من أهم النتائج التي أسفرت عنها ثورة "25 يناير" – بل إنها الأهم بينها – هو الكشف عن زيف الإدعاءات التي كان يطلقها النظام المخلوع ويروج لها في الأوساط الخارجية . والتي كان مفادها "إما نحن أو المتطرفون" . أي إما أن يحكم الحزب الوطني ومبارك ، أو يتقدم المتطرفون الإسلاميون للاستيلاء علي الحكم وتنفيذ أجندتهم المناهضة للغرب .. هكذا ظل مبارك ونظامه يسوقون لهذه المقولة التي أثبت ثوار يناير من الشباب الوطني مدي ما تتضمنه من أكاذيب وافتراء . فقد برز هؤلاء الثوار ليتصدروا المشهد بعد أن أزاحوا من صدارته كلا من الإخوان والحكومة علي السواء . ليمسكوا بزمام الأمور في الحركة الوطنية بالبلاد ويحكمون السيطرة علي عجلة القيادة دون أن ينازعهم عليها طرف من الأطراف التي كان مبارك ونظامه يخيف دول الغرب منها "كفزاعة" تبرر له الاستمرار في حكم البلاد بالحديد والنار دون أن يلقى بسبب ذلك اللوم اللازم من الدول الأوروبية التي ترفع شعارات حقوق الإنسان ودعم الديمقراطيات في العالم . باعتبار أن مبارك ونظامه الاستبدادي هو الضمانة الأكيدة التي تحول دون وصول الإخوان إلي الحكم لتنفيذ أجندتهم التي يراها الغرب أجندة إرهابية . هكذا برز الشباب كقوة ثالثة في المشهد السياسي تجب القوى الأخرى عن يمينها ويسارها متقدمة الصفوف . بأهم ما يميزها وهو الولاء للوطن وليس لحزب أو تيار سياسي . يحمل علي عاتقه أجندة أيدولوجية يسعى لتنفيذها . فأجندته هى الوطنية الخالصة دون تحزب أو تعصب . لقد انصهر الجميع في أجندة واحدة هي أجندة الوطن . بكل فئاته وتياراته واتجاهاته وطوائفه حيث ذاب "الكل في واحد" فتراجعت دعاوى الطائفية والمذهبية . والأهم هو تراجع أصحاب الإدعاء بأنهم القوة الأكبر في الشارع وأنهم الأولي بقيادته . والتوجه به في طريق الإصلاح وفقا لأجندة حزبية وليست وطنية . تحظى بإجماع كافة الأطراف عليها . هكذا سقطت كل الإدعاءات التي كان يروج لها أصحابها في السابق . فلا الحزب الوطني هو حزب الأغلبية الذي يستحق الجلوس علي مقعد القيادة . ولا الإخوان هم الأعلى صوتا والأوفر حظا في طليعة المشهد . في ظل غياب الشارع وسكونه كان يمكن الترويج لمثل تلك الأوهام والأكاذيب . كما كان يمكن للبعض أن يقع في خطأ تصديقها والتسليم بها . ولكن حين تقدم المواطنون في الشارع لاحتلال مواقعهم التي غابوا عنها طويلا . لم يعد في مقدور أي طرف أخر أن يخرجهم منها أو ينازعهم فيها . هكذا عاد الحق لأصحابه أغلبية حقيقية وليست مزعومة وأصبح علي الجميع أن يتواري إلى الخلف من الصورة . التي احتلت فيها الجماهير المكان الجدير بها . مكان الطليعة في صدارة المشهد . لقد تغير كل شيء في مصر الآن . وأصبحنا نسمع لغة مختلفة المفردات عن اللغة التي كانت سائدة في ما قبل "25 يناير" . فحلت اللغة التي يرضى عنها الشارع محل لغة الاستعلاء والمكابرة . فسمعنا كبار القادة من الإخوان يتحدثون عن القبول بمبدأ المواطنة بمعناها الصحيح الذي يسمح للقبطي أو المرأة بالمشاركة في الحياة العامة . والوصول إلى أعلى المناصب حتى وإن كانت رئاسة البلاد . ورأينا الحكومة وأبواقها الإعلامية يتحدثون عن الفساد ويطالبون بمحاكمة المفسدين . ورأينا الأقفاص والزنازين تعج باللصوص والمرتشين . بعد أن خرج منها الشرفاء من أصحاب الرأي ودعاة الإصلاح . وأصبح الحزب الوطني هو المحظور . وأصبحت "المحظورة" هي المسموح بها . وأصبح المواطن المصري يقيل الوزراء ويعين غيرهم . ويقبل المسئولين عنه أو يرفضهم . لم يحدث ذلك بسبب نضال حزب من الأحزاب أو قوة من القوى السياسية . بل بسبب حركة جماهيرية ألقت بكل الأحزاب والأيدولوجيات تحت أقدامها وانطلقت لتحرير الوطن . من كل أصحاب الإدعاءات الكاذبة . والدعوات المفلسة .