في سرية تامة ، ووسط أجواء من التكتم الشديد ، يقوم الدكتور أحمد كمال أبو المجد ، المفكر الإسلامي ونائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ، بالاتصال بنخبة ضيقة من المحسوبين على التيار الإسلامي وبعض الليبراليين ، من أجل استمزاج رأيهم حول خطوات يزمع القيام بها لتأسيس حزب سياسي جديد ، يمثل ما يمكن وصفه بيمين الوسط ، ولفتت مصادر المصريون إلى أن فكرة الحزب الجديد تمت بمباركة من قيادات سياسية كبيرة للغاية ، تهدف إلى تخليق حزب محافظ معتدل ومحسوب على التيار الإسلامي ، يمكن به استقطاب الفعاليات الإسلامية الفكرية والسياسية المعتدلة بما يشكل توازنا في الحالة الإسلامية المسيسة ، توقف تمددات جماعة الإخوان المسلمين من ناحية ، وتخفف الضغوط الدولية المتصاعدة على النظام السياسي المصري للسماح بأحزاب تمثل التيار الإسلامي المعتدل ، المصادر لفتت إلى أن نموذج " حزب العدالة والتنمية " التركي ليس بعيدا عن خلفية الفكرة الجديدة . جدير بالذكر أن الدكتور كمال أبو المجد كان قد نشأ في جماعة الإخوان المسلمين ، ثم انفصل عنها في الستينات وانضم إلى منظمة الشباب ، وترقى بها وكان مقربا من وزير الداخلية شعراوي جمعة ، وهو الذي توسط لإرساله إلى الولاياتالمتحدة في نهاية الستينات لإبعاده عن تهديدات أمنية من بعض الأجهزة ، وبعد تولي الرئيس السادات استدعاه وكلفه بتولي أمانة منظمة الشباب ، ثم تولى وزارة الإعلام ، قبل أن يغادر إلى الكويت للعمل مستشارا لأمير البلاد ، وكانت أسهم أبو المجد قد ارتفعت في السنوات الماضية في بورصة التوقعات ، ووصلت به إلى حد الترشيح لمنصب رئيس الوزراء ، وهو يحظى باحترام وثقة بالغين لدى دوائر رسمية ومؤسسة الرئاسة ، وهي الخلفية التي على أساسها تم اختياره نائبا لرئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان . مصادر المصريون أشارت أيضا إلى أن التوجه الجديد ، الذي ما زال في الأطوار الجنينية ، هو جزء من رؤية سياسية رسمية لإعادة تشكيل الخريطة السياسية في مصر ، بما يلائم مرحلة ما بعد الرئيس مبارك ، ولم تستبعد أن يكون للخطوة صلة بالتمهيد لملف التوريث أن يتشكل وفق خريطة حزبية جديدة تقوم على قطبين سياسيين كبيرين يمثلان ركيزة العمل السياسي وتقطع الطريق على أحزاب المغامرات والجماعات الأخرى من أن يكون لها نصيب حاسم في كعكة السلطة مستقبلا تحت أي ظرف من الظروف . المصادر ذاتها أشارت إلى أن التحدي الأساس الذي سيواجه أبو المجد هو صلاته الرسمية الوثيقة ، واقترابه من دائرة الحكم ، ومدى قدرته على إثبات استقلالية موقفه السياسي ، وإن كانت أشارت إلى أنه يحظى باحترام كبير في أوساط إسلامية عديدة مما يوفر له الأرضية الملائمة لتحرك سياسي مهم ومؤثر . من جهته أعرب المهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط عن دهشته وصدمته من هذه الأخبار مستبعدا أن يقبل الدكتور أبو المجد القيام بهذه الخطوة بوصفه مفكرا يكتب ويوجه ويألف وهذا يختلف حسب قوله عن حياة السياسي ورجل الحزب المعرض لأزمات ومتاعب الشارع السياسي التي تحتاج إلى مواصفات سياسية معينة يفقدها بالطبع الدكتور أبو المجد. بينما يرى الدكتور ضياء رشوان الباحث في شئون الحركات الإسلامية أن هدف أبو المجد من هذه الخطوة سيتضح من أسماء الشخصيات التي ستنضم إلى حزبه فإذا كانت من جماعة الإخوان المسلمين أو من حزب الوسط فالهدف يظهر هنا جليا وهو سحب البساط من تحت أقدام الجماعة والحزب. ويعتقد رشوان أن أبو المجد يدرك حجم جماعة الإخوان المسلمين جيدا وكذلك الشخصيات المؤسسة لحزب الوسط لذلك قد لا ينزلق إلى مثل هذه الألعاب السياسية الصغيرة بحيث يكون بديل للإخوان رغم أنه محسوب على النظام ولكن في نفس الوقت له تصريحاته وكتاباته التي تنتقد النظام بشدة. ورجح رشوان أن يكون الهدف من وراء هذه الخطوة أن يكون أبو المجد وهو ينتمي للتيار الإسلامي وله جذور إخوانية قد أدرك أن الساحة السياسية تحتاج إلى حزب له مرجعية إسلامية مشددا على أن أي مشروع حزب إسلامي يتجاوز جماعة الإخوان المسلمين لن يكون مؤثرا على الساحة السياسية. من جهته ، استبعد الدكتور محمد يحيى المفكر الإسلامي أن يسحب حزب كهذا ينشأ في حضن النظام البساط من تحت أقدام جماعة الإخوان المسلمين أو حزب الوسط لأن هذا الحزب سيمثل التفافا حول المشروع الإسلامي ولن تنضم إليه قيادات إخوانية أو قيادات من حزب الوسط . وعن شكل هذا الحزب ، رجح يحيي أن يكون ذو توجه ليبرالي يتماشى مع دعوات تجديد الخطاب الديني وتقديم تفسير جديد للإسلام وهو ما يطالب به كمال أبو المجد في الآونة الأخيرة وأن الشخصيات التي ربما تنضم إليه ستكون مقربة من النظام كالذين عملوا مثلا في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. ورأى يحيي أن ارتباط أبو المجد بالنظام لن ينتج عنه حزب له قيمة في الساحة السياسية وسيضاف إلى مجموع الأحزاب الورقية الموجودة الآن في الساحة السياسية. في السياق ذاته ، شدد الدكتور محمد حبيب النائب الأول لمرشد جماعة الإخوان المسلمين بديبلوماسية معهودة مؤخرا على أن أي حزب سياسي جديد هو بلا شك إضافة للحياة السياسية وتحريك للمياه الراكدة في هذه الساحة ومن شأنه أن يكسر حدة الاستقطاب بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين . ونفي حبيب أن يؤثر هذا الحزب على شعبية جماعة الإخوان المسلمين لما لها من رصيد شعبي ضخم في الشارع السياسي وتاريخي نضال يعرفه القاص والداني ، لافتا إلى أنه في ظل قانون الأحزاب السياسية الحالي الذي يفرض القيود على تأسيس الأحزاب السياسية وكذلك وجود لجنة شئون الأحزاب التي تملك المنع والمنح فالأحزاب التي توافق عليها اللجنة تكون في الغالب أحزاب غير مؤثرة وليس لها أي قيمة في الساحة السياسية . واستبعد الدكتور كمال حبيب الباحث في شئون الحركات الإسلامية أن ينزلق الدكتور أبو المجد إلى لعبة كهذه لكونه رجل قانون ومفكر ومرتبط بالمجلس القومي لحقوق الإنسان وأضاف : لا أظن أن أبو المجد يغامر بتاريخه فهذا موضوع شائك ، وإن كان المشروع الإسلامي لا يمكن الاستغناء عنه في الوقت الراهن في ظل تصاعد قوة الإخوان المسلمين وتحول الجماهير إلى الإسلام.