قبل وبعد الاستفتاء، أعرب نفر من "المثقفين"، عن قلقهم من استغلال الدين في الدعاية للتعديلات الدستورية!. هذا القلق في تقديري هو سليل عهد "الفزاعات" الذي اخترعه مبارك.. ومن جهة أخرى أهم، فهو منحى يعكس إما وعيا طفوليا ب"الديمقراطية"، وإما خوفا منها حال اُستشعر بأنها ستُقصي الأقل وزنا عن المشهد السياسي! الديمقراطية إما أن نقبلها بكل "اكسسواراتها" وإما أن نظل "نستمتع" بنظام قمعي فاسد يشاطرنا العداء ل"الخصوم" .. نتستر على جرائمه أوعلى الأقل نسكت عنها، طالما بقي أداة لإسكات من نخشى منهم المنافسة على تأييد الرأي العام ومقاعد البرلمان وصدارة المشهد السياسي. يبدو لي أن كثيرا من النخبة بعد نتائج الاستفتاء يعتصرهم الندم على "عهد مبارك".. بعد أن استبد بهم القلق من "الديمقراطية" التي ستأتي بغيرهم إلى مقاعد البرلمان وإلى مؤسسات صناعة القرارات الكبرى لاحقا. إذا كنا فعلا نريد العيش في "دولة ديمقراطية"، فلم لا نقبلها حتى لو دخلت المؤسسات الدينية مربع الجدل السياسي بكل أنماطه بما فيه تبني رؤية أو موقف معين والدعاية له؟!.. ولنذكر من يتمسح في الثورة الآن .. أنه لولا المساجد ما نجحت كل محاولات الحشد لها.. ويكفي أنها أي المساجد يوم الجمعة كانت مصدر رعب للطاغية.. بل نكاد نجزم بأن المساجد هي التي اسقطت مبارك.. فلم اليوم ننكرها ونتبرأ منها ونتأفف من ذكر اسمها؟! لا تثريب على المساجد أو الكنائس أو غيرها إذا دخلت طرفا في اللعبة، فهذه هي الديمقراطية، ترفع القيود والأغلال عن كل الأنشطة التي تقترب من حرية الرأي والتعبير.. الكنيسة مثلا قلقة من وجود "المادة الثانية" فهذا حقها طالما لم يظهر بعد من يقنعها بأنها مفيدة للمسيحيين لتنظيم أحوالهم الشخصية وفقا لما يعتقدون بأنه يُستقى من "الإنجيل".. بدلا من الاحتكام إلى نظم قضائية لدولة علمانية لا تقبل بالتعدد القانوني؟! وإذا كان المسلمون يرون في ذات المادة دلالة رمزية مهة سواء على مستوى الهوية أو التشريعات، فذلك أيضا حقهم، ومقتضى الحال في الدولة الديمقراطية أن يظل الاحتكام للفصل في هذه المسائل الخلافية والمتماسة مع حرية الرأي، مرهونا بما ستأول إليه نتائج الاستفتاء عليها.. المسألة بسيطة ولا تحتمل كل هذا التوتر والذي بلغ حد تحريض الجيش على "قطع يد" كل من يستغل الدين في الدعاية الانتخابية.. هذا التحريض المخيف والمرعب تكلم به نفر من المثقفين صراحة.. في اليوم التالي من الإعلان رسميا عن نتائج الاستفتاء، والأكثر الدهشة أن بعضهم ومنهم من يتحدث عن الحرية وكأنه من تلاميد بيكاسو وفولتير وروسو يشترط على الصحيفة التي يكتب فيها مقاله أن لا تقبل نشر أي تعليق على مقاله من القراء! في تصرف يعكس تكوينا نفسيا قمعيا لا يقبل بالتعدد أو سماع مجرد نقد لما يكتبه.. حتى لو بلغ مبلغ البذاة وقلة الأدب! يريد أن يقرأ التعليقات في "الظلام" لخوفه الفطري والغريزي من النور ومن لغة العقل والتنوير. نريد أن نفتح النوافذ للجميع.. لا خوف من "تحريض" الكنائس.. ودعاية المساجد.. ففي الدول الديمقراطية كل شئ يمكن تحمله: نقبله أو نرفضه ودحضه بالنقاش والجدل والحوار أو عن طريق صناديق الاقتراع.. وفي النهاية فإن النتيجة ستظل محكومة بهذا القانون القرآني الرائع والخالد: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ" الآية [email protected]