تشير المقدمات الحالية إلى إلى مزيد من التأزم في الأحوال السياسية في مصر. حيث أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بياناً في الرابع عشر من يوليو الماضي والذي نص في البند سادساً على مايلي: "سادسا: إعداد وثيقة مبادئ حاكمة وضوابط لاختيار الجمعية التأسيسية لاعداد دستور جديد للبلاد وإصدارها في إعلان دستوري بعد اتفاق القوي والأحزاب السياسية عليها." والقراءة الغير متحيزة لهذا البند تحديداً تشير إلى حقيقة مؤكدة وهي نجاح القوى المعارضة للتيار الإسلامي في إقناع المجلس الأعلى بمنطقية مخاوفها وهواجسها من التيار الإسلامي. ورغم أن الإسلاميين قد قاموا بالإعتراض بكثافة على هذا البند في جمعة التاسع والعشرين من يوليو وتضامن معهم الغالبية الشعبية الكاسحة بهدف حماية القرار التصويتي الشعبي في التاسع عشر من مارس إلا أن الحملة المعارضة للإسلاميين استغلت هذا الحدث للتأكيد على نفس المخاوف السابقة والتي كانت قد لاقت قبولاً سابقاً عند المجلس الأعلى للقوات المسلحة مما أدى لاستمرارهم في طرح المبادئ التي يودون التأكيد عليها في وثيقة أعلنها نائب رئيس الوزراء الدكتور على السلمي. ما سبق يجعلني آمل في أن يبدأ التيار الإسلامي في التعامل مع مخاوف هذه التيارات من انفراده بصياغة الدستور بالجدية اللازمة خاصة في وجود بعض الأطروحات العلنية التي تطالب بأن يقوم الجيش بدور في صيانة مبادئ الدستور التي يريدونها كما رأينا في الطرح المقدم من المستشار هشام البسطويسي سابقاً. واستمرار تمترس التيار الإسلامي خلف درع الإرادة الشعبية - وله الحق بالتأكيد - قارناً ذلك بتجاهل إزالة مخاوف التيارات الأخرى ربما يدفع المجلس الأعلى إلى إصدار الإعلان الدستوري المرتقب على غير هوى الإسلاميين ومقرراً لمواد فوق دستورية أو ما إلى ذلك من القيود على حرية البرلمان الجديد. وما أخشاه أن يعتبر قيام التيار الإسلامي بطرح وثيقة مبادئ أخرى مضادة لوثيقة على السلمي بمثابة اعتراف "بنطاق الحوار" الذي حدده الليبراليون، إذ أنهم قد نجحوا في استغلال استساغة المجلس الأعلى وبعض فئات الشعب لمخاوفهم من انفراد الإسلاميين بصياغة الدستور وقاموا بحرفية شديدة بتغيير نطاق الحوار الوطني وموضوعه من "ما هي الأسس التي تزيل المخاوف من انفراد الإسلاميين بصياغة الدستور؟" إلى نطاق وموضوع آخر وهو "ما هي المبادئ التي ينبغي التأكيد عليها في الدستور؟" وهذا الإعتراف ربما يؤدي بالمجلس الأعلى لاختيار ما يريد من كلتا الوثيقتين وفرضهما كقيود على البرلمان المنتخب. لذلك فإن هذا النطاق الذي نجح الليبراليون في فرضه كمادة للحوار لن يفضي إلا لقيود تفرض على البرلمان المنتخب في آخر المطاف لذلك فإن على الإسلاميين الآن محاولة إعادة الحوار الوطني إلى نطاقه وموضوعه السليم وهو "ما هي الأسس التي تزيل المخاوف من انفراد الإسلاميين بصياغة الدستور؟" وفي سبيلهم إلى ذلك يجب على الإسلاميين المبادرة بطرح أسس لتشكيل الجمعية التأسيسية تساهم في إزالة حجة الإنفراد المزعومة وهم إذ يفعلون ذلك لا يتنازلون تحت الضغط بل يقدمون ذلك من باب المسئولية الملقاة عليهم في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة. وهذا الطرح المقصود يجب ألا مع نتيجة استفتاء 19 مارس والتي أعطت الحق كاملاً للبرلمان في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي سيناط بها صياغة الدستور الجديد. وبطبيعة الحال فإن تطبيق نظام المحاصصة السياسية (الكوتة) في عضوية البرلمان لا يصلح للطرح لأنه يغفل الأوزان النسبية للتيارات السياسية المختلفة كما أن نقاء إنتماء شخص ما لتيار ما سوف يصبح مادة دسمة للطعون الدستورية التي تفقد الدولة المصرية شرعيتها في مرحلة التأسيس الجديد. فإذا نظرنا إلى أن حجة الإنفراد تستند إلى فكرة استبداد الأغلبية الإسلامية في حالة فوزهم بأكثر من نصف المقاعد بمن سواها مما يجعلها تستأثر بكامل مقاعد الجمعية التأسيسية البالغ عدها مائة مقعد فإن ذلك يقودنا إلى أن يكون الطرح المقترح أقرب إلى زيادة عدد الأصوات المطلوبة لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية. فبدلاً من أن يكتفى بحصول العضو على نسبة 50% + 1 يمكن التوافق على رفع هذه النسبة إلى نسبة أعلى حتى تضمن عدم احتكار تيار واحد للجمعية التأسيسية. والنسبة الأقرب للتطبيق في هذه الحالة هي نسبة الثلثين حيث أنها عادة ما تكون النسبة المطلوبة للموافقة على التعديلات الدستورية قبل طرحها في استفتاء شعبي عام طبقاً لما استقرت عليه اللوائح البرلمانية المصرية. فإذا نظرنا إلى الطرح السابق على سبيل المثال فإنه لا يعد طرحاً لمبدأ فوق دستوري يتطلب وجود جهة ضامنة أو حامية كما أنه لا يمنع البرلمان المنتخب من صياغة دستور جديد توافقي بالإضافة إلى كونه أقرب إلى أن يكون إضافة إجرائية أو تفسيرية لما أغفلت التعديلات الدستورية السابقة ذكره وأوجبت الظروف الحالية تفسيره بما يضمن سلامة إنهاء الفترة الإنتقالية. والله من وراء القصد محمد مصري http://www.facebook.com/muhammad.masry