حينما اندلعت أحداث كنيسة القديسين بالأسكندرية في أول عام 2011، وُجهت أصابع الاتهام نحو "جيش الإسلام" في فلسطين معتبرةً إياه المرتكب الأساسي للحادث. انهالت القنوات التليفزيونية المصرية ببرامجها التي تدين "جيش الإسلام" لائمةً عليه قيامه بعملٍ إرهابيٍ شائن لا يليق بالإسلام، ولا يتفق مع سماحته، بل ويضر به إضراراً بالغاً لاسيما في ظل الموجة الشرسة المُقامة ضده منذ أحداث سبتمبر 2001. في الوقت ذاته، كانت لجنة "تيركيل" القضائية الإسرائيلية تصرح بأن الهجوم الإسرائيلي على السفينة التركية "مرمرة" كان شرعياً، ولم يكن مناقضاً للقانون الدولي. وفي الوقت ذاته، كانت إسرائيل تبني المستوطنات في شرقي القدس، ضاربةً بالمفاوضات عرض الحائط. وبالطبع، لم تتحرك الإدارة الأمريكية – ولا أي من الحكومات الغربية – قيد أنملة تجاه ما تفعله إسرائيل، بينما أقامت الدنيا ولم تقعدها تجاه ما حدث في كنيسة القديسين بمصر. وتبين لنا بعد ثورة 25 يناير 2011أن تلفيق التهمة ل"جيش الإسلام" الفلسطيني لم يكن إلا خطة مدبرة من قبل النظام المصري السابق، مستخدماً بلطجيته، لضرب ثلاثة عصافير بحجرٍ واحد: إحداث فتنة طائفية في داخل النسيج المصري لصرف نظر مسلمي مصر ومسيحييها عن فساد النظام واستبداده ولا سيما بعد تزوير الانتخابات التشريعية الأخيرة...هذا من ناحية. وتشويه صورة "الإسلاميين الأصوليين" – على حسب الوصف الأمريكي - واستعداء الشرق والغرب معاً عليهم... من ناحيةٍ ثانية، وإعطاء ضوء أخضر إلى إسرائيل لضرب إسلاميي غزة من ناحية ثالثة. وقد يُذكرني ذلك بأحداث المحلة – في إضراب 6 أبريل 2008 – حينما صرح الإعلام المصري بأن المُضرٍبين "الخونة" و"الخارجين عن القانون" هم الفاعل الحقيقي لتلك الأحداث التخريبية.....هكذا دون تحري أو تقصي للحقائق. وهو ما يُذكرني أيضاً بموقف الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو. بوش"، حينما خرج علينا وعلى العالم كله – بعد دقائق من أحداث الحادي عشر من سبتمبر – ليعلن أمام الجميع بأن المسلمين "الإرهابيين" هم المتسببون الحقيقيون في التفجيرات....أيضاً دون تحري أو تقصي للحقائق. هكذا تم تلبيس المصريين المُضرِبين بعمليات تخريب المحلة في أبريل 2008 ؛ مثلما تم تلبيس المسلمين بتفجيرات نيويورك في سبتمبر 2001؛ مثلما تم تلبيس "جيش الإسلام" بحادث كنيسة القديسين في يناير 2011. وهي – في نظري – سياسة معهودة، تأخذ بها الأنظمة الضعيفة الفاقدة للشرعية، والمستبدة في الوقت ذاته، حينما تعزم على الانتقام من "أعدائها"، ولي ذراعهم، وإقصائهم عن الحياة السياسية. وليس هناك انتقام أكبر من تلويث السُمعة، وتشويه الصورة؛ فتستقر تلك السُمعة الملوثة وتلك الصورة المُشوهة في أذهان الناس وقلوبهم وذاكرتهم. وقد برعت الأنظمة العربية في استخدام تلك السياسة الانتقامية ضد كل من تعتقد بأنه يهدد بقاءها في كرسي الحكم، وضد كل من تعتقد بأنه في إمكانه إيقاظ الجماهير المذلولة ودفعها نحو العيش بكرامةٍ وعزة. فما تفعله تلك الأنظمة ببساطة، هو استخدام "البلطجية الدوبلير" لأداء المهام القذرة الوحشية التي تقشعر منها الأبدان، ثم إلصاقها بمن يُراد تشويه صورته أمام الجماهير، مع اختيار الظروف المناسبة التي يُسهَل فيها تصديق ذلك. ولنا في ذلك مثلان واضحان على الصعيدين الجزائريوالفلسطيني . فحينما أرادت الحكومة الجزائرية (في أوائل التسعينيات) تشويه صورة الإسلاميين – الذين كانوا قد قاربوا على الوصول إلى الحكم بناءً على اختيار الشعب – قامت باستخدام "البلطجية الدوبلير"، ذوي الجلابيب البيضاء والذقون الطويلة، ليعيثوا في الجزائر فساداً. لقد حدثني أحد الأصدقاء الجزائريين عن تلك الوقائع الدموية؛ حيث قام أفرادٌ من النظام بارتداء الملابس – التي اعتاد إسلاميو حركة "جبهة الإنقاذ" على ارتدائها – ودخلوا على بيوت الجزائريين، يذبحون الرجال، ويبقرون بطون النساء، ويقطعون رءوس الأطفال. وحينما أراد "أبو مازن" تشويه صورة حكومة "حماس"، أظهر "الحماسيين" (2007) في صورة الانقلابيين الغوغائيين الذين انقلبوا على أجهزة الأمن الفلسطيني في داخل قطاع غزة، ليُنحوا "فتح" جانباً، ويستأثروا بحكم القطاع. هذا ما شاع، وهذا ما التقطته معظم وسائل الإعلام الرسمية العربية وروجته. ولكنها لم تروج للحقيقة المخفية التي أفصحت عنها بعد ذلك مصادر أمريكية، معلنةً أن انقلاب "حماس" لم يكن إلا رداً على انقلاب "فتح" الذي كانت تدعمه الإدارة الأمريكية. لقد أخفى "أبو مازن" دوافع انقلاب "حماس"، وأظهر الانقلاب وحسب. وهي سياسة أخرى لتشويه الصورة؛ إنها سياسة إخفاء 95% من الحقيقة، وإظهار 5% منها. فيصير ما يظهر منها ناقصاً، ومن ثم خادعاً للمرء. نقطة أخيرة: ما حدث في إمبابة (مايو 2011) لا يخرج عن هذا السياق. لقد قام فلول النظام المستبد السابق بتأليف وإخراج "هذه المسرحية" باقتدار شديد عبر "البلطجية الدوبلير"، وتم تلبيس "السلفيين" – وما هم بسلفيين – العِمة. وفي جميع الحالات، كان الإعلام الرسمي العربي يلعب دائماً دوراً في منتهى السلبية...دوراً يفتت نسيج الأمة...ومع كل أسف، ما زال الإعلام الرسمي يلعب هذا الدور المتدني.