التنظيم يستغل حالة اليأس بين الشباب المصري لمحاولة استقطابهم: «نحن الحل» قبل أن تظهر ثمرة نبتة ما، مراحل عدة تمر بها، بداية من غرس البذرة وسقايتها لتتمدد جذورها في الأرض، بصورة ستنعكس فيما بعد على حجم تلك النبتة، القوانين واحدة تسرى على الجميع، فحتى إذا كانت النبتة خبيثة لن تمنحك التربة وقتها خيار نشر رائحة كريهة في ذلك الموضع، أو أن تتحدث الأرض عندما تطأها لتحذرك. وبينما نبتت البذرة وانتشرت وحصدت أكلها فى العراق والشام، لا تزال فى مرحلة التمدد وتوغل الجذور فى مصر، ذلك الملف الذى زادت أهميته وحان وقته من وجهة نظر تنظيم "داعش" فى ظل الظروف التى تخدم مخططهم والتى توجت ببراءة الرئيس الأسبق حسني مبارك وأعوانه. مشهد (1): شباب محبط، جزء كبير من أصدقائهم فى المعتقلات، وآخرين فقدوهم فى رابعة والنهضة، وما سبقها أو تلاها من أحداث، هجوم دائم فى وسائل الإعلام، غلق قنوات التعبير عن الرأي، حديث مشحون بالكراهية يسمعه من كل الجهات إذا ما حاول الاستماع إلى وسيلة إعلامية، سواء كانت معهم أو ضدهم، دعوات للتخلي عن السلمية من قيادات بالخارج، لينتهي المشهد في ظل كل ذلك بجلسة محكمة تبرئ مبارك ورجاله من دماء الشهداء. مشهد (2): الدماء ثارت فى عروقهم أكثر وأكثر، شعور اليأس تضاعف، فتحوا حواسبهم يتصفحون مواقع التواصل الاجتماعى، فإذ ب"داعش" يبعث إليهم برسائل "داعش هى الحل"، وغرد أحد حساباتهم الإعلامية تحت اسم "شام الملاحم" للإعلام قائلين: "الحكم ببراءة الطاغوت السابق مبارك، إنهاء لمرحلة السلمية الخرقاء وإيذان ببدء مرحلة العبوات والكواتم بإذن الله، فما للعيش معنى بعد هذا يا أهل مصر". استغل تنظيم داعش الإرهابى حكم براءة مبارك ورجاله لاستقطاب أكبر عدد من الشباب وإقناعهم بفكر التنظيم ودعوتهم للانضمام إليه، وتأكيد أنه السبيل الوحيد لتحقيق القصاص من مبارك وأعوانه، وذلك عبر هاشتاج "داعش هى الحل". وقال حساب يدعى "كلمة حرّة": "على أهالى الشهداء أن يرفعوا قضيّتهم إلى محاكم دولة الخلافة، هى من ستأتى لهم بالقصاص العادل"، وآخر يدعى "كلمة حق": "جربتوا السلمية جربتوا المحاكم الدولية جربتوا المحاكم الوضعية ورجع مبارك وما فيش اختيار تانى داعش هى الحل". فيما قال أحد المنضمين إلى داعش يسمى "السامرائي": حسنى طلع براءة! والسيسى يحكم بالعافية! والإخوان بتوع السلمية فى السجون افهم ياض "داعش هى الحل". وقال أحد الشباب يدعى "حسام": "عاجل.. أعلن وبشكل قاطع مبايعة البغدادى خليفة للمسلمين"، وبتصفح صفحته قال فى التعريف بها: "ربعاوى وأفتخر ضد الانقلاب العسكرى يسقط يسقط حكم.. الرحمة للشهداء والحرية للمعتقلين مرحبًا بالأحرار والعبيد يمتنع.. أتبرأ من كونى مصري". أساليب داعش للاستقطاب يعتمد داعش على عدة وسائل لاستقطاب الشباب، أولها عبر إقناعهم بفكرهم وإيهامهم بأن ما يقومون به هو ما أمر الله به وما يتوافق مع شرعه، بنشر مقاطع مسجلة ل"بن لادن" أو غيره يستعينون فيها بآيات الجهاد وملك اليمين والسبى وقطع الرقاب، وتنشيط حسابات على تويتر تتبنى شعار الدعوة والتواصل مع أكبر عدد من شباب التيار الإسلامى لإتاحة الفرصة للتواصل معهم. ومن جهة أخرى يتم التواصل مباشرة مع البعض من خلال من ينتمى إلى التنظيم فى مصر من قيادات التيارات الإسلامية أو بعض المشايخ أصحاب الفكر المتطرف، ويبدأون فى استقطاب الشباب من خلال جلسات العلم التى تتحدث فى البداية عن سوء الأوضاع وضرورة تغيير المنكر، وإقناعهم بالفكر الجهادي، ثم يتم اختيار المتجاوبين منهم وتهريبهم لصفوف داعش كما حدث مع إسلام يكن، طبقًا لعمرو مدحت أحد أصدقائه، الذى نشر فى مدونة "رصيف 22" كيف تحول إسلام يكن إلى داعشي. "أ.ح"، أحد الشباب المنتمى إلى التيار الإسلامى وعضو حركة ألتراس نهضاوي، قال إنه لا ينظر إلى داعش كتنظيم إرهابى، وإنما كدولة للمستضعفين ممن يتعرضون للاضطهاد فى بلادهم، قائمة على أحكام الشرع. وقال "ح.م" الذى رفض نشر اسمه، إن "الموت يحاصرنا من كل الاتجاهات، لذلك فمن الأفضل أن نلقاه ونحن ندافع عن الدين ونسعى إلى تحقيق غاية، مشيرًا إلى أنه ينتظر الفرصة للانضمام إلى التنظيم"، مضيفًا: "فكرة الجهاد ليست حرامًا أو عيبًا، فهى من شرائع الإسلام". سامح عيد، الخبير فى شئون جماعات الإسلام السياسي حذر، من محاولات تنظيم "داعش" الإرهابى لاستقطاب المزيد من الشباب المصرى وضمهم إلى صفوفهم فى الفترة الحالية التى يتزايد فيه الشعور باليأس والإحباط لديهم، خصوصًا مع الحكم بتبرئة مبارك ورموز نظامه. ووصف عيد الأجواء الراهنة في مصر بأنها "مناسبة الآن لتجنيد داعش المزيد من الشباب خصوصًا بعد فتوى عصام تليمة القيادى الإخوانى بإيجاز القصاص الفردى إذا لم يأت به الحاكم". وأشار إلى أن طرق استقطاب هؤلاء الشباب كثيرة، أبرزها من خلال العلاقات الشخصية، في ظل شبكة العلاقات الضخمة التى تشكلت فى رابعة، فأى شخص انضم إلى "داعش" يكون لديه قائمة بالشباب الذين لديهم نفس الفكر، ومن الممكن أن يقبلوا بالانضمام، بالإضافة إلى الطرق التقليدية فى المساجد ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي. وحذر من أن الحكم بتبرئة مبارك سيؤدى إلى اتساع دائرة العنف فى مصر والرغبة فى الانتقام والثأر، والتى لن تقتصر على القوى الإسلامية، كما كان الوضع خلال العام الماضي، بل ستضم قوى ثورية وإن كان ذلك لا يعنى أن تنسيقًا سيحدث بين تلك القوى المختلفة. فيما أكد الدكتور أحمد خيري، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أن حالة اليأس والإحباط التى يعانى منها الشباب تجعلهم إما ينعزلون عن المجتمع وينسحبون منه أو يلجأون إلى الفكر المتطرف لإشباع رغباتهم الانتقامية، مشيرًا إلى ضرورة تكاتف جهود المجتمع لمواجهة تلك الحالات ومحاصرتها.