يحملون السعف ويرددون الترانيم.. احتفالات الأقباط فى الدقهلية بأحد الشعانين- صور    رئيس جامعة بنى سويف الأهلية يناقش الخطة المستقبلية للعام المقبل    100 ألف دولار سنويًّا.. كيفية الالتحاق بتخصصات البرمجة التي تحدث عنها السيسي    مؤتمر بغداد للمياه.. سويلم: تحركات إثيوبيا الأحادية خرق للقانون الدولي وخطر وجودي على المصريين    الحصاد الأسبوعي لأنشطة وزارة البيئة خلال الفترة من 20- 28 أبريل الجاري    الكرتونة ب 95 جنيهًا، رد صادم من شعبة الثروة الداجنة على اتحاد المنتجين بشأن أسعار البيض    ألمانيا: دويتشه بان تعتزم استثمار أكثر من 16 مليار يورو في شبكتها هذا العام    استعدادا لشم النسيم.. الزراعة: طرح رنجة وفسيج بالمنافذ بتخفيضات تتراوح بين 20 و30%    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    الأولى منذ الحرب.. وصول وزير الخارجية البحريني في زيارة إلى دمشق    إعلام إسرائيلي: بايدن سيناقش مع نتنياهو اجتياح رفح اليوم    اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة تصدر بيانها حول التطورات في غزة    عاجل| وزير الخارجية يبحث مع منسق السياسة الخارجية الأوروبي مستجدات الأوضاع في غزة    "يتم التجهيز".. الأهلي يكشف ل مصراوي موعد حفل تأبين العامري فاروق    "هل حضرتك زعلان؟".. شوبير يكشف مفاجأة بشأن انتماء مخرج مباراة مازيمبي ويوجه رسالة نارية    إنتر يواصل احتفالاته بلقب الدوري الإيطالي بثنائية أمام تورينو    حسام غالي يكشف مفاجأة لأول مرة عن لاعبي الأهلي أثناء توقف النشاط الرياضي    ل 30 مايو.. تأجيل محاكمة المتهم بقتل نجل لاعب الزمالك السابق    حملته سفاحا، تأجيل محاكمة ربة منزل قتلت ابنها في الوراق    تأجيل محاكمة المتهمين في عملية استبدال أحد أحراز قضية    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    بعد زواج ابنته في 10 أيام، صبحي خليل ل فيتو: أحمد راجل، وقف جنبها في أصعب ظروفها    طلقها 11 مرة وحبسته.. من هو زوج ميار الببلاوي؟    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لمليون مواطن فوق سن 65 عامًا    أستاذ جهاز هضمي: الدولة قامت بصناعة وتوفير علاج فيروس سي محليا (فيديو)    تفاصيل لقاء هيئة مكتب نقابة الأطباء ووفد منظمة الصحة العالمية    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو في حالة اضطراب كامل وليس لديها رؤية    مدير تعليم الدقهلية يناقش استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    الرئيس السيسي: «متلومنيش أنا بس.. أنا برضوا ألومكم معايا»    فيلم «أسود ملون» ل بيومي فؤاد يحقق المركز الرابع في شباك التذاكر    بحضور محافظ مطروح.. «قصور الثقافة» تختتم ملتقى «أهل مصر» للفتيات والمرأة بالمحافظات الحدودية    الكرملين: مصادرة الأصول الروسية ستدق «مسمارا كبيرا» فى نعش المنظومة الاقتصادية الغربية    إجازة بالقطاع الخاص يومى 5 و6 مايو بمناسبة عيد العمال وشم النسيم    خبير سياحى لبرنامج "صباح الخير يا مصر" : المقومات السياحية المصرية متنوعة .. وهذه أسباب الإشادات العالمية    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    الأرصاد الجوية تعلن حالة الطقس المتوقعة اليوم وحتى الجمعة 3 مايو 2024    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    أهم الأيام في التاريخ القبطي.. الكنيسة تحتفل بأحد السعف وسط فرحة عارمة وإقبال كبير|شاهد    أجمل دعاء للوالدين بطول العمر والصحة والعافية    أعاني التقطيع في الصلاة ولا أعرف كم عليا لأقضيه فما الحكم؟.. اجبرها بهذا الأمر    إدارة الأهلي تتعجل الحصول على تكاليف إصابة محمد الشناوي وإمام عاشور من «فيفا»    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    تفاصيل مشاركة رئيس الوزراء في المنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    أول تعليق من مها الصغير على أنباء طلاقها من أحمد السقا    اليويفا يكشف النقاب عن حكم مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في ذهاب نصف نهائي تشامبيونزليج    «فوبيا» تمنع نجيب محفوظ من استلام «نوبل»    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال؟.. "الإفتاء" تُجيب    ضبط 4.5 طن فسيخ وملوحة مجهولة المصدر بالقليوبية    بنك QNB الأهلي وصناع الخير يقدمان منح دراسية للمتفوقين بالجامعات التكنولوجية    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    غدًا.. تطوير أسطول النقل البحري وصناعة السفن على مائدة لجان الشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    سيد رجب: بدأت حياتى الفنية من مسرح الشارع.. ولا أحب لقب نجم    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مدنية" لا "دينية"
نشر في المصريون يوم 20 - 03 - 2011

في خضم الاضطرابات التي تموج بها الأمة المصرية الآن، والتخوفات التي تحيط بالبعض من شكل الدولة القادمة، هل ستكون دينية أم مدنية؟ مست الحاجة لتجلية النقاب عن أبرز المبادئ الدستورية لأول دولة مدنية في التاريخ نشأت وقامت وازدهرت في حمى الإسلام.
يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم واضع أول دستور ديمقراطي في التاريخ يتضمن المبادئ الدستورية الحديثة التي تقوم عليها الدول الكبرى اليوم، بل ويفوقها، فقد شكل صلى الله عليه وسلم مجتمعا مدنيا ذا وحدة وطنية لأفراده الحق في حرية العمل والاعتقاد وإبداء الرأي، على أن تكون التقوى والأخلاق الفاضلة هي أساس عملهم وتصرفاتهم. وقد شارك جميع الفصائل في المدينة وعلى رأسهم اليهود في إقرار هذا الدستور، وأن تكون مرجعيته العليا الشريعة الإسلامية، مع كفالة جميع الحقوق الإنسانية لكافة أفراد الدولة.
ومن أظهر المبادئ الدستورية المحددة لمعالم الدولة المدنية، والتي أقرها النبي صلى الله عليه وسلم في صحيفة المدينة المنورة ما يلي:
1- الحفاظ على هوية المجتمع وطبيعته:
لم يلغ النبي صلى الله عليه وسلم شخصية أو هوية كل قبيلة، ولم يهمل أي أقلية، بل اعترف بكل قبيلة على حدة، وحدد لها دورها، ولم يفعل كما تفعل العولمة الآن من إلغاء للهويات وتذويب للجنسيات الأخرى، فقد ذكر صلى الله عليه وسلم جميع القوى في المدينة، بل وأحلافها. فذكر المهاجرين والأنصار وقبائل اليهود، وبني ساعدة، وبني الحارث، وبني النجار، وبني عوف، وبني النبيت، وبني الأوس، وغيرهم حتى وصل عددهم إلى أربعة عشر كيانًا داخل المدينة، لكل كيان استقلاله الذاتي وحدوده وتشريعاته وأحكامه الداخلية، ويتضح ذلك في قوله بعد ذكر اسم كل قبيلة أو كيان: "على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى"، وبهذا يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أول مؤسس للاتحاد الفيدرالي في التاريخ.
2- اللامركزية:
عندما وزع النبي صلى الله عليه وسلم الواجبات على كل قبيلة، نجده خص كل قبيلة أن تتصرف في شئونها الداخلية من دفع ديات قتلى وافتداء أسرى، والعدل فيما بين بعضهم البعض، فهناك تسع قبائل من العرب حدد لهم النبي صلى الله عليه وسلم واجباتهم. فبعد ذكر اسم كل قبيلة يقول: "كل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين".
3- الاهتمام بالفرد والجماعة:
لقد سنت صحيفة المدينة المنورة التكافل والتضامن بين أهله مهما اختلفت العقائد والأسباب، فذمة الله واحدة، ففي كثير من البنود نجده صلى الله عليه وسلم يحدد مسئولية كل طائفة تجاه أفرادها من دفع دياتهم إذا قتلوا، أو افتدائهم إذا أسروا. وأن يكون التعامل بين الأفراد على أساس من التعاون والاحترام المتبادل، وكف الأذى عن بعضهم البعض، وهذا أمر ظاهر في أغلب بنود الوثيقة، منها قوله "وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم"، وقوله: "وإن بينهم النصح في النصيحة والبر دون الإثم".
4- عدم معاقبة الجماعة بذنب الفرد:
فإذا أذنب فرد من المسلمين في حق اليهود، أو أذنب فرد من اليهود في حق المسلمين، فإن العقاب يشمل هذين الفردين فقط، ولا يتعدى إلى الجماعتين، حتى لا تكون فتنة في داخل المدينة، ويتضح ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : "وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثِم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته".
5- الشورى:
لم يُفرض هذا الدستور من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم على الناس، بل جاء نتيجة مشاورات مع أطرافه، وكان الوحي المنزل من السماء هو الإطار العام لهذا الدستور، ففيه مقاصد ومعاني وروح القرآن الكريم. كما في قوله صلى الله عليه وسلم : "وإنكم مهما اختلفتم فيه من شئ فإن مرده إلى الله وإلى محمد عليه السلام"، وقوله : "وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه".
6- الدين والسياسة:
ظهر في هذا الدستور النبوي حقيقة عظيمة مفادها أن الدين يصوغ السياسة، وأنه جاء لإصلاح الدنيا، لذلك لا يليق بالمسلمين الآن فقدان تلك الميزة بإقصاء الدين عن السياسة، ولا يعني هذا أنها دولة دينية، بل هي دولة مدنية محمية من الله عز وجل.
فأول بند في الوثيقة يبين أنها كتاب من محمد النبي، ثم بعد ذلك تتوالى البنود التي تدل على مدنية الدولة، ثم تختم الوثيقة بقوله: "وإن الله جار لمن بر واتقى ومحمد صلى الله عليه وسلم". بمعنى أن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في عون من يقوم بتطبيق أحكام تلك الوثيقة، وأن من لم يفِ بها يصبح ظالما وآثما ولن يكون في حماية الله تعالى.
7- حق المواطنة:
استخدم النبي صلى الله عليه وسلم مصطلح الأمة كمصطلح سياسي يعبر به عن البناء السياسي والاجتماعي الجديد للكيانات القاطنة بالمدينة، حيث عبر عنهم جميعا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنهم أمة واحدة من دون الناس"، ففي هذا المصطلح تظهر المساواة في المواطنة، وفي الحقوق والواجبات، مع السماح بالتمايز العقدي القائم داخل الإطار القومي السياسي. ونجده يقر ما هو صالح من أعراف وعادات الجاهلية، وخاصة فيما يتعلق بالديّات.
8- إقرار الأمن في الدولة :
قرر الدستور أن المدينة وطن آمن لأهلها، ولمن قطنها، وأنه لا حصانة لظالم أو آثم حتى ولو اعتصم بالمدينة "وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل" وقوله : " وَإِنّ يَثْرِبَ حَرَامٌ جَوْفُهَا لِأَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ"، وقوله: " وَإِنّ الْجَارَ كَالنّفْسِ غَيْرَ مُضَارّ وَلَا آثِمٌ"، وقوله: " وَإِنّهُ لَا تُجَارُ حُرْمَةٌ إلّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا".
فلا يحل لمسلم أن يفرق شمل أفراد القبيلة، أو يفرق بينها وبين مواليها، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن محالفة المؤمن لمولى مؤمن آخر دون إذن صاحبه، وذلك حتى يحافظ على ولاء الموالي لأسيادهم.
9- الابتعاد بالدستور عن العصبية القبلية:
لم يتعصب النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة من القبائل، وإنما قسم الناس على أساس عقائدي، حتى تكون العصبية والموالاة للعقيدة لا للقبيلة، فنجده يقول: "لا يجير مشرك مالاً لقريش"، "لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة"، "وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين".
10- التسامح الديني:
أبرز النبي صلى الله عليه وسلم في دستوره تسامح الإسلام مع أهل الملل الأخرى في سابقة لم تحدث من قبل ولا في زمنه صلى الله عليه وسلم لدى دولتي الفرس والروم، فحمى النبي صلى الله عليه وسلم أهل الملل الأخرى داخل المدينة، ودعا إلى احترامهم واحترام عقائدهم، ومعاقبة من يسئ إليهم، فمنع سب اليهود ودينهم، ومنع أيضا سب آلهة الكفار، حتى يعيش الجميع في تسامح وأمان وسلام، ويتضح هذا في قوله صلى الله عليه وسلم: " وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسُهُمْ إلّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنّهُ لَا يُوتِغُ إلّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ".
11- الربط بين الإيمان والتطبيق:
نجد النبي صلى الله عليه وسلم دائما يستخدم لفظة (المؤمن)، ولفظة (آمن)، حتى يكون هذا الدستور مطبقا من قلب المؤمن في حال غياب رئيس الدولة، أو غياب القانون، فالشيوعية عندما سقطت عمَّ السلب والنهب أرجاء الاتحاد السوفيتي السابق، ولم يلتزم الناس بالدستور الشيوعي الذي لم يربِّ فيهم وازعا يحول بينهم وبين العدوان على الممتلكات العامة والخاصة.
12- واقعية الدستور:
فهو دستور واقعي يراعي أحوال الناس ونفسياتهم وطبائعهم، فعلى سبيل المثال، كان الأخذ بالثأر من عادة العرب، وطبيعة في دمائهم، وبتحولهم إلى الإيمان لم يكن ذلك سببا في ضياع الدماء وإنما كان سببا في ترشيد الأخذ بالثأر للوصول إلى الحق.
13- الاهتمام بالجانب الأخلاقي:
فنلاحظ أن معظم بنود الدستور تقوم على التكافل والإخاء والصدق وحفظ الأمانة والعهود، ويحدد أيديولوجية الدولة ورسالتها، وينعت الفرد بالإيمان ويكله إلى ضميره، ويخوفه من عقاب الله تعالى في الآخرة. ويتضح هذا من قوله "إن الله على أبر من هذا"، وقوله: "إن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره".
تلك بعض المبادئ الدستورية المميزة لصحيفة المدينة، والتي لا تدع مجالا للشك في أن الإسلام يدعو لإقامة الدولة المدنية ويعمل على حمايتها، وأن الدول الدينية لم تظهر في التاريخ الإسلامي، وإنما ظهرت لدى الغربيين الذين ربطوا السلطة بالدين والآلهة بهدف حماية النظام الحاكم من تجرؤ الطموحين عليه، ولتوطيد نظام السلطة الملكية المستبدة التي أذاقتهم صنوف العذاب، حتى أسقطها علماؤهم في القرن الثامن عشر الميلادي.
• دكتوراة الفلسفة الإسلامية كلية دار العلوم جامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.