اعتاد المصريون على سماع أنباء عن وقوع حوادث مرورية مميتة بين الحين والآخر وبينما تحيي الأممالمتحدة ذكرى اليوم العالمي لضحايا حوادث الطرق آثر نشطاء محليون إحياء المناسبة على مدى أسبوع أملًا في رفع الوعي والبحث عن حلول للظاهرة التي باتت ومعها الزحام والضوضاء تؤرق عددًا كبيرًا من الناس كل يوم. وفي نوفمبر وحده قتل 18 شخصًا في تصادم حافلة تقل طلابًا بثلاث سيارات على طريق زراعي بمحافظة البحيرة في شمال البلاد ولاقت عشر طالبات حتفهن إثر اصطدام سيارة نقل بحافلة صغيرة في محافظة سوهاج بجنوب البلاد. وشهد أغسطس مقتل 33 شخصًا وإصابة عشرات آخرين في تصادم بين حافلتين سياحيتين بشبه جزيرة سيناء. ويصل معدل الوفيات جراء حوادث الطرق في مصر إلى 13.2 في المائة لكل مئة ألف شخص وفقا لآخر إحصاءات منظمة الصحة العالمية. وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفع عدد قتلى حوادث الطرق الى نحو 12 ألف شخص في العام الماضي فضلًا عن قرابة 40 ألف مصاب مقارنة بزهاء سبعة آلاف قتيل في 2007. ويرى خبراء أن عوامل ثلاثة وهي سوء حالة قطاع كبير من شبكات الطرق وتهالك السيارات ورعونة القيادة تقف وراء تفشي الظاهرة بينما يؤكد المسئولون أن العامل البشري مسئول عن أغلب الحوادث. ويؤكد المستشار سامي مختار رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم أن العامل البشري مسئول عن أغلب الحوادث. واختارت الجمعية التي يقع مقرها في الإسكندرية بشمال البلاد إحياء اليوم العالمي على مدى أسبوع أملًا في نشر الوعي ولدفع الجهات الحكومية على بذل المزيد. وقال مختار لرويترز عبر الهاتف "العامل البشري يتسبب في 80 في المائة من الحوادث التي تكلف البلاد مليارات الجنيهات سنويا في شكل تعويضات وخسائر في الموارد البشرية وغيرها من الأضرار ويشيع في مصر عدم الانضباط وإهمال قواعد المرور. وقال محمود عامر الذي يمتلك سيارة خاصة ويقيم بالقاهرة انه يعاني من انعدام الانضباط وضعف الرقابة على الطرق وان البديل عن قيادة سيارته الخاصة أصعب. وقال "الناس مبتلتزمش (لا تلتزم) بالمرور في معظم الأحيان ووسائل المواصلات العامة سيئة." ويتهم البعض الحكومة بالتساهل في إصدار تراخيص القيادة الأمر الذي يسهم في جلوس كثير من غير المؤهلين خلف عجلات القيادة وتعريض حياة آخرين للخطر. وفي هذا الشأن قال اللواء مصطفى درويش مدير الإدارة العامة للمرور إن وزارة الداخلية تبذل قصارى جهدها لضبط معايير استخراج التراخيص وإنها ستتخذ إجراءات في الفترة المقبلة لعلاج المشكلة. وأضاف "أمر وزير الداخلية بإنشاء مدارس لتعليم القيادة على مواصفات ومعايير قياسية بمختلف المحافظات لمنح شهادات معتمدة للحد من أي تلاعب." وأكد المستشار سامي مختار أن علاج الظاهرة يحتاج في المقام الأول لتضافر جهود أكثر من جهة حكومية على رأسها وزارات الداخلية والصحة والتعليم والثقافة والإعلام التي يراها جميعها معنية بالسلامة على الطرق. وتستقبل البلاد أعدادًا كبيرة من السيارات الجديدة كل عام ورغم ذلك فإن التعريفات الجمركية المرتفعة نسبيًا وانخفاض متوسط الدخول يضعفان بشدة حركة الإحلال والتجديد الأمر الذي يؤدي إلى انتشار أعداد كبيرة من السيارات القديمة المتهالكة وما يترتب على ذلك من ارتفاع احتمالات الحوادث وتفاقم الزحام. وذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أحدث إحصاءاته عن أعداد السيارات داخل البلاد أن عدد المركبات المرخصة حتى نهاية يونيو حزيران الماضي بلغ اكثر من سبعة ملايين ونصف المليون مركبة وأن القاهرة وحدها تأوي أكثر من مليوني مركبة. واتخذت الحكومة إجراءات ملموسة في الآونة الأخيرة لتشديد الرقابة وتحسين شبكات الطرق لكن لا يزال جوهر الأزمة يحتاج لحلول جذرية ومكلفة. وقال درويش ان علاج الظاهرة يحتاج لخطة قومية شاملة. وأضاف "ينبغي مد شبكة طرق منفصلة للشاحنات الثقيلة وتوسيع الطرق والتشجيع على انشاء شبكات نقل جماعي خاصة للأقاليم وتركيب أجهزة داخل الشاحنات للحد من السرعات وزيادة الوعي والتدريب للسائقين". ورفض اللواء سعد الجيوشي رئيس الهيئة العامة للطرق والكباري الربط بين حالة الطرق وانتشار الحوادث مؤكدا أن نحو 90 في المائة من أسباب الحوادث أخطاء بشرية وان الطرق تتحمل فقط من ثلاثة الى خمسة في المئة من هذه الاسباب. وقال الجيوشي لرويترز "الحل هو وضع نظام مراقبة فعال وتطبيق قانون رادع" مكررا ما قاله مسئولون آخرون بأن الانضباط يتحمل الجانب الأكبر من المشكلة. وأشار الى ان الهيئة تقوم حاليا بعمليات تحسين وصيانة لقطاعات كبيرة من الطرق تشمل 112 طريقًا سريعًا ضمن خطة أكبر تتكلف مليارات الجنيهات. ولا تقتصر مشكلات المرور على الحوادث فحسب رغم عظم خسائرها بل تمتد لتشمل الزحام الذي يتجلى في أخطر صوره بالقاهرة العاصمة العتيقة مترامية الأطراف ومعها الضوضاء، حيث يشكلان معًا لونا فريدًا من الصخب. وقال مدير الإدارة العامة للمرور إن حل مشكلة الزحام يحتاج إلى خطة قومية أهمها نقل العاصمة. وأضاف مصطفى درويش "نحتاج إلى نقل العاصمة وتوصيلها بشبكة نقل جماعي متميزة كالسكك الحديدية بينما الجهود الحالية لا تعدو مجرد مسكنات في حين وتزال المشكلة قائمة".