أخي العزيز/ مصطفى الصاوي تحية طيبة وبعد، أهديك خالص التحية والتقدير، وأرجو أن تصلك رسالتي هذه وأنت في أفضل حال وأهنأ بال، وحشتني جدًا يا مصطفى، لا بد أنك تذكرني جيدًا.. فأنا "محمد عبد الرازق" صديقك ورفيق دربك منذ سنوات طويلة، لا بد أنك تذكر الأيام الجميلة التي قضيناها في كلية التجارة، والجلسات الخاصة التي كانت تجمعنا، ربما لا يعرف الكثيرون أننا ارتبطنا في لقاء أسرة واحد داخل جماعة "الإخوان المسلمين"، ونشأت بيننا علاقة خاصة من الحب، كان صوتك الندي سببًا في أن يلمع نجمك بسرعة، فيعرفك الجميع، وتلتحق بمسجد "الحصري" كمحفظ قرآن للأطفال، ثم يتم اختيارك لتؤم المصلين في شهر رمضان، كان همنا واحد، وحلمنا مشترك، وهو الشهادة في سبيل الله، وحدي أنا الذي فهمت ما تعنيه بكلامك، عندما عارضت والدتك في فكرة الزواج، وأخبرتها بأنك تبحث عن عروس من بلد آخر. كل سنة وأنت طيب يا مصطفى، اليوم هو 28 يناير 2011، أنت اليوم تكمل عامك الرابع والعشرين، وهو ليس كباقي الأيام، فمنذ ثلاثة أيام ونحن نخرج سويًا ونشارك الشباب في التظاهر، ومع ذلك فأنا أستغرب من بعض تصرفاتك، فما هو سر زياراتك اليومية لأختك "مريم" لمجرد أن تسلم عليها، وإصرارك على أن نسهر مع والدتك يوم الخميس حتى صلاة الفجر، بعدها طلبت منك أمك أن تذهب للنوم، ولا تخرج للمظاهرات يوم الجمعة، استغربت كثيرًا لردك المباشر وابتسامتك: "سامحيني يا أمي يجب أن أذهب اليوم، لأني سوف أستشهد بإذن الله"، ولذلك لم ترغب هي أن توقظك وقت صلاة الجمعة، حتى فوجئت بك تهبَّ مستيقظًا، لترتدي ملابسك بسرعة، ونخرج لنصلي الجمعة سويًا في مسجد "مصطفى محمود". تحركنا بعد الصلاة مع عشرات الآلاف باتجاه ميدان التحرير، المشهد اليوم يبدو مختلفًا، ما كل هذه الحشود!! الحمد لله يا مصطفى لقد تحققت أمنيتنا التي كنا نحلم بها، وخرج الشعب المصري من سلبيته، أعترف بأنك كنت على حق، عندما كنت تصر بأن المجتمع فيه خير كبير، وأن النصر قادم لا محالة، كنت أراك دائم التفاؤل والأمل في وقت الشدة، خطر ذلك في بالي ونحن نشتبك مع الأمن المركزي على كوبري الجلاء؛ كمية هائلة من القنابل المسيلة للدموع، ولكن إصرارنا على الوصول لهدفنا كان أكبر من أي شيء، وهناك في وسط الزحام تشابكت أيدينا، وجدنا رجلاً كبير السن ملقى على الأرض، يعاني الاختناق من أثر القنابل، اقتربنا منه وفوجئنا به.. نعم إنه اللواء "سعيد شلبي"، رئيس قسم العجوزة السابق، نحن نعرفه منذ الانتخابات السابقة، عندما أصرَّ على طردنا من لجنة الفرز، أخيرًا أراد الله أن نلتقي نفس الرجل، ونشفي غليلنا منه، ما هذا الذي تقوله يا مصطفى؟ دعك من هذه الطيبة الزائدة، كيف تطلب مني أن أساعدك في علاجه وإنقاذه، وهو الذي فعل بنا ما فعل!! ولكن لأني أحبك فقط فسوف أوافق، هيا ننقله إلى المستشفى. هل أنت سعيد الآن؟ ها نحن قد اطمأننا على اللواء.. هيا نعد مرة أخرى للمظاهرة التي أوشكت على الوصول لكوبري قصر النيل، يا إلهي!! إنها معركة حقيقية، الدماء تنزف، والإصابات تتوالى بكل مكان، فرقتنا القنابل والرصاصات، فتركتك وشاركت مع الشباب في حمل الجرحى إلى فندق بجوار الأوبرا؛ وهناك أخبروني أنك أصبت إصابة شديدة، في الحقيقة لقد شعرت بالجزع، والخوف الشديد عليك، توجهت إلى مستشفى "الأنجلو أمريكان"، وبحثت عنك وسط مئات المصابين، وأخيرًا وجدتك مبتسمًا، وفي ركن بعيد هادئ كعادتك، أقترب منك أكثر، مصطفى.. لماذا لا ترد عليّ؟ يا جماعة.. أريد طبيبًا هنا بشكل عاجل، فالحالة تبدو خطيرة، الحمد لله.. ها هو الطبيب قد أتى أخيرًا، ولكنه للأسف جاء ليربت على كتفي.. "البقاء لله". قل لي أنك تمزح، بالتأكيد لا يمكن أن ترحل وتتركني وحيدًا بهذه السهولة، لماذا يا مصطفى؟ كنت أعرف بأنك من عالم آخر، طيبة قلبك، وحب الناس لك، ولكن.. ألم نتعاهد أن نلقى الشهادة في سبيل الله سويًا؟ لم أتخيل أن تكون هذه هي لحظة النهاية، الآن فقط عرفت لماذا كنت تصر على وداع إخوتك جميعًا، وتطلب منهم الدعاء، الآن فقط فهمت معنى أن تتزوج من عالم آخر، لا بديل فيه عن الحور العين، لقد سبقتنا يا مصطفى في كل شيء، كنت أول من اختاره الله شهيدًا في معركة قصر النيل، ها هو الطبيب يكتب في تقريره سبب الوفاة (الإصابة بطلقات نارية في منطقة الصدر، نتج منها 25 ثقبًا)، ولكن ما هذا الذي أراه؟ حلم هذا أم حقيقة!! أتأمل في كف يدك، فأجد إصبعك السبابة وقد تخشبت عموديًا في وضع الشهادة، هنيئًا لك يا صاحبي، والله إن هذه الابتسامة لهي الدليل على مقدار السعادة التي تحياها الآن، هنيئًا لك هذه الجنازة الضخمة، التي لم تشهد منطقة "العجوزة" مثيلاً لها من قبل، حتى جنازتك تحولت إلى مظاهرة حب ضخمة، زغاريد ودموع، لا أصدق أني أمشي الآن خلف جثمانك الطاهر لأودعك إلى مثواك الأخير، أرى والدتك من بعيد، ولكني أتحاشى النظر إليها، سامحيني يا أمي.. لن تشاهديني بعد اليوم حتى أثأر لدم مصطفى. وهناك بقيت في ميدان التحرير 15 يومًا، لم أتحرك منه لحظة، كلما ساورني تعب أو إحباط، تذكرتك يا مصطفى، فامتلأ قلبي بالهمة والعزيمة، لم أغادر الميدان إلا عندما سمعت خطاب رحيل الرئيس، وعندها فقط نسيت كل شيء، وجريت بسرعة نحو بيتك، دخلت على والدتك، وقبلت يديها، اليوم فقط أستطيع أن أنظر في عينيك، الآن فقط أستطيع أن أشرب من يديك "النسكافيه" الذي أحببناه أنا ومصطفى، اليوم فقط أستطيع أن أتوجه إلى تلاميذك في مسجد "الحصري"، أمسح دموعهم الحزينة على فراقك، وأشدو معهم الأغنية التي طالما أنشدتها لهم" "يا شهيد اتهنى اتهنى، واستنى على باب الجنة" أعرف يا مصطفى أنك تشاهدني الآن، أعرف أنك ترى مصر التي بدأت عهدًا جديدًا من الحرية، أعاهدك بأني لن أسمح أبدًا بأن تعود بنا الأيام إلى الوراء، أعاهدك بأني سأسير على دربك، الذي أضاءته لنا دماءك الطاهرة، سأبدأ من اليوم حياة جديدة، لأساهم في بناء وطني، لقد حددت رسالتي.. وأرغب أن يصبح اسمي مع الخالدين، سأتولى مكانك في المسجد، وأتعهد أشبالك بالرعاية، لا بد أن أراهم رجالاً يحملون هم الوطن، ويرفعون اسمه عاليًا، إن كنت قد رحلت عن عالمنا، وأصبحت لك حياتك الخاصة التي طالما حلمنا بها، فلتهنأ يا عزيزي في قبرك، ولتعلم أن كل من يقرأ هذه الرسالة يعاهدك بأن يواصل ما بدأته من مشوار، لن نخذلك يا صديقي، سنلقاك وكل الشهداء مرفوعي الرأس هناك.. في جنة الخلود. والى أن نلتقي قريبًا، أستودعك الله يا أخي الحبيب، وأهديك أدناه رابط لفيديو من تلاميذك بالمسجد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوك/ محمد عبد الرازق. http://www.youtube.com/watch?v=obrc1EvTgMU [email protected]