مع الاسلام الذي دخل مصر639 م علي يد عمرو بن العاص, استمرت مصر علي ولائها لقيمة التعدد والتنوع كان من المنطقي في ضوء سيادة قيمة التنوع والتعدد في هذا الوقت المبكر ان تتداخل تلك العقائد او تتمازج او تتشابك او تتجاور نشأت مصر أساسا والتنوع جزء لا يتجزأ من تكوينها ومن لحمها ودمها فمع نهاية العصر المطير الذي ساد شمال إفريقيا وسيادة المناخ الجاف, راحت تتقاطر القبائل التي سكنت مصر القديمة لتستقر حول نهر النيل, عبر المحور النيلي والمحور المتوسطي ومن المنطقي ان تكون لكل جماعة وافدة ثقافتها وخلفيتها الاعتقادية والطوطمية وغيرها. وبعد ان استقرت القري وانتظمت المدن والأقاليم راحت الديانات تنبثق شيئا فشيئا, ويرتفع بنيانها وتتعدد آلهتها وتتخصص. فكانت هناك عقيدة الاشمونيين, ذات الالهة الثمانية, وتأسست بالقرب من ملويالمنيا, ثم عقيدة بتاح بمدينة منف. ثم تاسوع اون او هليوبوليس عين شمس المكون من الآلهة اتوم وشو وتفنوت وجب ونوت وايزيس واوزوريس وست ونفتيس, هذا بالاضافة الي عبادة الاله الصقر حورس أبو الملوك المصريين الذي عبد في جميع بقاع مصر. غير ان تلك العقائد حكمتها فكرة انها نتاج حضارة زراعية تقدر الهدوء والاستقرار والنماء الذي يسمح للنبات ان ينمو وينضج في رعاية وهدوء كما ان قيمة التعاون كانت لها أولوية كبري في تلك العقائد خاصة انه من غير المتصور ان تنجح او تستطيع قرية واحدة مثلا ان تهيمن علي نهر النيل مثلا وتستولي عليه وتستأثر به من دون القري كلها ومن هنا تكاتف المصريون جميعا في محاولة ترويض النهر وتهديداته والحصول علي رضاه ومنفعته وكان من المنطقي ان تكون آلهتهم معهم تبارك تعاونهم واتحادهم. ومن هنا فال ملاحظ ان الديانات المصرية القديمة تتميز بانها غير متعصبة وغير منحازة لأصل علي اصل آخر ولا تعلي من شأن عرق علي باقي الاعراق وانما تنظر الي العمل الخالص بل إنها تعلي من شان العمل الموجه للبشر بصرف النظر عن ألوان البشر وأصولهم ومنابتهم العرقية والجنسية. ومن هنا فالإنسان يكون مصيره في العقيدة الفرعونية الجنة او الفناء لأبناء علي أصلهو لا بناء علي طقوسه وعبادته الخالصة لآلهته وانما اعتبر العمل هو المدخل الاصلي للجنة ومن هنا ففي القسم الانكاري الذي كان علي الميت ان يقدمه كشاهد عليه وعلي افعاله امام اوزوريس إله الموتي وقاضي قضاة العالم الآخر كان عليه ان يقر بأنه لم يمنع الماء الجاري ولم يطفيء النار وقت نفعها ولم يقترف الكذب او السرقة او الزنا ولم يتصادم عن كلمات الحق ولم يضع الكذب مكان الصدق ولم يزد الكلام عند التحدث ولم يسيء لسمعة عبد لدي سيده ولم يشته امرأة جاره او حقله. وكان من المنطقي في ضوء سيادة قيمة التنوع والتعدد في هذا الوقت المبكر ان تتداخل تلك العقائد او تتمازج او تتشابك او تتجاور, وبدلا من ان يسود الصراع الدموي بين انصار رع الاله العجوز, وانصار آمون الاله الفتي, تتفتق عبقرية الكهنة عن اتحاد الالهين ليصبحا الها واحدا هو امون رع. ولأن الاصل في الحضارة المصرية القديمة هو التعدد فقد تعرضت البلاد لشر مستطير وفوضي شاملة عندما ظهر امنحتب الرابع, عاشر ملوك الاسرة الثامنة عشرة والذي يسمي نفسه اخناتون وحكم في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. إذ آمن اخناتون بإله الشمس آتون كإله وحيد, ولكن المحنة بدأت عندما رفض الآلهة الاخري بل راح يحطم رسومها ورموزها ويهدم طقوسها, ويضطهد كهنتها, ولولا انني اخشي ان يغضب مني اصدقائي ممن يبجلون الحضارة المصرية القديمة لاعتبرت اخناتون اول المتطرفين في التاريخ المصري, المهم ان سنوات المحنة والتعصب والفوضي قد انتهت وانتصر كهنة طيبة واعادوا آمون الي عرشه سيدا علي الالهة المصرية جميعا. المهم انه بعد ذلك قد جرت في نهر الوطن مياه كثيرة ودخل اليونانيون الي مصر وظل المصريون علي ولائهم للتسامح الديني. وفي القرن الاول للميلاد ظهرت بالاسكندرية المدرسة الغنوصية او العارفية او العرفانية وهي مدرسة فلسفية حلولية نشأت حول القرن الاول الميلادي, ويعتقد البعض ان لها جذورا وبدايات تعود الي القرون الثلاثة الاخيرة قبل الميلاد لتبرير انتشار الديانة المصرية القديمة في الامبراطورية الرومانية بجانب الديانات المحلية. اخذت الغنوصية طورا جديدا لدي ظهور المسيحية لإثبات تواؤم المعتقدين وكانت لا تتعارض مباشرة مع الديانات التوحيدية كالمسيحية واليهودية. ومع الاسلام الذي دخل مصر639 م علي يد عمرو بن العاص, استمرت مصر علي ولائها لقيمة التعدد والتنوع فحافظ المسيحيون علي عبادتهم وكنائسهم وطقوسهم, وكذلك فعل اليهود, وتوزع المسلمون السنة علي مذاهب عدة, وطرق صوفية لا حصر لها, ودخلت مصر في حوزة الشيعة وخرجت منها دون ان تعرف التعصب المذهبي او الطائفي, ولعل تاريخ التسامح الديني والعرقي في ظل اسرة محمد علي1805 1952 مما يحتاج لأن نفرد له مقالا مستقلا. الجديد في الأمر هنا ان مصر قد راحت تشهد منذ حوالي اربعين سنة انواعا من المساجلات الاعتقادية الاسلامية المسيحية بدأت ارهاصاتها بلا شك قبل ذلك بتأثير المد القومي الذي راح يحط من مكانة اليهودية كديانة, وراح شيوخ مشاهير يتناولون بالنقد عقائد الناس علنا. اقول هذا كله بمناسبة ما أذيع منذ ايام من ان مجلس الوزراء قد اجري بحثا استطلاعيا اثبت فيه ان المصريين من اكثر الشعوب تأييدا لعدم ازدراء الاديان وانهم في هذا يتفوقون علي بعض الاوروبيين ومع هذا فإننا في قنواتنا الفضائية وكتبنا المدرسية وجامعاتنا ومؤسساتنا الحكومية وصحفنا وخطابنا اليوم نمارس الازدراء وتجاهل وتحقير الآخر والاستعلاء عليه حتي النخاع وهو الامر الذي يحتاج وقفة حاسمة من الدولة واجهزتها التي اوكل لها القانون الحفاظ علي التماسك الوطني باعتباره حفاظا علي الدولة وفي النهاية فإنني ادعو الي ان نتمسك جميعا بالروح المصرية السمحاء, وأن ينأي كل بدينه عن المساجلات الاعتقادية, التي تطعن في عقائد المؤمنين من كل الملل. فإن تلك المساجلات هي الايدز الذي سيصيب جهاز مناعة الثقافة الوظنية ويحيل الشعب الواحد هشيما تذروه الرياح [email protected]