أتذكر تلك الأيام التي كنت أستمع فيها إلى الآذان – عبر قنواتنا المصرية التليفزيونية – بصوت شيخنا الجليل محمد رفعت، رحمه الله؛ ذلك الصوت القوي والعذب في الوقت ذاته. وأتذكر تلك الصور التليفزيونية الرائعة المصاحبة للآذان. فهنا الكعبة بيت الله الحرام، وهنا المسعى، وهنا المسلمون الطوافون الركع السجود، وهنا الحجيج يلبون ويدعون....كلها صور كانت تبعث في نفسي مشاعر جياشة تجاه أطهر بقاع الأرض؛ فكان المزيج بين الآذان وصوت الشيخ رفعت ومنظر الكعبة...كان مزيجاً روحياً جميلاً يرقى بالنفس ويصعد بها إلى عنان السماء. أما الآن – ونحن في عصر العولمة أو الأمركة – فقد أصبح الآذان يذاع يتيماً على القنوات المصرية...فلا محمد رفعت ولا الكعبة. التبرير لذلك، كما يرد على ألسنة المسئولين، أن المصريين بحاجةٍ إلى أن يروا المساجد الأثرية في مصرنا المحروسة. فيتم استبدال مشهد الكعبة بمشهد مسجد عمرو بن العاص أو مسجد أحمد بن طولون؛ ويتم استبدال محمد رفعت "قيثارة السماء" بشيخ آخر...لا تجد في صوته أي شيء مميز. أتعجب من هذا التبرير وأتساءل: هل أضحت قبلة المسلمين مسجد عمرو بن العاص أو مسجد أحمد بن طولون؟ وهل يجوز استبدال مشهد الكعبة – أول مسجد أسس على الأرض – في وقت الآذان بمشهد أي مسجد آخر، مهما بلغت عراقة ذلك المسجد؟ و أليس من البديهي والمنطقي أن يتم استحضار قبلة الصلة في وقت الآذان؟ وأين أصوات شيوخنا الكبار في رفع الآذان؟ ولماذا يتم طمس كل شيء جميل في حياتنا تحت تبريرات غير مقبولة وغير منطقية؟ لدي إحساس عميق بأن هناك خطةً منظمةً وممنهجة لاقتلاع جذورنا ورموزنا وأصولنا تحت حجج واهية، وبأساليب وأدوات ناعمة. لدي إحساس مرير بأن هناك نهجاً واضحاً لتنحية كل شيء جميل كان يضفي البهجة على أرواحنا. والإعلام هو "البطل" الأساسي والأول في القيام بتلك المهمة. ولعل ما يفعله الإعلام في شهر رمضان هو أقرب دليل على ذلك. أكثر ما يضايقني في الموضوع، أولئك الأطفال الذين يستقبلون تلك المرئيات المشوهة...الذين لم يروا ولم يعاصروا تلك البهجة التي كنا نراها زمان.