لكل بلد قوة ناعمة تساعدها على بسط نفوذها خارج حدودها او حماية مصالحها الخارجية من غير استخدام القوة المسلحة .. ويعد الاعلام والصحافة احد أذرع القوة الناعمة لأي دولة محترمة تسعى الى حماية مصالحها وأمنها القومي .. ومن الملاحظ انه خلال الربع قرن الأخير فقدت مصر ريادتها الاعلامية والصحفية التي كانت تمثل جانبا من القوة الناعمة المصرية في محيطها العربي و الإقليمي والدولي ... فكانت في الماضي الجميل كلمة واحدة تخرج من صوت العرب او التلفزيون العربي " المصري " كافية لإزعاج قوى الاستعمار في المنطقة ، وكان الإعلاميين والصحفيين المصريين هم من يعلم العرب فنون الاعلام والصحافة .. الا أنه بدأ في السنوات الاخيرة تراجع المدرسة الاعلامية والصحفية المصرية وتم سحب البساط من تحت أقدام مصر لصالح دول عربية اخرى امتلكت الريادة الإعلامية مثل قطر من خلال قناة الجزيرة ، ودول امتلكت الريادة الصحفية الحديثة مثل لبنان وسوريا ...
لذلك اتمنى ممن يسمون أنفسهم بالاعلاميين المصريين الذين وصلوا الكويت قبيل بدء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي ان يسألوا مسئولي وزارة الاعلام الكويتية سؤالا محددا ومباشرا : ( الى اي بلد عربي ترسلون شباب الصحفيين والإعلاميين الكويتيين للتدريب ؟ و من اي الدول العربية تأتون بخبراء الاعلام والصحافة لعمل دورات تدريبية في الكويت ؟ ) .
فلم يعد للاعلام المصري احترامه بين العرب كما كان في السابق بسبب تلك الوجوه الغريبة التي تطل على شاشات القنوات المصرية العامة والخاصة وتسيء لمصر و تشوه صورة الاعلام المصري الذي فقد ريادته بسبب سيطرة مدرسة عكاشة وأخواته وجعل أعلامنا مثار سخرية بين العرب ، فمعظم من يعملون بالإعلام المصري الان لا يقدرون قيمة مصر ومكانتها وكل ما يهم هؤلاء هو تحقيق المكاسب المادية بنفاق السلطة الحاكمة ايا كانت، على حساب المستوى المهني الاعلامي .. بينما نجحت دولة مثل قطر في امتلاك الريادة الاعلامية من خلال قناة الجزيرة .. والتي يكتفي اعلامنا المصري بسبها وانتقادها ليل نهار دون ان تعمل السلطة في مصر على تقديم البديل المصري لقناة الجزيرة .. لانه في مصر يتم تقريب أهل الثقة وابعاد ذوي الخبرة والكفاءة ، كما ان المسئولين عن الاعلام المصري ينظرون تحت أقدامهم ولا يخططون للمستقبل ولا يعنيهم سمعة الاعلام المصري في الخارج ولا يفهمون أهميته كقوة ناعمة تحفظ الامن القومي المصري فكل ما يعنيهم هو إرضاء من يجلس على كرسي السلطة .
وفقدت مصر ايضا ريادتها الصحفية بين العرب نظرا لانهيار مستوى الصحافة العامة والخاصة فمقياس التعيين في الصحف القومية ومعظم الخاصة التي يسيطر عليها راس المال ، ليس الكفاءة ولا الموهبة ولا الخبرة بل صلة القرابة والواسطة والتبعية لجهاز امني فقط ، فأصبحت الأقلام الصحفية المصرية في أيد مرتعشة تخشى غضب السلطة اي سلطة فتنافقها ولا تنشغل كثيراً إدارات الصحف القومية والخاصة بالحفاظ على سمعة الصحافة المصرية بقدر انشغالهم بإرضاء الحاكم اي حاكم والحكومة اي حكومة . فضاعت ملامح المدرسة الصحفية المصرية ولم يعد لها وجود تقريبا وتراجعت خطوات عديدة الى الخلف مقارنة بمدارس صحفية عربية تقدمت وفرضت احترامها على الآخرين مثل المدرسة اللبنانية التي يحترمها الكثيرون من المسئولين العرب .
لذلك ، في الغالب ، لا تستعين الدول العربية في دوراتها التدريبية بخبراء اعلام او صحافة من مصر ويتم الاستعانة بخبراء من لبنان وسوريا وقطر ...هذه حقيقة يجب ان نعترف بها ، لنعمل على تطوير اعلامنا و صحافتنا والعودة الى عصر الريادة المصرية .. حفاظا على قوة مصر الناعمة وأمنها القومي .
فمتى يستيقظ القائمون على الاعلام والصحافة في مصر ويتخلصون من الوجوه التي أساءت لمصر وأضعفت من قوتها الناعمة بين العرب ..