يبدو أن التاريخ يعيد نفسه ، ما كان يحدث من آلاف السنين يحدث اليوم ، رغم تغير العادات والأعراف والثقافات والديانات ، ورغم تعدد الأعراق التي عاشت أو مرت بهذه البلاد " مصر " . لقد حكم الفراعنة مصر دهورا ، عبد خلالها المصريون أحيانا إلها واحدا وعددوا الآلهة أحايين كثيرة ، وكان لكل إله في اعتقادهم دور مرسوم وخطة محددة ، فواحد للخصب والنماء وثان للحرب وثالث للمطر وهكذا .. أذكر هذا بمناسبة الاحتفال الكبير الذي تقيمه وزارة السياحة المصرية وهيئة الاثار ومحافظة أسوان في 22 فبرايرمن كل عام لعرض تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني ، يذكر أن تعامد الشمس على قدس الأقداس في معبد رمسيس الثاني بأبو سمبل يستغرق نحو 20 دقيقة عند بزوغها حيث تتوغل أشعة الشمس عند الشروق لمسافة 60 مترا داخل المعبد مخترقة صالة الأعمدة حتى تصل إلى قدس الأقداس لتضىء ثلاثة تماثيل من الأربعة الموجودة داخله وهم تمثال رع حور أخت اله الشمس وتمثال رمسيس الثانى الذى يتساوى وتمثال أمون. أما التمثال الرابع ل "بتاح" رمز العالم السفلى فلا تصله أشعة الشمس لأنه لابد أن يبقى فى ظلام دامس مثل حالته فى العالم السفلى. لاأدري هنا ما كنه هذا العالم السفلي الذي يرمز له " بتاح " ، هل هو عالم الجن والعفاريت ؟ أخذا في الاعتبار ثقافة رجل الشارع المصري من نسبة الجن والعفاريت إلى عالم سفلي غامض مليء بالأسرار والطلاسم ، مخيف ومرعب إلى حد كبير ، إن العرب تصف أَهل الشَّرَف في الدنيا والثَّرْوَة والغِنى أنهم أَهل عِلِّيِّين، فإذا كانوا مَتَّضِعين قالوا سِفْلِيُّون. إن مايلفت النظر هنا أن المعبد صمم على أن لاتشرق أشعة الشمس على هذا ال"بتاح " أبدا ، يجب أن يظل فى ظلام دامس مثل حالته فى العالم السفلى. هل انتمينا نحن المصريون في الخمسين سنة الأخيرة إلى العالم السفلي لهذا ال"بتاح" ؟ فأصبح منا من هم في أسفل سافلين ؟. إن تسليط الجهل والخرافة على عقول قطاع كبير من المصريين هي طريقة قديمة للاستبداد السياسي للسيطرة على الشعوب والبقاء أطول فترة ممكنة في الحكم ، ولقد ذكر القرآن الكريم ذلك في حكايته عن فرعون المستبد الظالم في صراعه مع موسى عليه السلام " قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ، وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ" (111-113-الأعراف) وعلى نفس المنوال يبدو أن أهل الحكم سائرون: - ففي دراسة إحصائية قام بها مركز البحوث الاجتماعية والجنائية في مصر تبين أن ما ينفق سنويا على أعمال الدجل والشعوذة في مصر يتعدى حاجز الثلاثة مليارات من الدولارات ونصف المليار!!. وأن 38% من المترددين على المشعوذين من المثقفين والرياضيين والفنانين والسياسيين . لاشك أن مناخ عدم الاستقرار والخوف من الحاضر والمستقبل هوالذي يدفع الناس إلى الهروب لعالم الخرافات والشعوذة ، معلوم أن الشعوذة والخرافة ضد العلم والمعرفة ولاتنموا الخرافة إلا في أجواء الجهل والتخلف . إن الانسداد السياسي ويأس الناس من التغيير وإشاعة الجهل يدفع الناس دفعا نحو تلمس المستقبل المجهول لمحاولة الاطمئنان على القادم من الأيام ، لقد تضافرت جهود الحكومات الماضية بدأ من حكومة الثوار مرورا بحكومات الاتحاد الاشتراكي دخولا في نفق حكومة الحزب الوطني على تجهيل الشعب ودفعة للخرافة حتى يسلس قياده ويحقق مصالح الحاكمين.كم كانت ستدفعنا باتجاه التنمية هذه الثلاثة مليارات ونصف المليار دولار كل عام!! - إن من المعطيات الصادمة في تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) لعام 2004 أن مصر احتلت المرتبة الأولى ب17 مليون أمي في قائمة الأمية على مستوى العالم العربي ، يليها السودان ثم الجزائر والمغرب واليمن، في حين احتلت الرتب الأولى في باب نقص الأمية كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر، ثم البحرين والكويت . إن رقم 17مليونا أمي بلغة الأرقام الواضحة والمباشرة يعادل تقريبا نسبة ربع السكان في مصر المحروسة . إن الملاحظ هنا : - أن الاهتمام بالتعليم والثقافة ومحاربة الأمية لم يرتفع مؤشره في العام الماضي بل انحدر وعليه فإننا نتوقع أن تكون النسبة قد زادت في 2005 عن 17 مليون أمي ، وإذا كان 34 مليون مصري مقيدون بجداول الانتخابات فإن معنى ذلك أن قرابة نصف الناخبين أميون. ما مغزي ذلك ؟!!! - الأرقام تقول أن ربع السكان تقريبا أميون ، إن هذا الرقم يشخص بالذات مأزق التربية والتكوين والمعرفة في مجتمعنا، ويجعلنا نعاين مقدار الخسارة الحاصلة في مواردنا البشرية، إذ كيف تهمل حكومة في خططها ربع السكان ؟ - أن الأمية في النساء هي الأعلى ، وهنا هل يجوز لنا أن نتساءل أين دور الجمعيات النسائية المصرية في محاربة هذه المشكلة ولدينا عشرات الجمعيات ، أم هل اقتصر دورها على تحرير المرأة من القيم والتقاليد ودفعها نحو الغواية والفساد ، كذلك أين دور المجلس القومي للمرأة من هذه القضية ؟ يقيني لاشيء.. - العجيب أن مصر التي كانت تصدر العلم والمعرفة إلى الدول العربية أصبحت الأولى في قائمة الأمية على مستوى الدول العربية ، فقد تدنت نسبة الأمية في الإمارات العربية المتحدة إلى 7% بين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عامًا، مقابل 70% في 1972 للشريحة نفسها من السكان ، قارنوا ذلك بجهود حكومتنا في محو الأمية. - ملحوظة : لم يذكر الحزب الوطني في برنامجه الانتخابي 2005 كلمة واحدة عن الأمية لابالخير ولا بالشر ، لابد أن يحافظوا على عدد الأميين لأنهم بذلك يضمنون نصف أصوات الناخبين، نعم سيعبرون للمستقبل بتجهيل الشعب ودفعة للخرافة والشعوذة وضرب الرمل.