قلما يتحدث أحد من مؤيدي السيسي عن التحدي الحقوقي، رغم أنه التحدي الأخطر، والأسوأ أيضا.. بل هو الملف الذي سيتوقف عليه، ما إذا كان الرئيس سيحكم شعبا كاملا.. أم نصف شعب؟! وبمعنى آخر: فإن طريقة تعاطي السيسي مع الملف الحقوقي هو الذي سيحدد صورته المغايرة لمرسي.. الذي أطيح به من السلطة بزعم أنه يمثل خطرا يهدد وحدة البلاد، وأن أداءه أفضى إلى انقسام المصريين إلى "الأهل والعشيرة" و"الأغيار". الانقسام الآن هو الأسوأ في تاريخ مصر الحديث.. فالانقسام على مرسي كان "سياسيا".. وهي درجة أقل بكثير جدا من الانقسام الحالي حول السيسي، فهو انقسام "عدمي" يغذيه ميراث الدم والاعتقالات والاعدامات الجماعية. أعرف أن البعض يتفهم "حرج" السيسي من أدوات الدولة المتماسة مع حقوق الإنسان (الشرطة والقضاء).. فهو يحتاجهما، ولكنهما يمثلان عبئا على مشروعه كسياسي رسمي صاعد.. صحيح أن علاقته بالشرطة تختلف عن علاقته بالقضاء، الأولى جزء من السلطة التنفيذية، التي يرأسها السيسي، والثانية سلطة موازية مستقلة.. وإذا كان من سلطته ضبط الأداء الأمني للشرطة، إلا أنه في موقف "الاحتياج" إليها في المرحلة الراهنة، وليس من مصلحته أن يستهل حكمه بالاصطدام بها، ولعل ذلك كان واضحا في أكثر من حوار له قبل انتخابه أو في خطاب تنصيبه رئيسا، ومفاده: طلبه دعم الشرطة و"الصبر" على تجاوزاتها.. وهي معادلة قد تكون مفيدة في "الطبطبة" على الداخلية، لاستكمال دورها في اسكات الشارع ريثما تثمر سياسات الرئيس عن أي انجاز يعزز أمله في صبر الناس عليه. غير أن هذه المعادلة غير مأمونة العواقب، لأنه ليس بوسع أحد أن يضمن سقفا لصبرالناس على السيسي وعلى تجاوزات أجهزة أمنية مرهقة ومتوترة وعصبية بحكم تقديم أولويات الأمن على السياسة، وهو ذات الخطأ الذي ضيع مبارك وعائلته. ومن المستبعد تماما أن تكون السلطة هي التي طلبت الإعدام الجماعي للإخوان.. فالأحكام أساءت إليها وإلى السيسي وإلى القضاء المصري نفسه.. ولكنه الانقسام وعلاقات الثأر والأزمة بين الإخوان والقضاء الموروثة من حكم مرسي (مشروع قانون السلطة القضائية الذي قدمه حزب الوسط). والحال أن الرئيس بحاجة إلى حلول عاجلة لملف حقوق الإنسان، في سياق ابداعات جسورة وعاقلة لاصلاح النظامين الأمني والقضائي، بدون الدخول في صدام صريح معهما..وبمشاركة المؤسستين ليبدوا شريكين في الإصلاح، تجنبا لاستفزاز التدخل السلطوي المباشر.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.