لا يزال العبث مستمرا بأرواح الأبرياء، وكالعادة وبعد أي حادث أليم يكون ضحيته العشرات, ينفجر بركان من الغضب الشعبي تقابله تصريحات نارية من المسئولين ، ولكنها تصريحات لا تتجاوز الشجب والتنديد والوعيد, وفي أقصى الحالات التعهد بالقضاء على المسببات فالنار لا تلبث أن تخمد بعد يوم أو يومين من الحادثة, ويقل الحديث عن الحادثة, وترجع ريما لعادتها القديمة ونعود نحن بلا شيء إلا تصريحات, تصريحات لن تبرد قلوب ذوي الضحايا, أو تهدئ من خوف من يسيرون يوميا على طرق الموت. تغيير قانون المرور, إعادة هيكلة الطرق, تغليظ عقوبة المخالفين , وأخيرا منع النقل الثقيل من السير داخل المدن باستثناء الفترة من الساعة الحادية عشرة مساء إلى الساعة السادسة صباحا، اعتبارا من النصف الثاني من الشهر الحالى, كانت أبرز ما طرح عقب الحادث الأليم الذي أودى بحياة ثمانية عشر طالبا وإصابة ستة عشر آخرين إثر تصادم أتوبيس مدرسى بعربة نقل وسيارة ملاكى في محافظة البحيرة. الحادث ألقى الضوء مجددا على حوادث الطرق وخاصة حوادث النقل الثقيل التي أصبحت المسئولة عن 60 % من حوادث السير وفقا لما أكدته تقديرات خبراء المرور, ولكن بعد اتخاذ هذا القرار بتحديد أوقات معينة لسير النقل الثقيل هل ستنتهى هذه المشكلة أم هناك أسباب أخرى يجب القضاء عليها؟ سعد الجيوشي رئيس هيئة الطرق والكباري والنقل البري أعرب عن غضبه من سائقي النقل الجماعى بمختلف أنواعه ومن سائقي النقل الثقيل، ووصفهم بغير المنضبطين بقواعد المرور, حيث قال الجيوشي معظمهم غير حائز على رخصة قيادة، بخلاف تعاطيهم للمواد المخدرة التي تثبتها كل يوم حملات وزارة الداخلية على الطرق وهو ما يعد أخطر أسباب تكرار حوادث سير السيارات. وأكد الجيوشى أنه من الضرورى التصدى لأسباب حوادث سير المركبات من خلال تكامل المنظومة المعنية، مؤكدا أنه سيكون هناك مزيد من الحوادث إذا لم يكن هناك ردع فورى وتطبيق لقانون المرور بمنتهى الحزم والصرامة. وعقب وقوع حادث البحيرة الأليم وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع خطة قومية عاجلة لمنع وقوع حوادث الطرق، كما كلف المجلس التخصصي لتنمية المجتمع التابع لرئاسة الجمهورية بوضع تصور متكامل لسبل تجنب حوادث الطرق، وذلك من خلال تنظيم مجموعات عمل يشارك فيها عدد من الخبراء والباحثين في هذا المجال بالتنسيق والمتابعة مع كافة أجهزة الدولة المعنية، على أن يرفع تقرير متكامل لرئيس الجمهورية بنتائج أعمال المجلس خلال خمسة عشر يوما من تاريخه. كما وجه السيسي أيضا بدراسة إقامة دوائر خاصة بالمرور في المحاكم المصرية، وذلك بالتنسيق مع وزارة العدل والنائب العام، حتى يمكن إصدار عقوبات مشددة وسريعة ضد كل من يخالف قوانين المرور، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة إزاء أي سلوك غير ملتزم. واحتلت مصر المركز الأول في حوادث الطرق على مستوى العالم وفقا لمنظمة الصحة العالمية, حيث أكدت المنظمة الدولية في تقرير أولي لها أن مصر احتلت النسبة الأعلى في وفيات حوادث الطرق بمعدل 41.6 لكل مائة ألف نسمة طبقا لدراسة استقصائية شملت 178 بلدًا ,أعدتها المنظمة عام 2012 وتنتهي في العام الحالي. وتقدر أعداد حوادث الطرق في مصر بنحو 13 ألف قتيل و40 ألف مصاب, أما الخسائر المادية فبلغت ما يقرب من 17 مليار جنيه سنويا, وذلك وفقا لتصريحات رئيس الهيئة العامة للطرق والكباري. وكانت وزارة الداخلية قد قدمت إحصاءات حول حوادث المرور خلال عام 2013 , وتبين فيها وقوع 8.809 حادث مرور تسبب في مصرع 1.499 قتيل و 13.458 جريح, ومقارنة بسنة 2012 فقد انخفضت الحوادث بنسبة 5.8 بالمائة, والقتلى بنسبة 7.6 بالمائة, أما الجرحى فكانت نسبتها 4.9 بالمائة. ووفقا لوزارة الداخلية فإن أهم أسباب الحوادث هى مخالفة قطع الطريق دون انتباه, حيث حازت تلك المخالفات على نسبة 23.8 بالمائة, تليها مخالفة الإفراط في السرعة بنسبة 16.1 بالمائة, وذلك مقارنة مع بقية المخالفات المتسببة في الحوادث. رضا سلامة أحد سائقي الملاكي أكد لنا أنه سعيد بمنع النقل الثقل من السير خلال فترة النهار, مؤكدا أن هذا القرار سيخفض بشكل كبير حوادث الطرق وسيؤدي إلي سيولة مرورية ستمنع التزاحم, وأشار رضا إلى الكثير من الإجراءات الأخرى التي يجب اتخاذها بجانب هذا القرار للقضاء على حوادث الطرق, ومنها عدم السماح لعربات النقل القديمة بنقل نفس الحمولة المسموح بها للعربات النقل الحديثة مؤكدا أن الأولى تنقل حمولات زائدة عن قدرتها مما يتسبب في العديد من الحوادث, وطالب أيضا بتشديد عقوبة كل من السير عكس الاتجاه, السرعة الجنونية, وتعاطي المخدرات, كما دعا إلى القيام بحملات كشف دورية لسائقي النقل الذين أكد أن نحو 80% منهم يتعاطون المواد المخدرة, بالإضافة إلى تشديد إجراءات استخراج رخص القيادة, والتي من بينها التأكد من إجادة السائق لقواعد القيادة والمرور. وفيما يتعلق بالطرق, أكد رضا سلامة أن القضاء على الدورانات العشوائية واستبدالها بدورانات للخلف عن طريق كباري سيحد كثيرا من الحوادث, حيث قال طريق الإسماعيلية الصحراوي والإسكندرية الصحراوي نموذجان مثاليان للطرق فبعد إعادة تصليحهما بواسطة الجيش لم يحدث بهما أي حوادث سوى حوادث السرعة فقط والتي يعتبر العامل البشري هو الوحيد المسئول عنها. أما هناء محمد، ربة منزل، فكشفت لنا عما تتعرض له يوميا على الطرق السريعة من سلوكيات تكاد تودى بحياتها بسبب رعونة سائقى النقل الثقيل حيث قالت سائقو تلك السيارات متهورون ويستغلون كبر حجم عرباتهم لإخافة باقي العربات الأخرى وأحيانا يستولون على حارات الطريق بالكامل, فضلا عن القيادة فى الحارة اليسرى بدلا من اليمني، والحمولات الزائدة، والقيادة عكس الاتجاه، وعن نفسي كلما رأيت مثل هذه السيارات أبتعد عنها فورا حتى تمر دون التسبب في إيذائي. وفيما يتعلق بقرار منع النقل الثقيل من السير في العاصمة أكدت هناء أنها لم تسعد كثيرا لهذا القرار, مشيرة إلى أن هناك العديد من القوانين التي سنت بهذا الخصوص ولكنها لم تفعل أو تطبق, مؤكدة أن أي قوانين جديدة لن يكون لها أي أثر طالما هناك من يسمح بالتحايل عليها مشيرة بذلك إلى أمناء الشرطة الذين يتقاضون الرشوة من المخالفين. ودعت ربة المنزل المسئولين لإعادة إصلاح الطرق السريعة والتي من بينها طريق الأوتوستراد وخاصة من حلوان حتى المعادي, مؤكدة عدم وجود إنارة بهذه الطرق بالإضافة إلى الحفر والمطبات العشوائية التي تتسبب في الكثير من الحوادث. وعلى جانب آخر عبر سائقو النقل الثقيل عن رفضهم لقرار حظر سيرهم فى شوارع العاصمة إلا فى فترات متأخرة لأن ذلك سيعرض حياتهم للخطر, حيث أكد كمال أبو إسماعيل سائق نقل ثقيل أنه وعشرات من زملائه الملتزمين يدفعون ثمن ما يفعله زمرة من السائقين المتهورين الذين اعتبرهم دخلاء على المهنة, وغير مهنيين, كما أكد أن الكثير منهم لا يحمل رخصة قيادة, وأكد أبوإسماعيل أن غياب الرقابة والرشوة والتساهل في إجراءات الرخصة هو السبب الرئيسي لكل ذلك. وفيما يتعلق بالطرق أكد أبو إسماعيل أن هناك مشاكل تتعلق بالطرق من أهمها المطبات والدورانات التى يبنيها الأهالى بعشوائية، والإضاءة المعدومة ليلا، وغياب اللوحات الإرشادية على طرق السفر, كما أكد أيضا أن تصميم الطرق سبب رئيسى فى وقوع الحوادث خاصة لمن يسيرون عليها للمرة الأولي، ولا يعرفون عيوبها، سواء فى تصميم المنحنيات أو الملفات، وهو ما يتسبب فى التصادمات أو فى انفجار إطارات السيارة.