أكثر ما يحير في المشهد المصري بعد 30 يونيو هو الجنرال أحمد شفيق. فهو أحد الصناع الكبار لذلك المشهد. من دبي بدولة الإمارات قاد عملية تعبئة وحشد سياسي وإعلامي وقانوني وشعبي ضد مرسي والإخوان حتى تحقق له ما أراد، وتم خروج الجماعة من الرئاسة وهي السلطة الوحيدة التي كانت في أيديهم، وكانت بلا فاعلية بل تحولت إلى عبء عليهم. فيما سبق 30 يونيو هناك الكثير الغامض الذي ما زال يحتفظ به شفيق في الجانب الخاص به في إدارة عملية قلب الطاولة على الإخوان. وهنا سؤال: هل كان جائزا أن يفكر ويخطط ويحرك ويقود لتغيير كبير ومثير في مصر ويتعلق بشأن سيادي داخلي من دولة خارجية حتى لو كانت عربية شقيقة وحتى لو كانت تناوئ الإخوان العداء أيضا؟!. إذا كان ذلك جائزا، فلماذا لم يكن من السعودية مثلا فهي الأكثر قربا تاريخيا وجغرافيا من مصر، وهي الأحرص على علاقات متينة مع مصر من خلال نظام آمن من وجهة نظرها، وهي القوة الاقتصادية الأكبر عربيا وشرق أوسطي، وهي قاطرة الخليج والشرق العربي وهي سياسيا ذات وزن وتأثير وهي تحتاج لمصر ومصر تحتاج لها وبدونهما ينكشف العرب. في تقديري أن السياسة السعودية لها ثوابت لا تتزحزح عنها فهي لا تسمح أن يحدث من أراضيها ما حدث في الإمارات من جانب شفيق في إدارته لحملة كبيرة متعددة الأغراض والمهام وعلى مختلف المستويات لإزالة الإخوان من السلطة، لكنها طبعا لم تكن رافضة لذلك، بل كانت مرحبة بالتغيير، المهم أن تكون هندسته بعيدة عنها، وهناك مثلا الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي الذي لم ينطق بكلمة منذ حطت طائرته في جدة وأقام فيها مع أسرته باستثناء بيان من محاميه يرد فيه على ما أسماه افتراءات بحقه بخصوص قضايا مالية واختلاسات وخلافه. ما فعله شفيق طوال عام كامل من لعب سياسي بامتياز في الإمارات وبرضا ودعم وموافقة ومساعدة منها لشأن مصري داخلي لم يكن بعيدا عن كل معارضي مرسي سواء في الدولة العميقة أو في طيف المعارضة السياسية والشعبية، بل كان كل شيء يتم في العلن وبوضوح وبتحد، والإعلام كان مرآة ذلك يوميا، ومرسي ونظامه كانوا يتابعون ما يحصل ضدهم مثل أي مواطن مؤيد أو معارض يتابع أيضا. كان المنطقي والمتوقع أن يعود شفيق إلى مصر بعد إنجاز مهمته، لكنه برر البقاء في دبي بأن هناك قضايا ما زالت ضده ثم برأته المحاكم ولم يعد وجاء أوان الترشح للرئاسة وكان يرغب في تحقيق حلمه واستعادة الكرسي الذي يدعي أن مرسي أخذه منه بوسائل غير مشروعة، ثم ولشيء ما زال غامضا ربط ترشحه بموقف السيسي ثم تسرب فيديو له عن أنه لا يمكن أن يترشح في ظل الأجواء التي كانت قائمة آنذاك وتحدث عن توضيب الصناديق للسيسي ولكنه خرج سريعا لا ينفي كلامه إنما يؤكد دعمه للسيسي وتمر الأيام وشفيق ما زال هناك، لا يستمتع فقط بحياته المرفهة أو يستقبل زواره للنقاش في أمور شخصية أو حتى سياسية دون التصريح بها إنما ما زال يلعب سياسة علنا، ففي الأسبوع الماضي نشرت الصحف المصرية وهي لسانه وصوته وليست ضده أنه التقى وفدا من حزبه "الحركة الوطنية" وناقش معه أوضاع الحزب في الانتخابات البرلمانية المرتقبة والتحالفات مع الأحزاب الأخرى وشروط ترشيح أعضاء الحزب للبرلمان ونُشرت الصور مع التغطية الموسعة لتلك الزيارة السياسية. ماذا يمكن أن يُسمى ذلك؟، هو لم يكن يدلي بآراء سياسية في حوار إعلامي مثلا، إنما كان يناقش وضعا حزبيا داخليا في بلد خارجي، فهل هذا مقبول، وأليس ذلك خارج كل السياقات السياسية والحزبية والقانونية والدستورية والمنطقية، وإلى متى سيظل يمارس سياسة محلية من نوافذ خارجية حتى لو كان من بلد شقيق ويرتبط بعلاقات وثيقة مع السلطة الحاكمة؟. إذا كان قد تم تمرير نشاطه السياسي من الخارج في شأن مصري زمن الإخوان باعتبار أنه كان يُراد إسقاطهم بأي وسيلة، فهل السلطة الجديدة توافق وتجيز استمرار هذا النشاط المتعلق بالتخطيط للمؤسسة التشريعية المهمة في النظام السياسي والتي ستنبثق منها الحكومة وسيكون لهما الدور الأهم في حكم مصر، هل حزب شفيق هو حزب مصري، أم مصري إماراتي مشترك، أم حزب إماراتي له فرع في مصر؟ ، هذا الوضع المقلوب يجعلنا نستدعي فكرة حزب البعث العراقي قبل حله، أو البعث السوري حيث مركزه دمشق وله فروع في العديد من البلدان، أو جماعة الإخوان التي لها مركز في مصر وفروع في كثير من الدول العربية والإسلامية وبعض الدول الأجنبية، هل يريد شفيق تكرار تلك التجارب العجيبة؟. واضح أن هذه النقطة أزعجته كثيرا فخرج على إحدى الفضائيات يرد لكنه جاء ردا باهتا غريبا فعندما يقول إنه لا يمارس عملا سياسيا من خارج الوطن، فماذا إذن كان يفعل عنده في دبي منذ أيام وفد حزبه، والصحف نشرت أسماءهم وصورهم وتفاصيل ما جرى في لقائهم معه وهي كلها تفاصيل سياسية وحزبية لها خصوصية مصرية، وضيوفه هم من تحدثوا وأدلوا بالمعلومات وبكل ما جرى في الاجتماعات؟. من يتحدثون عن خطط إخوانية وإقليمية ودولية لإسقاط الدولة، ماذا يمكن أن يسموا خطط شفيق السياسية من الخارج في انتخابات البرلمان، أليس ذلك استهانة واستخفافا بالدولة، وانتهاكا لسيادتها واستقلاليتها؟. وألا يستدعي ذلك القول إن من يستضيف شفيق يمكن أن يقوم بتجهيزه ليكون رجله في البرلمان القادم لو حاز حزبه أكثرية أو أغلبية وشكل الحكومة وتحكم في إصدار القوانين والتشريعات؟. ما هذا الذي يحدث، ومهما كانت العلاقات مع الإمارات أو غيرها، ومهما كانت المساعدات فلابد أن تكون هناك نخوة وطنية واعتداد بالكرامة والسيادة؟. مصر لا يجب أن تسير في ركب أحد، لا خلفه، ولا بموازاته، إنما مكانها الطبيعي أن تسير أمام الركب وتقوده حتى لو كانت في أضعف حالاتها. التاريخ والجغرافيا يقولان ذلك قديما وحديثا واليوم وغدا. لا تهينوا مصر ولا تقزموها ولا تجعلوها تابعة لأحد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.