا فشيئا عن احتكارها القديم للسلطة والثروة‏..‏ وإذا كان هذا الأمر قد حدث بالفعل خلال عقد واحد‏,‏ في دول العالم الثاني‏,‏ أوروبا الشرقية‏,‏ التي انتقلت سريعا من قبضة المعسكر الشرقي الاشتراكي إلي ساحة المعسكر الغربي الرأسمالي‏,‏ فليس غريبا أو بعيدا أن يحدث الأمر نفسه في عالمنا الثالث‏,‏ وقد بدأت بشائره بالفعل تلوح في الأفق‏,‏ برغم المراوغات المعهودة‏.!!‏ . ولذلك يتساءل مواطنونا متي يحدث هذا في بلادنا‏,‏ متي تبدأ رياح التحول والانتقال الديمقراطي‏,‏ متي نتصارح ونتصالح؟ متي يعتذر‏,‏ بل من يعتذر‏,‏ عما جري لنا عبر السنوات والعقود‏,‏ حتى أصبحنا ضمن تصنيف الدول غير الديمقراطية‏!!‏ ". وأضاف حافظ " أن المغرب قد خطا خطوة كبيرة في طريق المصارحة والمصالحة ومعالجة الأضرار‏,‏ التي تراكمت عبر السنوات الطويلة من انتهاكات فظة لحقوق الإنسان وإهدار لحرياته‏,‏ وهو بهذا لا يداوي جراحه فقط ويجبر آلامه وأوجاعه وحده‏,‏ ولكنه يقدم لنا مبادرة شجاعة‏,‏ تغري بالتقليد والمحاكاة‏,‏ إن أردنا التقدم نحو الإصلاح الديموقراطي الحقيقي‏,‏ حيث الصور متكررة والأوضاع متشابهة والانتهاكات شائعة والجرائم معروفة وكذلك المجرمون‏,‏ لا فرق بين هنا وهناك وهذا وذاك‏,‏ في الشرق أو في الغرب‏!!‏ . من باب التفاؤل‏,‏ الذي قليلا ما يراودني‏,‏ أعتقد أن عدوي الاعتراف والاعتذار‏,‏ التي بدأت في المغرب‏,‏ ستنتقل سريعا عبر الحدود‏,‏ لتدق أبواب المشرق‏,‏ حيث يتطلع الجميع لبدء مرحلة الانتقال الديموقراطي‏,‏ التي تتطلب أول ما تتطلب المصارحة ثم المصالحة‏,‏ الاعتراف بوقوع الجرائم‏,‏ ثم الاعتذار عنها‏..‏ غير أن الاعتذار وحده لا يكفي‏,‏ إنما الذي نتطلع إليه جميعا‏,‏ هو تحصين الاعتذار بضمانات دستورية وقانونية‏,‏ حكومية وشعبية‏,‏ تمنع الانتكاس وتوقف انتهاك الحريات وإهدار الحقوق‏,‏ وهي بالمناسبة جرائم ضد الإنسانية‏,‏ وفق كل القوانين المحلية والدولية‏,‏ لا تسقط أبدا بالتقادم‏!‏ " . نختم جولة اليوم من صحيفة " الوفد ، حيث نعى محمد سلماوي المفكر محمد سيد أحمد ، الذي رحل عن عالمنا مطلع هذا الأسبوع ، وكتب يقول " كان المفكر السياسي الكبير محمد سيد أحمد صاحب عقلية خلاقة تختلف عن الكثيرين ممن يتناولون السياسة سواء بالكتابة والتحليل أو بالممارسة، فقد كان دائماً صاحب طرح جديد ومتميز في كل مقال يكتب، وفي لقاءات الرئيس مبارك المتعددة بالكتاب والمثقفين كان الحضور يتسابقون كي يتحدثوا أمام رئيس الجمهورية، لكن الرئيس كثيراً ما كان يدعو بنفسه محمد سيد أحمد للكلام قائلاً إن مثل هذا اللقاء لا يمكن أن يكتمل إلا بالاستماع إلي محمد سيد أحمد. لم يكن محمد سيد أحمد شخصية عادية، فقد كان أقرب في تفكيره إلي العبقريات الفكرية التي تختلف في طرحها الفكري عن عموم الناس، وقد توقف الكثيرون عند نشأة محمد سيد أحمد ابن الباشا الذي اتجه في بحثه عن الحقيقة إلي الشيوعية، ولم يكن ذلك طمعاً في شهرة ولا في مال فقد كان له الاثنان إذا أراد. لكنه رفضهما معاً فلم يعرف يوماً ما كان لأسرته من أملاك ولا اهتم بما يمكن أن يكون له من جاه، ذلك أن قضيته الأساسية كانت خلاص هذا الوطن من محنته وانطلاقه إلي آفاق التقدم والارتقاء واللحاق بالعصر الحديث، ولم يكن أحد يعرف مقومات ذلك العصر الحديث مثل محمد سيد أحمد، لذا فقد احترف ذلك العلم في الخارج وعرف قدره أكثر مما فعلنا نحن في الداخل. كان محمد سيد أحمد هو ابن عباس سيد أحمد باشا وقد درس الهندسة وأوصلته عقليته الهندسية المنظمة إلي اعتناق الشيوعية حين كانت تعتبر تهمة لا تغتفر خاصة في ظل حكومة إسماعيل صدقي باشا صهر عباس سيد أحمد والذي نصحه بإرسال ابنه محمد إلي الخارج ليكمل تعليمه حتى لا يتم القبض عليه . علي أن
محمد سيد أحمد كانت له تحفظات كثيرة ومعلنة علي الشيوعية كما طبقها الاتحاد السوفيتي، فهو لم يكن يخفي معارضته لشمولية الحكم السوفيتي ولا للدكتاتورية، لأن شيوعية محمد سيد أحمد كانت شيوعية النقاء الفكري والأهداف النبيلة التي تسعي للمساواة بين البشر وعدم استغلال رأس المال لعرق الكادحين، وهنا كانت إنسانيته، بل وبعض رومانسيته أيضاً، فقد كان مؤمنا بذلك المجتمع الطوباوي الذي لا تفرقة فيه ولا استغلال، وكان مستعداً في سبيل تحقيق هذا المجتمع أن يضحي بكل رغد العيش الذي أن له بحكم مولده، بل لعلي أقول إن محمد سيد أحمد يضحي بشيء، فالتضحية هي التخلي عما هو غال وعزيز، والحقيقة أن المال والجاه لم يكن أبداً مما اعتز به محمد سيد أحمد في حياته " . وأضاف سلماوي " إذا كان محمد سيد أحمد قد اختار أن يهب حياته للنضال من أجل مصلحة بلاده وتقدمها فإن الأنظمة المتعاقبة لهذه البلاد قد ردت له ذلك الجميل بطريقة مختلفة، ففي الوقت الذي طاردته مصر الملكية ووصلت إلي حد نفيه إلي فرنسا، فإن مصر الثورة اعتقلته وعذبته في السجن، وقد ربطتني بمحمد سيد أحمد علاقات مصاهرة عائلية، ومن القصص المتداولة في العائلة أنهم حين كانوا يذهبون لزيارته في السجن كان يخفي يديه وراء ظهره ولا يمدها بالسلام خشية أن تشاهد عائلته آثار التعذيب علي يديه فتتألم. لكن هاتين اليدين قدر لهما أن تشفيا من جرحهما وتعودا لكتابة ما لم يكتبه أحد من رؤى سياسية زخر بها عقل صاحبها الذي خسرته مصر منذ أيام والذي سنفتقده جميعاً، فقد كنت اختلف سياسياً مع محمد سيد أحمد لكنه كان من أكثر من كنت أستمتع بالحوار معهم في أمور السياسة، وهذه المناقشات التي امتدت سنوات سأفتقدها الآن إلي الأبد. محمد سيد أحمد لم يحصل طوال حياته علي أي نوع من التكريم الذي كان يستحقه أكثر من الكثيرين من الذين توزع عليهم الأوسمة والألقاب التي لا يستحقونها علي أن التاريخ سيذكره دائماً، لأن التكريم الحقيقي ليس ما تمنحه الحكومات وإنما ما يعترف به التاريخ وحين تزول هذه الحكومات ولا يعود أحد يذكر مسئوليها سيتذكر كل من يدرس تاريخ الفكر السياسي في مصر عقلية متفردة لرجل صادق في أفكاره مخلص في وطنيته نبيل في خلقه اسمه محمد سيد أحمد ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.