قد لا يعرف الكثير من شباب هذا الجيل نماذج من مناضلين برزوا في ميدان الدفاع عن الحرية والعدالة الاجتماعية في مصر بشرف ونزاهة بعد أن حجبتهم ثقافة الغش والعري والخداع التي اتسمت بها الفترة الزمنية الأخيرة فترسخ في أذهانهم أن تاريخنا مزيف بعد أن غابت عنه نماذج القدوة والقوة والشجاعة وغيرها من صفات فسدت مع جيل الفاسدين . وتاريخنا الوطني في الحقيقة ملئ بنماذج من طراز رفيع يقترب من وصف الله لهم " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " . فلو أنك عايشت تاريخ رجل عشق مصر رغم أصوله التركية وضحي بكل ما كان يملك من أراض وقصور وأموال هو محمد فريد ، ولم يبق معه لعلاج مرضه شيئا فمات في منفاه بعد أن ضن عليه أعداء الوطنية حتى بالعودة ليموت في مصر، لأدركت معنى ساميا لعشق الوطن والموت في سبيله . فكم من زعماء جعلوا من الوطنية غطاء للسلب والنهب ، ونسوا هذه النماذج وما رسخته من معاني في أن الوطنية الحقيقية هي أن تعيش لها ومن أجلها لا أن تعيش بها وتتعيش علي ادعائها . ومن بين هؤلاء الزعماء أحد المناضلين من أبناء محافظة الشرقية فتحي رضوان الذي ولد فيها في أوائل مايو1911م. فقد بدت عليه علامات اندفاعه للنضال الوطني منذ أن كان طالبا في كلية الحقوق التي كانت تعج بالكثير من الرموز مثل عبد العزبز فهمي ومكرم عبيد وعبد الرحمن فهمي وغيرهم . والتقي مع رفقاء له كان من أبرزهم الزعيم أحمد حسين . بدأ فتحي رضوان وأحمد حسين ، ومعهما إبراهيم شكري ، دورهم النضالي بمشروع القرش الذي كان تعبيرا عن محاولة تحقيق نموذج اجتماعي لمساعدة الفقراء من الفلاحين والعمال في شكل مشروعات صغيرة ، وسافروا من أجله إلي الشام والعراق وغيرها . وفي سنة 1933 قاموا بتأسيس مجلة الصخرة لتكون لسان حال جمعيتهم الوطنبة التي أسسوها باسم مصر الفتاه ، وحاولوا طرح نموذج اشتراكي وجدوا فيه السبيل إلي تحقيق العدل الاجتماعي والحرية . وعند بداية الحرب العالمية الأولي انتقل فتحي رضوان ليعمل سكرتيرا لعزيز باشا المصري وليسلك النضال علي نهجه والذي تمثل في الدعوة إلي مقاومة الإنجليز بالقوة والتقارب مع الألمان أعداءهم ليعينوهم علي هذه المقاومة . ولعب خلال هذه الفترة دورا بارزا في محاولة تقريب عناصر عسكرية من الجيش المصري إلي عزيز المصري شاركه فيه مرشد جماعة الإخوان المسلمين كان من أولهم الزعيم محمد أنور السادات . وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية اتهم فتحي رضوان بالمشاركة في اغتيال رئيس الوزراء السعدي أحمد ماهر لكن القضاء برأه من هذه التهمة . وكون حزبا جديدا علي أطلال الحزب الوطني القديم أسماه الحزب الوطني الجديد ، وسلك نفس الأسلوب الداعي إلي التحرر بالقوة وعدم التفاوض مع المحتل ومهاجمة الأحزاب الليبرالية التي تتخذ من المفاوضات أسلوبا والتقارب مع المحتل حماية . وعندما تولي الجيش أمور البلاد في 1952 كان فتحي رضوان مسجونا فأخرجه العسكر من السجن ليتولي منصب الوزارة هو وسبعة من رفاقه كان من أبرزهم الدكتور نور الدين طراف . وظل فتحي رضوان قريبا من النظام السياسي متقلبا في منصب الوزارة بين الثقافة والمواصلات ورئاسة تحرير الصحف حتى استبعده جمال عبد الناصر بسبب اشتراكه مع مفكرين آخرين في المطالبة بمزيد من الحرية والديمقراطية . وظل يكتب في الصحف والمجلات وعبر المؤلفات والمشاركة في المنتديات والمؤتمرات حتي وافته المنية دون أن يلقي التكريم الذي يستحقه كمناضل شريف ونظبف بمعيار عصره لا بمعيار عصرنا الذي ظهرت فيه نماذج لوثت معنى الشرف ونظافة اليد . رحم الله فتحي رضوان ورفاقه الأطهار الذين ضحوا من أجل وطنهم وتركوا تراثا نقيا في النضال من أجل الحرية . * مؤرخ مصري