المقاومة كلمة لا يقصد بها العنف المسلح فحسب وفق المفهوم الذي يرسخه الغرب ويشيع لدى العامة، بل هي نشاط وفعل يجمع بين الفكر والتطبيق لرد العدوان، ومقارعة الظالم والطاغية والمتجبر، وهي كلمة يقصد بها في الأصل( من مادة: قوم ) الاستواء والاعتدال والثبات والاستقرار، ومنها : قاوم بمعني ثبت واستقر على حال في وجه فكرة أو شيء أو شخص يحاول زحزحته عن ثوابته كاغتصاب أرضه أو ماله أو السيطرة على إرادته، وتفرع عنها المقاومة الجسدية في مصارعة الخصم ومحاربته، وهكذا لا ينبغي أن تفهم المقاومة في إطارها الضيق كما يريد أصحاب نظرية حرب الأفكار الغربيين والمستبدون المحليون إيهامنا بصدقه بالإلحاح الإعلامي، وإنما هي وفق مفهومها الطبيعي وفي إطارها الشامل وسيلة من وسائل التغير لإحداث التحول الاجتماعي لطرد الغاصب المحتل وردع المستبد. ومن ثم لم يكن مبدأ المقاومة والدفاع عن حقوق النفس والدين والمال والعرض- في يوم ما- ترفا تزهد فيه المجتمعات والشعوب المتقدمة والمتخلفة سواء بسواء، لأن تنازلها عن حقها في دفع الضرر يؤدي حتما لفساد الحياة علي الأرض، ولا أعرف كيف يفهم الإنسان السوي المظلوم التعبير القرآني الدقيق في قوله تعالى( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) البقرة / 251. وأتعجب من الكيفية التي يتجاوز بها العاقل معني الآية بخنوع وعدم تدبر ؟. إذن، المقاومة من أنبل وأشرف القيم والمباديء الإنسانية، التي حضت عليها كل الديانات السماوية والأعراف الوضعية، وتتجلى فيها قوة الروح الإنسانية وحيويتها للدفاع عن النفس لانتزاع حقوقها من بين أنياب الأقوياء، المتمترسين خلف السلطة والمال وجبروت السلاح والعنف. إن المقاومة هي عافية غضب المظلوم وطاقته الخلاقة لرفض الدنية ورد الإهانة وكبح طغيان المعتدي الأجنبي والمستبد المحلي، وتكمن ظاهرة المقاومة بصفة عامة وبشكل طبيعي وغريزي في جميع المخلوقات، فهي هبه الخالق لا يستثني منها الجماد كالصخور التي تقاوم عوامل التعرية والتغيير، ولا التربة الخصبة التي تقاوم التصحر، ولا شاطيء البحر الذي يقاوم طغيان الأمواج ، ولا النبات الذي يقاوم الحشرات والآفات والعواصف والرياح، وليس هذا فحسب، بل يمتد أيضا إلي مقاومة الحيوان الضعيف للحيوان الأقوي بوسائل وخصائص منحها الله لكل مخلوق حسب قوته والظروف البيئية المحيطة به، فالنحل يقاوم المعتدي باللسع والزواحف تقاوم أعداءها باللدغ والثعلب يقاوم بالحيلة والفأر يقاوم بخفة الحركة وهكذا. أما الإنسان الذي كرمه الله بالعقل والأمانة فيتميز عن سائر المخلوقات بتعدد درجات المقاومة وصورها وأدواتها، حيث تتوقف درجة المقاومة على الإمكانيات والظروف المحيطة بالأفراد والجماعات والدول وهي تتدرج من الضعف إلى القوة ومن الخفاء والاستتار إلى المواجهة. وقد ربط الحديث الشريف بين الإيمان ودرجات المقاومة أصدق تعبير في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام [[ من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان]] نحن إذن، أمام درجات ثلاث متفاوتة لمقاومة المنكر ممثلا في كل صور الظلم الطغيان والاستعباد، وتبدأ المقاومة من حتمية تغيير المنكر البين باليد وهي أسمى درجات المقاومة، واليد هنا رمز للمقاومة المادية للمستعمر ومن سانده بلا قيد أو شرط، فإذا لم تتوفر عناصر المقاومة المادية ومقوماتها وهي الإمكانية والاستطاعة واتفاق رأي الجماعة، فعلى الإنسان ألا يترك مصيره لظالمه يعيث فسادا فيمن حوله، بل عليه أن يتبع وسيلة أخرى وهي اللسان، والمقصود باللسان هنا الرمز لجميع وسائل الدعاية من خطاب وصحف وإعلام مرئي ومسموع إذاعة وتلفاز وإنترنت ووسائط متعددة مثل الأشرطة والأقراص الممغنطة( CD )، ومن لم تتوفر له هذه المقومات فعلية بأضعف الوسائل وهي الرفض القلبي، وهو رديف للإيمان الضعيف، والملفت للنظر في هذا الحديث الشريف أن الله " سبحانه وتعالى" أمر بالبدإ بأعلى درجات المقاومة ثم الأدنى فالأدنى، لماذا ؟ بمعني آخر لماذا لم يأمرنا الخالق سبحانه وتعالى بالتدرج في مقاومة المنكر والظلم من الأضعف للأقوى ؟ ولماذا ارتبطت درجة المقاومة بدرجات الإيمان من ناحية أخرى؟. هذا ما سنتابعه في المقال التالي بإذن الله. [email protected]