قال تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ومبعوث اللجنة الرباعية لعملية السلام فى الشرق الأوسط فى خطابٍ مثير للجدل فى بلومبرج وسط لندن فى الثالث والعشرين من شهر إبريل الماضى بعنوان " الحالة السياسية فى الشرق الأوسط " : مشاكل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كلها واضحة ، لكن انظر إلى الإرهاب الواقع فى تلك الدول. فى إشارة واضحة إلى الإسلام فى صورة تنظيمات وتيارات إسلامية بطبيعة الحال ،فخلفية الرجل المتشددة تجاه كل ما هو إسلامى لا تخفى على أحد ومعروف عنه تبعيته المطلقة للإدارة الأمريكية واللوبى اليهودى وقادة الكيان الصهيونى وتحالفه مع جورج بوش الابن خاصة خلال ما سمى بالحرب على الإرهاب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر2001 وما تلاها من شن الولاياتالمتحدة وحليفتها بريطانيا حربين كارثيتين على دولتين إسلاميتين (أفغانستان والعراق) كان لها آثار بالغة السوء فى نفوس المسلمين أعادت للأذهان أجواء الحملات الصليبية على المشرق الاسلامى والعربى منذ عدة قرون فضلاً عن التأثيرات السلبية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التى عمت تلك البلدان مما أدى إلى تنامى حالة من العداء والنفور الغربى تجاه المسلمين نتيجة للشحن السلبى المستمر التى مارسته الدعاية الغربية تجاه الإسلام الذى تم وصمه بالإرهاب. مارس"بلير" دعايته التحريضية ضد الإسلام كعادته ولكن فى صورة الإسلاميين حيث قام بتصويب سهامه المسمومة تجاه جماعة الإخوان المسلمين ونقلت أجزاء من الخطاب صحيفة الشرق الأوسط اللندنية قائلاً" إن الإخوان المسلمين وغيرها من منظمات تزداد فعالية وتعمل من دون الكثير من التحقيق فى عملها أو التضييق عليها" ، حيث انتقد الرجل الرغبة العميقة لفصل الأيديولوجية السياسية التى تمثلها مجموعات مثل الإخوان المسلمين عن أفعال متطرفين بما فيها أعمال الإرهاب ، وقد حذر"بلير" من تجاهل أن الأيديلوجية نفسها خطرة ومخربة(يقصد الإخوان) ويجب ألاّ تُعامل كنقاش سياسى تقليدى بين وجهتى نظر مختلفتين حول إدارة المجتمع،حسبما قال ، فالرجل باختصار لا يرى فصلاً عضوياً وفكرياً بين الإخوان كتنظيم سياسى وبين كل أشكال العنف والتطرف بل يلصق تهمة الإرهاب على (الهوية الإخوانية) إن صح التعبير وكأنه عضو فى حكومة انقلاب 3 يوليو يردد نفس الخطاب العدائى التعبوى الإقصائى بهدف استئصال كل ما يمت للإخوان المسلمين ومن تعاطف معها بأى صلةٍ كانت!. وبحسب صحيفة الشرق الأوسط تحدث"بلير" عن مصر وهذا هو الأهم والأخطر، قائلاً" مستقبل المنطقة يتوقف على مصير مصر"، وهو محق تماماً فى ذلك ، مشيراً إلى أن ما حدث فى 30 يونيو2013 لم يكن مجرد مظاهرات عادية ، بل هو إنقاذ ضرورى للأمة ، وعلينا أن ندعم الحكومة الجديدة ونساعدها وشدّد على أن الرئيس المصرى الجديد سيواجه تحديات جسيمة ولكن" من مصلحتنا الجوهرية أن ينجح، وعلينا أن نحشد المجتمع الدولى لإعطاء مصر ورئيسها أكبر مساعدة ممكنة كى نعطى البلاد فرصة ألاّ تعود إلى الماضى (ويقصد هنا بالطبع عهد محمد مرسى فى ظل ثورة25 يناير)، بل أن نعبر إلى مستقبلٍ أفضل"على حد قوله. فالملاحظ لكلام"بلير" السابق يدرك مدى تماهيه وانسجامه وتوافقه التام مع تصريحات قادة الكيان الإسرائيلى الإيجابية تجاه ماحدث فى 3 يوليو من جهة، ومع قائد الانقلاب العسكرى فى مصر من جهةٍ أخرى وكأننا أمام خطاب واحد أُعد وكُتب بنفس المداد ونفس الشخص رُوعى فيه مصالح الغرب وإسرائيل فقط على ما عاداها من مصلحةٍ أخرى. أما فيما يتعلق بالثورة السورية وتشابكها مع ما يحدث فى مصر بعد 3 يوليو فقد بدا "تونى بلير" متناقضاً إزاء الوضع فى سوريا فى السابق حيث كان من أشد المطالبين بضرورة التدخل عسكرياً فى سوريا محذراً بريطانيا والدول الغربية من دفع ثمناً باهظاً جراء عدم تدخلها ، بينما تغير موقفه تماماً الآن بصورة أكثر براجماتية وتراجع عن هذا المطلب ربما لحسابات دولية غربية روسية إسرائيلية بطبيعة الحال استجدت على الساحة الدولية والإقليمية فى الآونة الأخيرة حيث قال فى الرابع والعشرين من إبريل الماضى وبعد يوم واحد من خطاب بلومبرج بلندن " إن التوصل إلى اتفاق ممكن مع بشار الأسد حتى لو كان يعنى بقاءه فى السلطة أفضل بكثير من دعم معارضة مهلهلة ومنقسمة". هنا لا ينبغى أن يمر كلام الرجل إزاء الأزمة السورية مرور الكرام ذلك أن هناك مستجدات دولية فرضت نفسها ودخلت على خط الأزمة حيث أن الرجل موظف دولى يمثل منظمة دولية أممية مازال على رأس عمله وليس سياسياً متقاعداً يطرح ما يشاء وقت ما يشاء مما يرجح التدخل الأمريكى وإعطاء تعليمات بالتحرك وتغيير المواقف طبقاً للمستجدات الأخيرة ، أى أنه لا يتكلم من تلقاء نفسه لاسيما فيما يتعلق بتصريحاته المثيرة الأخيرة التى ذكرتها آنفاً عن ضرورة مواجهة الإرهاب (الإسلامى طبعا) وجماعة الإخوان المسلمين وتأييده لانقلاب 3 يوليو وخريطة الطريق المصرية مما نزع عنه حياده المفترض أن يكون كمبعوث أممى دولى يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتنازعة الحكم فيها فقط للقانون واحترام المسار الديمقراطى طبقاً للقوانين والمواثيق الدولية ، ثم تراجعه المريب عن الصدام العسكرى مع نظام بشار الأسد بل وإمكانية فتح خط اتصال واتفاق معه وبقاءه فى السلطة لاسيما إذا وضعنا فى الاعتبار التطور المثير للأزمة الأوكرانية خلال الشهور القليلة الأخيرة وتحدى روسيا للغرب وتدخلها فى أوكرانيا سياسياً وعسكرياً ودعم انفصال إقليم"القرم" وضمه إلى روسيا فعلياً مما ساهم بدوره فى تنامى أجواء الحرب الباردة بين الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة و روسيا على اقتسام النفوذ السياسى والعسكرى والإقتصادى فى أوكرانيا ، لكن يبدو أننا أمام هذا التجاذب بين الطرفين إزاء اتفاقية"سايكس بيكو جديدة" سرية تحت الطاولة كالتى أُبرمت عام 1916 بموافقة ومصادقة الإمبراطورية الروسية آنذاك على اقتسام ما يسمى ب(الهلال الخصيب) فى غرب آسيا والشام بين فرنساوبريطانيا ممثلا الغرب وقتئذ ، حيث يتم بموجبها الآن توزيع مناطق النفوذ بين كل من الغرب وروسيا على كعكة الشرق الأوسط،إذ من الملاحظ أنه رغم العداء الحضارى التاريخى المحتدم فوق السطح أحياناً وتحت الرماد أحياناً أخرى بين الغرب وروسيا إلاّ أنهما اتفقا على ضرورة محاربة عدو واحد ومشترك وهو الإسلام السياسى الحركى أو بالأحرى (الإسلام كديانة) بالأساس وهو ما وضح جلياً فى التواطؤ الدولى الغربى الروسى على إرادة المصريين فى 3 يوليو فضلاً عن المؤامرة الكبرى على سوريا حيث تمثل منطقة نفوذ روسى قوى ذات أهمية جيوسياسية للجارة اللدود إسرائيل وتتشابك مع مصالحها بشكل مباشر حيث بات من المؤكد أن وجود نظام إسلامى فى دمشق يزعج الكيان الصهيونى أكثر مما يزعجها نظام بشار الأسد الحارس الأمين لحدود الجولان الآمنة تماماً، مما يجعلنا نفهم وندرك مغازلة"تونى بلير" للدب الروسى بتراجع الغرب عن التدخل العسكرى فى سوريا وإمكانية التوصل إلى اتفاق مع نظام الأسد حتى لو كان يعنى بقاءه فى السلطة أفضل بكثير(للغرب وإسرائيل طبعا) من دعم معارضة مهلهلة منقسمة على حد قوله والمقصود هنا هو بروز دور المعارضة السورية الإسلامية ، وكأنه يقول " نار بشار الأسد ولا جنة الإسلاميين" ولننسى خلافاتنا العميقة من أجل الإجهاز على الإرهاب الإسلامى فى بلدان الربيع العربى سواء فى اليمن وتونس وليبيا ومصر وسوريا، وما يحدث فى ليبيا من قلاقل مستمرة ودعوات وتهديدات بانقلابات عسكرية لا تنتهى خير شاهد ودليل على تواطؤ الغرب مع روسيا فى احتواء للتجاذب بينهما وربما محاولة غربية لترويض الدب الروسى فى هذه المرحلة حتى الفراغ من المهمة المقدسة لإعادة ترتيب خريطة الشرق الأوسط خالية تماماً من التيار الإسلامى ذلك أننا نستطيع أن نقول أن تونى بلير أمير الحرب مبعوث وسفير للغرب وروسيا لدق طبول فصل جديد من فصول الحرب الصليبية على الإسلام مؤكداً مقولة حليفه "بوش الابن" بعد تفجير برجى التجارة العالمى فى مانهاتن بنيويورك (11 سبتمبر2001) على أنها الحرب الصليبية الجديدة ، لكنه برغم كل ما سبق فإن القول الفصل والحسم وسط هذه المؤامرات على مقدرات البلدان العربية والإسلامية ستكون للشعوب الثائرة فى الشوارع والميادين مهما تآمروا وحاولوا إخماد الروح الثورية فى النفوس فهذه الروح هى عامل الحسم فى النهاية ما دامت فتية وتدب فيها الحياة.