أدرك الاسلام منذ بعثة النبي صلى الله عليه و سلم خطورة الفقر على المجتمعات و الأفراد،و لذا كان النبي صلى الله عليه و سلم كما ذكرنا يستعيذ بالله من الفقر ، و يسأل الله الغنى ، و قد وضع الشارع الحكيم أساليب شتى لمعالجة الفقر بعضها شرعي، و بعضها مادي في ارتباط وثيق لا ينفصل بين الدين و الحياة ، و من وسائل علاج الفقر التي حث عليها الشرع و نبه إليها : 1. الدعاء : و من ذلك دعاءه صلى الله عليه و سلم " اللهم إني أسألك الهدى و التقى و العفاف و الغنى " رواه مسلم ، و قوله "" اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً صالحاً متقبَّلاً" 2. التحذير من المعاصي و الذنوب فإنها ممحقة للبركة جالبة للفقر ، ففي الحديث " إنَّ العبدَ ليحرمَالرزقَ بالذنبِ يصيبُهُ " ، و نبه القرآن إلى أن الفقر و الجوع ضرب الله به بعض الأمم بسبب أفعال السوء فقال "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"[النحل:112] 3. الحث على العمل و الرفع من قيمته و قيمة المهن ، فقال تعالى " (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) الملك:15، و قد اشتغل النبي صلى الله عليه و سلم بالتجارة ، و اشتغل صحابته أبو بكر و عثمان و عبد الرحمن بن عوف و غيرهم بالتجارة ، و كان السلف يقول لبعضهم بعضا "إلزموا السوق" أي للبيع و الشراء، و أعلى الاسلام من قيمة المهن ، ففي الحديث "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة"، و قال"ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ ، خيرًا من أن يأكلَمنعملِيدِه ، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كانيأكلُمنعملِيدِه"رواه البخاري ، و كان عليه السلام يعمل حدادا يصنع الدروع، و سئل النبي صلى الله عليه و سلم " أي الكسب أفضل؟ " قال: " عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور"، و في الحديث أيضا " لأَنْ يحطب أحدكم على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه"، و قد عمل الأنبياء في مهنة رعي الأغنام ففي الحديث"ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم, وأنا كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط". 4. و قد أناط الاسلام بولي الأمر مسئولية عظيمة في معالجة الفقر بتهيئة الفرص المناسبة للعمل ، ففي الحديث قال رسول الله للعاطل الذي سأله الصدقة " اذهب فاحتطب وبِعْ.. ولا أرينَّك خمسة عشر يوماً. فذهب الرجل يحتطب ويبيع, فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم, فاشترى ببعضها ثوباً,وببعضها طعاماً "، و قد نبه على ذلك بعض الفقهاء منهم ابن عابدين عن دور الدولة فقال : "يدفع للعاجزعن زراعة أرضه الخراجيه لفقره - كفايته من بيت المال قرضاً ليعمل ويستغل أرضه ". و حذر الأغنياء من أكل حقوق الأجراء" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ". و كفل الاسلام العاملين في وظائف الدولة ، ففي الحديث"من كان لنا عاملاً فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة, فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً, فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً, من اتخذ غير ذلك فهو غالٌ أو سارق ". 5. كفالة المجتمع للعاجزين عن الكسب و الأرامل و المساكين ، و من أهمها كفالة الأقارب "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه "، و قال أيضا" من أحب أن يُبسط له في رزقه, ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه".، قال ابن القيم "وأي قطيعة أعظم من أن يراه يتلظى جوعاً وعطشاً ويتأذى غاية التأذي بالحرّ والبرد, ولا يطعمه لقمة ولا يسقيه جرعة ولا يكسوه ما يستر عورته ويقيه الحر والبرد ويسكنه تحت سقف يظله" زاد المعاد 5/550 6. الزكاة ، و هي من أعظم ما فرضه الاسلام على موسري المسلمين لعلاج الفقر، و أكاد أجزم أنه لو أخرج القادرون زكاة أموالهم لا يبقى فقيرا في بلدهم بل و تعدى إلى بقية بلاد المسلمين ، يقول الشيخ رشيد رضا- رحمه الله - في تفسيره: "إن الإسلام يمتاز على جميع الأديان والشرائع بفرض الزكاة فيه - كما يعترف بهذا حكماء جميع الأمم وعقلاؤها، ولو أقام المسلمون هذا الركن من دينهم لما وجد فيهم - بعد أن كثرهم الله ووسع عليهم في الرزق - فقير مدقع، ولا ذو غرم مفجع، ولكن أكثرهم تركوا هذه الفريضة، فجنوا على دينهم وأمتهم، فصاروا أسوأ من جميع الأمم حالا في مصالحهم المالية والسياسية، حتى فقدوا ملكهم وعزهم وشرفهم، وصاروا عالة على أهل الملل الأخرى"تفسيرالمنار/م 5-ج 10
و لم يجعل الاسلام الزكاة أمرا اختياريا بل جعله فرضا آكدا فقال تعالى " خُذْمِنْأَمْوَالِهِمْصَدَقَةًتُطَهِّرُهُمْوَتُزَكِّيهِمبِهَاوَصَلِّعَلَيْهِم"التوبة/103، و في الحديث لما أرسل معاذا إلى أهل اليمن " فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم "، بل و إذا كانت تلك الزكاة في الأنعام فإن لرأس الدولة أن يأخذها منهم بالقوة حماية لحقوق الفقراء فقال النبي صلى الله عليه و سلم "من أعطاها مؤتجرا فله أجرها و من منعها فأنا آخذها و شطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شيء)، و قد قاس بعض أهل العلم بقية أنواع الزكاة على ذلك فأجازوا للدولة أو ولي الأمر أخذ الزكاة بالقوة من الممتنعين حماية لحق الفقراء و المحتاجين. 7. حقوق مالية أخرى كالكفارات و الفدية و النذور و الأطعة و الذبائح ، و حث الاسلام كذلك على الصدقة الاختيارية و الانفاق العام
و قد أجاز بعض أهل العلم فرض الضرائب في وقت دون وقت و من ذلك أن يكون خزينة الدولة فارغة , أما إذا كانت الدولة غنية بمواردها و إنما الأمر يتعلق بسوء الادراة أو نهب المال العام , فلا يجوز فرض تلك الضرائب، فهي في نظر الاسلام تشريع استثنائي لا يفرض كل الوقت و لا على كل الناس لمواجهة أزمة ما و لزمن محدد.
هذه نبذة عن علاج الاسلام للفقر و قد أطلق الاسلام العنان للاجتهاد و إيجاد الحلول العملية و المبتكرة في إطر الشرع و نصوصه الحكيمة ، و بذلك يستقيم المجتمع من أمراض الغل و الحقد و الحسد و يكون مجتمعا متراحما متجانسا تسود فيه الألفة بين أفراده موسرين و فقراء.