حدد لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم درجات مقاومة المنكر والتصدي له (والظلم أقصى مراتب المنكر)، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه " مَن رأى مِنكُم مُنكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ، وذلِكَ أضعَفُ الإيمانِ "، فهي ثلاث مراتب ليس لها رابع، أعلاها التغيير باليد - لمن يقدر عليه إذا أمن الفتنة ولم يؤد إلى منكر أكبر – فمن لم يستطع فيكون التغيير باللسان، فمن لم يستطع فيكون التغيير بالقلب بالإنصراف عن المنكر وإعتزاله، وهي أدنى مرتبة من مراتب الإيمان، .
وكما أن تغيير المنكر درجات، فإن مساندة المنكر دركات، أولها الحياد بين الحق والباطل ولو بالقلب، ألا تشعر في قلبك بإنكار المنكر، ولا برغبة في مساندة المظلومين، ولا برغبة في مواجهة الظلم والظالمين، فتلك دركة من دركات مساندة المنكر، فإن الظالم لا يريد من الأغلبية إلا مجرد الحياد بين الحق والباطل، فهذا يكفيه ممن يفترض فيهم أنهم أهل الحق، أما هو فله جنوده وخاصته الذين لن يقفوا على الحياد أبدًا إما خوفًا أو طمعًا أو مسارعة في الظلم لفساد أنفسهم، فإن وقف الذين يفترض فيهم أن يواجهوا الظلم على الحياد فهذا يناسب الظالم ويكفيه تمامًا في المرحلة الأولى، ومن وقف على الحياد بين الحق والباطل فلابد أن يناصر الباطل في الخطوة التالية، فالحياد أول دركات الظلم.
وأسوأ منها مساندة المنكر بالقلب، بالإختلاط بالظالمين وشهود محافلهم التي يمارسون فيها الظلم قولًا وفعلًا، حتى لو لم يشاركهم في ظلمهم بقول ولا بفعل، فمجرد وجوده هناك يجعله فتنة لمن وراءه، ويكثر سواد الظالمين، ويغر غيرهم للإنضمام إليهم ويفت في عضد الذين يقاومون الظالم ويكسر نفوسهم.
وأدنى منهم مرتبة الذي يدافع عن الظالم باللسان، فينظر له، ويهون من شأن مظالمه، أو يلتمس له المعاذير، أو يسمي الأمور بغير مسمياتها، فيكون عونًا للظالمين بلسانه.
وأدنى منهم وأضل سبيلًا الذين يطلقون لسانهم في المظلموين، أو يسخرون منهم، فهؤلاء من أكبر أعوان الظالم، لأنهم يشجعون قلبه على المضي في غيه، ويقلبون أمر الظلم في عينيه فيراه حسنًا، فهؤلاء أحد أشر أنواع المساندين للظالم، بل هم من أخطر جنوده، وليس وراءهم إلا الذين يبطشون بالناس بأيديهم وهم الظالم وأعوانه المباشرين.
ومن هذا النوع الأدنى الدنئ الذين لم يكتفوا بمساعدة المنكر والظلم باللسان حتى يطلقون ألسنتهم في الناس إستهزاء وسخرية وتهوينًا للظلم على الظالم وتشجيعًا له فيه، كثير من جوقة الكتاب الحاليين، الذين أوحت لهم شياطينهم مصطلحًا جديدًا يهزؤون به من الشهداء والمصابين في المذابح العديدة التي إرتكبها نظام 3 يوليو، فإخترعوا مصطلح ( صناعة المظلومية) !!، يرمون به المظلومين ومن معهم، ويدعون أنهم أرادوا أن يصيبهم ما اصابهم حتى يستجدوا الشفقة ويصنعوا البكائيات !!!، كأن هؤلاء لم يكتفوا بمساندة الظالم حتى يهزؤون من الضحايا، كأنهم يقولون للقتلة والسفاحين: هم يريدون ذلك فزيدوهم من سفك الدماء ومن القتل والجرح والسحل والحرق والتنكيل والتشريد، هم يصنعون المظلومية ويريدونها، فلا أحد يريد منكم التوقف، نحن معكم في سفك الدماء وهم كذلك يريدونه، فلم التوقف ؟!!.
يا أعوان الظلمة، بل يا أكبر الظلمة، عن أي صناعة للمظلومية تتحدثون ؟!!!، لا يوجد واحد من الذين أستشهدوا في (الحرس) و(المنصة) و(رابعة) وغيرها كان يريد أن يموت ولا يرجع لأهله، ولا خرجوا لقتال حتى يحدث ذلك، ولا شهدت مصر هذه المذابح الجماعية من قبل فنقول أنهم ارادوها، لكنه كان الغدر المبين، تقولون أنكم حذرتهم معتصمي رابعة قبل فض الإعتصام !!، كأن هذا التحذير يعفيكم من جرائم القتل !!!، بينما هو – والله - حجة عليكم، فإن كان التحذير يعفيكم فهل حذرتم معتصمي الحرس قبل فتح النار عليهم ؟!!!، هل كان قتلهم دون تحذير ايضًا صناعة للمظلومية من جانب القتلى ؟!!!، هل حذرتهم من فتحتم عليهم النار في المنصة فقتلتم مائة ؟!!، هل حذرتم من برمسيس قبل فتح النار عليهم ؟!!، هل حذرتم متظاهري يوم 6 أكتوبر قبل أن تقتلوا منهم 57 مواطن ؟!!، هل كان هذا صناعة للمظلومية من جانب القتلى أم صناعة للظالمية من جانب القتلة (وأنتم معهم ومنهم) ؟!!، ثم تعالوا إلى (رابعة)، تقولون حذرناهم كذا وكذا من المرات أننا سنفض الإعتصام، فهل قلتم أنكم ستفضون الإعتصام بالذخيرة الحية وبالضرب في المليان وبإستهداف الرؤوس والصدور ؟!!، إن كان هناك تحذير واحد بهذا فأخبرونا به حتى يكون دليلًا يوم يقدم المجرمون للمحاكمات !!، فإن لم يكن هناك تحذير بذلك بل وأدعت الداخلية مرارًا قبلها وبعدها أنها لن تستخدم الرصاص بل ولا الخرطوش، وانما كان الحديث عن المياه والمياه المتسخة والغاز المسيل للدموع وغير ذلك، فكيف يقال بعدها أن تلك المذابح أرادها المعارضون لما حدث في 3 يوليو كجزء من صناعة المظلومية ؟!!. لا والله، لا يوجد هذا إلا في عقولكم، هناك فرق بين الصبر والثبات في المحن وبين الرغبة فيها، ولأنكم رعاديد تجزعون عند المحن وتنكسرون فيها فأنتم لا تفهمون الثبات في المحن والصبر عليهم فتظنوه فرح بها أو رغبة فيها، لكن السؤال إليكم: هب أنهم يصنعون المظلومية، فلم تصنعون أنتم الظالمية ؟!!، هب أن أحدهم خرج من بيته يريد أن يطلق عليه الرصاص، فلم تطلقون عليه الرصاص ؟!!، هب أنكم حذرتموهم ألف مرة أنكم ستفضون الإعتصام، فلم تجاهلتم درجات فض الإعتصامات كما في العالم المتحضر كله وجعلتموها مذبحة ؟!، ولم كررتموها مرة وراء مرة حتى بلغت سبع مذابح في أقل من عام، لم تسجنون الآلاف ؟!!، هل عندما تطلقون سراح أحدهم يقول لكم أنه لن يخرج وأنه يريد البقاء في السجن ؟!!!، فأين هي صناعة المظلومية ألا في عقولكم الظالمة وعلى ألسنتم الظالمة ؟!!.
يا سادة، أنتم منغمسون حتى الأذقان في صناعة (الظالمية)، ظلمتم أنفسكم وظلمتم الناس، وظلمتم بلادكم وكتبتم أسوأ صفحة دموية في تاريخيها الحديث، وأرتضيتم أن تكونوا من الظلمة ولا أقول من أعوان الظلمة، يروى عن الامام الإمام أحمد بن حنبل أنه حينما كان سجيناً سأله السجان عن صحة الأحاديث التي وردت في أعوان الظالمين فقال له: الأحاديث صحيحة، فقال له السجان: هل أنا من أعوان الظالمين؟، فقال له: لا، لست من أعوان الظالمين، إنما أعوان الظالمين من يخيط لك ثوبك ومن يطهو لك طعامك ومن يساعدك في كذا وكذا، أما أنت فمن الظالمين أنفسهم " !!، وأنتم عون للظالم بأعظم وأكبر من هذا السجان لسيده.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.