يبدو أن الدكتور عصام شرف قد جىء به لموقعه كواجهة فقط، فهو خبير طرق عالمى ولا اعتراض، وعلى المستوى الشخصى فهو يتمتع بأخلاقيات عالية وتواضع جم، وقمة فى النزاهة ولا جدال فى ذلك، لكنه غير مؤهل لأن يكون رئيس حكومة، وليست حكومة عادية، بل حكومة ثورة، فهو لم يمارس العمل السياسى من قبل، وكونه كان وزيرا تكنوقراطيا، لا يؤهله لأن يكون رئيسا للحكومة، حيث أنه أثبت عدم استيعابه للخريطة السياسية الراهنة فى مصر، ويتخذ قراراته بدوافع عاطفية، ومعلوم أن العمل السياسى لا مجال فيه للعواطف. الدكتور عصام شرف الذى شارك كمواطن مصرى فى ثورتنا العظيمة، غاضبا وثائرا ضد النظام الذى طاب له الفساد منهجا وطريقا أوحدا، واستمرأ الظلم والبغى، وصل لمنصبه بهذه الصفة الثورية، لكن التجربة القصيرة أثبتت أن الرجل النزيه إمكانياته القيادية محدودة، خاصة فى وجود جمل كبير إلى جواره كرئيس فعلى للحكومة، وشرف مجرد واجهة محترمة أمام المصريين. الدكتور عصام شرف بعدما اختطفته الحكومة، لم يعد يعرف ماذا يريد الشعب، ولو كان نزل ميدان التحرير يوم جمعة التطهير، والجمعة السابقة لها ، كان قد رأى البوسترات الضخمة التى ترفع صور يحى الجمل وتطالب برحيله، جنبا إلى جنب مع البوسترات التى تطالب بمحاكمة مبارك وأسرته، فلماذا يغض شرف الطرف عن مطالبات الشعب بعزل الجمل، وإقصاء كل من أتى بهم كوزراء، أساءوا كثيرا لوزارته؟. لقد صدمت عندما اطلعت على أسماء أعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان، الذين اختارهم يحى الجمل، فقد ألغى المجلس القومى لحقوق الإنسان، وشكل مجلسا جديدا لدعم العلمانيين والطائفيين، الذين ينادون بحذف المادة الثانية من الدستور، والذين يحاربون الحجاب ويزعجهم صوت الآذان، جاء بهم الجمل للوقوف أمام ما يطلقون عليه المد الإسلامى الزاحف (وإن شاء الله زاحف بالخير) ، جاء الجمل بمجلس من ناشطى أقباط المهجر الطائفيين الذين يحاربون الإسلام علانية وبكل وقاحة، ومن رموز اليسار المصرى المعادى للإسلام، بل منهم باحث بمركز أمريكى كان عضوا فاعلا بلجنة السياسات التى جلبت للبلد الفساد والأنكاد. يحى الجمل وهو بحق بؤرة الثورة المضادة، هو الذى يتبنى فكرة التصالح مع الفاسدين الذين نهبوا ثروات مصر، وهو الذى وعد البابا ببذل قصارى جهده لإلغاء المادة الثانية من الدستور، وهو الذى أتى بوزراء عليهم ألف علامة استفهام، فى مقدمتهم أيمن أبو حديد وزير الزراعة الذى يعد صورة كربونية من يوسف والى، وكذا عماد أبو غازى الذى هو أيضا صورة كربونية من فاروق حسنى، ثم تحدى الجميع، وأعاد الرجل ذا القبعة وزيرا للآثار، ناهيك عن الهيئات والمؤسسات القومية ذات الثقل، جعل على رؤوسها رموز اليسار والعلمنة، مثل هيئة الكتاب، ودار الكتب، وجهاز التليفزيون، ولم يقترب من رئيس تحرير المصور، الذى كان حتى يوم 10 فبراير يدافع باستماته عن مبارك ونظامه وما يتمتع به الرئيس من نزاهة وشرف بل وحب من جموع المصريين!!. الجمل، كتب مقالا طريفا فى المصرى اليوم، يوم الإثنين 11 ابريل الماضى، يدافع فيه عن نفسه، ويكيل السباب لمنتقديه بألفاظ غير لائقة ويعاقب عليها القانون، قال من ضمن ما قال: "من الذى جرؤ من هؤلاء التافهين أن يقول للرئيس مبارك على قناة فضائية، واسعة الرؤية: ليتك ياسيدى الرئيس تستريح بقية عمرك وتتمتع بأحفادك بقية حياتك، وكان ذلك منذ حوالى سبع سنوات". وهذه العبارة التى كتبها الجمل، هى الدليل الدامغ على كذبه، وعلى صدق وصحة ما يقوله منتقدوه، لأن الجمل ليس أول من قال ذلك، فهناك عشرات الاقلام طالبته بذلك ومنذ عام 1987 تتعالى الأصوات التى كانت تنادى بإقصائه، ومنذ بداية ولايته الرابعة عام 1999 تطور التعبير عن الرفض الشعبى له، فكنا نخرج فى مظاهرات حاشدة بميادين القاهرة نطالبه بالرحيل، ألم تسمع يا دكتورعن حركة كفاية التى خرجت للوجود عام 2004 لهدف واحد فقط، هو إنهاء نظام مبارك؟؟، كانت "كفاية" ليست اسما لحركة، بقد ما كانت صيحة يطلقها الملايين تعبيرا عن رفضهم لاستراره كل هذه السنوات حاكما مطلقا لمصر، ألم تقرأ ما كانت تكتبه جريدة الشعب قبل أن يصادرها مبارك عام 2000؟ ألم تقرأ ما كانت تكتبه جريدة العربى الناصرية؟ ألم تقرأ ما كانت تكتبه صحيفة الشعب التى ذبحها مبارك وشرد المئات من العاملين فيها؟ بل ألم تقرأ ما كانت تكتبه الصحيفة التى يصدرها حزب التجمع الذى كنت أحد قياداته وهى تطالب بتغيير النظام؟؟ فكيف تدعى أن أحدا لم يجرؤ أن يطالب مبارك بما طالبته أنت به، وما قلته وتظن أن أحدا لم يقدر عليه غيرك، هو مجرد جملة مضحكة وسط طوفان من تيار الرفض الشعبى المعلن لمبارك، والله إنك كذوب ولا تستحى. ولو كنت قلت ذلك منذ سبع سنوات كما تدعى، فإن مبارك منذ سبع سنوات كان عمره 76 سنة، وأنت الآن عمرك 85 سنة، فلماذا لا تقول ذلك لنفسك؟ استكثرت عليه أن يستمر فى الحكم وعمره 76 سنة، فلماذا لا تقرر أنت وقد بلغت من العمر أرذله أن تقضى بقية عمرك مع أحفادك تستمتع بما استحوذت عليه من فيلات وشاليهات مع أبنائك وأحفادك، فتريح وتستريح؟. هل هناك نائب رئيس وزراء يذهب لحضور حفلات عشاء مع رجال أعمال أغلبهم تحوم حولهم الشبهات، ولديهم مصالح لدى الحكومة؟ .. هل هناك نائب رئيس وزراء متفرغ للظهور فى جميع فضائيات الدنيا بسبب وبدون سبب؟ لا يراعى حتى هيبة منصبه؟ .. وهل هناك نائب رئيس وزراء يعمل كاتبا بالأجر فى صحيفة يمتلكها رجال أعمال ليسوا فوق مستوى الشبهات ويتقاضى أجرا يحدده رئيس التحرير؟ وهل حقا أبقيت على حمدى رزق رئيسا لتحرير المصور لأنه صديق مجدى الجلاد رئيس تحرير الجريدة التى تكتب أنت فيها والذى يحدد مكافأتك الشهرية؟ ولماذا بعدما أصبحت "مسئولا" .. لماذا تصر على الكتابة فى المصرى اليوم، ولا تنشر ما تريده فى إحدى الصحف الحكومية؟. تصرفاتك يا دكتور يحى مثار عجب ودهشة، فأنت الذى قد قلت قبل خلع مبارك لا يمكن ولا يصح ولا يجوز ولا ينبغى أن نعدل الدستور أو نحل المجالس التشريعية فى غياب رئيس الجمهورية، ودافعت عن بقاء مبارك فى السلطة متحديا إرادة الملايين التى هبت لعزله ومحاكمته، تتذرع بقوانين وضعها نفس النظام الفاسد الذى كنا نطالب بإسقاطه، وتنسى وأنت رجل قانون، تنسى القاعدة الفوق قانونية، والتى تقول بأن "الشعب هو مصدر السلطات"، وتنسى نظريات فولتير وجان جاك روسو ومونتسكيو التى تدرسها لطلبة الحقوق، عن العقد الإجتماعى، ونظريات السلطة الشرعية، وكلها تدور فى فلك القاعدة الأساسية "الشعب هو مصدر السلطات"، ومعناها يا دكتور أن إرادة الشعب فوق القانون، وفوق الدستور، وفوق فتاويك أنت ومن شابهك. لم يكن مطلوبا من حسنى مبارك كتابة إقرار بالتنحى، فهو لم يتنح، ولا نقبل بأن يقال بأنه رئيس متنحى، لأن التنحى معناه توافر إرادة الاختيار، ومبارك كان أصغر من أن يختار قرارا به بعض نبل وشهامة، فهو كان مجبرا وملزما بتنفيذ إرادة الشعب التى هى فوق كل شىء، ووضعه الحالى أنه معزول .. مخلوع .. مطرود .. بإرادة الشعب .. بقوة الإرادة الشعبية، التى هى أكبر من أى قانون، أليس هو الذى وضع هذه القوانين لحمايته؟ كيف إذن نقرر مصيره بما قد حاكه هو وحاشيته من قوانين وتشريعات تفتقد لأبسط قواعد العدالة والمنطق، بل وتفتقد الشرعية، لأنها صدرت بالإرادة المنفردة. يا سيدى وأنت الذى علمت أجيالا ما هو القانون، ومعك من أساتذة القانون الذين بالسلطة أعدادا أخرى، مثل فتحى سرور ومفيد شهاب وعبدالعظيم وزير، أنتم علمتمونا القانون على الورق، وبين المدرجات فقط، فلما أصبحتم أصحاب سلطة، كنتم أول من أكد لنا أن القانون مجرد قواعد مدونة بقلم رصاص يمسكه الحاكم، وكل يوم يمسح ما يشاء، ويضيف ما يشاء، ويقضى بما يشاء، فضربتم أسوأ مثل لمهمنة المعلم، فالمعلم مهنة لها حرمتها، ولها قدسيتها، وإذا قال بما لا يفعل تسقط صفته، وقد سقطت صفتك كأستاذ منذ زمن، منذ أن دخلت حلبة السلطة، وواليت وأبريت وأدنت وأفتيت من منظور المصالح الشخصية فقط. المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى شكله الجمل، لا يمت بصلة لحقوق الإنسان، فكيف لمجلس جل أعضائه من الذين يحاربون الإسلام، ومن الذين يعملون لصالح أجندات غربية ليست فوق مستوى الشبهات يكون معبرا عن حقوق الإنسان فى دولة 95% من سكانها مسلمون؟!، يعانون من اضطهاد ليس له مثيلا فى العالم كله من أقلية متمردة، ويقود أقباط المهجر نشر حملة أكاذيب وافتراءات ما أنزل الله بها من سلطان ضدهم، ويأتى الجمل ليشكل لهم مجلسا قوميا رسميا، يضفى مصداقية على كل ما يفتروه ضد مسلمى مصر!!. السيد الأستاذ الدكتور عصام شرف، نحن رحبنا بك حين رأيناك معبرا عن آمالنا، وقادرا على تحقيق مطالبنا وطموحاتنا، لكن التجربة أثبتت عدم مقدرتك على التحكم فى دفة السفينة، التى أرى أنها دارت دورة كبيرة، ثم عادت لطريقها القديم، على خطى النظام السابق، فى محاربة الإسلام وتهميش رموزه، وإعلاء شأن محاربيه. الدكتور شرف الذى استجاب للمتظاهرين المسيحيين، وأفرج عن أحد القساوسة الذى كان يقضى عقوبة سجن مدتها خمس سنوات، فى جريمة تزوير، فشل فى استرجاع كاميليا شحاتة أو وفاء قسطنطين أو مارى عبدالله، أو عبير ناجح ابراهيم، أو كرستين قلينى، أو ماريان مكرم جرجس، أو تريزا ابراهيم، أو أى من غيرهن المختطفات من قبل دولة البابا، مخالفا بذلك كل القوانين، ضاربا عرض الحائط بكل الإعتبارات، مؤكدا على أن كلمته مازالت هى العليا فى مصر، ومن لديه ما يؤكد غير ذلك فليذكرنى به، مازال البابا رئيسا لجمهورية مستقلة، أخذت شرعيتها بعد الثورة، من تهافت كل المسئولين على زيارته، بما فيهم رئيس الوزراء، ليس هذا فحسب، بل أصبح يستقبل رؤساء أجانب، لبحث سبل العلاقات المشتركة معهم، وتقوية روابط الصداقة بين دولته والدول الأخرى، على مرأى ومسمع من الحكومة. ماذا فعل الدكتور شرف أمام ما تنشره جريدة الاسبوع عن مخالفات وزير الزراعة، وحجم الفساد المستشرى فى هيئاتها ومؤسساتها؟ لم نسمع عن تحقيق يجرى ولو بمعرفة أى من الأجهزة الرقابية، التى كانت فى إجازة مفتوحة خلال العهد البائد، هل مازالت الإجازة قائمة؟ أم مازال نظيف وعبيد يحكمون؟. أقولها للمرة الألف، استقل يا دكتور شرف، ودع الثوار يكملون المسيرة، ليعيدوا الجمل إلى مناخه فيستريح ويريح. كلمة أخيرة: قرر النائب العام يوم الأربعاء 13 ابريل، حبس المحامى مرتضى منصور 15 يوما على ذمة اتهامه فى جريمة قتل المتظاهرين يوم 2 فبراير 2011، ومن حقى أن أفخر بأننى كنت أول من أشار إلى تورطه فى هذه الجريمة النكراء، وأشرت إليه فى مقالى الذى نشر هنا يوم 18 مارس 2011، والذى كان عنوانه "نعم .. للتعديلات الدستورية"، وننتظر أن يتم التحقيق مع باقى شلته، الذين اجتمعوا فى منزله بالزمالك يوم الثلاثاء أول فبراير، وأعدوا عدتهم لتنفيذ جريمة التحرير بالاشتراك مع باقى الرموز الذين تم حبسهم، وأقصد هنا المدرب الكبير والشهير، والشقيقان التوأم، ولاعب آخر، وهم أيضا وراء ما حدث فى استاد القاهرة يوم مباراة الزمالك مع الأفريقى التونسى. الآن حصحص الحق .. وانكشف الدور القذر لهؤلاء الذين اخذوا من الوطن المجد والشهرة والمال، وردوا الجميل بإراقة دماء الأبرياء .. سلام على روح الشهداء ، ولعنة الله على المجرمين القتلة. [email protected]