في 17 يناير الماضي وفي هذا المكان كنت أقول أنه لا يجب الاستهانة بصوت الشعوب ولا بصبرها ولا بقدرتها على الاحتمال، كما أنه لا يمكن لأحد أن يجزم ويتكهن بمتى وأين وكيف ستتحرك وماذا ستفعل إذا ما تحركت..! وفي 19 يناير كتبت أقول أن هذا الجيل لا يمكن التكهن بردة فعله ولا بقدرته على التحرك ولا بمخزون الغضب الكامن في أعماقه، وهو ما يدفعنا إلى القول بأنه حفاظًا على أمن واستقرار هذا الوطن، وحفاظًا علينا جميعًا فإنه يجب استيعاب ما حدث في تونس بسرعة والاستفادة من الدرس التونسي بالمعنى بخطوات متسارعة في إيجاد تغيير يتعامل مع العصر بلغة ومنطق وخطاب وأفكار جديدة. وكتبت أيضًا أقول "إن الإعلام الالكتروني والفضائي هو الذي سيصنع الثورة الجديدة لأن الإعلام الحكومي للأنظمة العربية يتحدث بخطاب إعلامي يعود إلى عصور مضت ويتناول قضايا يغازل بها أصحاب القرار ويخطب ودهم فقط. وفي 27 نوفمبر الماضي حذرت من أن النظام أعنف وأوسع نطاقًا، فقد ثبت أن في النفوس غضبًا بالغًا وأن القضية أعمق وأبعد من مجرد المطالبة بعدة خطوات للإصلاح الاقتصادي والمعيشي". وعندما تحدثت وزيرة القوى العاملة عن رؤيتها في أن يعمل خريجو الجامعات في "المولات" التجارية في وظائف حراس أمن قلت "إن هذا الكلام يعني بوضوح إننا نقول للشباب إنه لا أمل لكم في زواج أو في الحصول على شقة أو في تحسين أحوالكم المعيشية والاجتماعية، فقد قتلنا فيهم الأمل والطموح وماذا ننتظر منهم بعد ذلك".. ولم أكن في هذا قارئًا للغيب، كما أنني لم أختلف عن كثيرين كتبوا وحذروا مرارًا وتكرارًا من عنف الانفجار القادم، وكنت في هذا معبرًا عن صوت الشارع الذي تجاهلوه والذي لم يستمعوا إليه والذي اعتقدوا أنه قد خمد صوته إلى الأبد. وذهبت إلى مدى أبعد من ذلك في التحذير المتكرر من نزول الجماهير إلى الشارع من رؤية أساسها تحذير النظام بأن يبدأ الإصلاح حتى لا يعرض الوطن للمغامرات والمفاجئات والفوضى والخسائر الاقتصادية التي قد تعود بنا إلى الوراء بدلاً من أن تدفعنا للأمام. وكان خوفنا دائمًا من الانتفاضة الشعبية مرجعه معايشتنا لواقع ومشاكل المجتمع وإدراكنا لحالة الاحتقان الهائلة لدى الكثير من طبقاته، وللفجوة الكبيرة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء والتي خلقت وأوجدت الكثير من الأحقاد الاجتماعية والطبقية التي قد تؤدي إلى فتنة وصراع دموي بين أبناء الوطن الواحد. وتحملت الكثير من رسائل الغضب الالكترونية التي كان أصحابها يصرون على أن طريق الحرية يجب أن يمر عبر بحور من الدماء والتضحيات. وهي مقولة وإن كان أصحابها على حق إلا أنني كنت ومازلت آمل أن لا نصل إلى هذا الحد، وأن لا يراق الدم المصري بأيدي مصرية وأن لا نقع في المحظور بالدخول في متاهات وفتنة تعيق أحلامنا وتطلعاتنا إلى عصر جديد أساسه المواطن، ويبدأ وينتهي بحقوق هذا المواطن المشروعة في غد أفضل يضمن له الحياة الكريمة المستقرة ويدفع بنا إلى الأمام لاستعادة هيبة وكرامة ومكانة مصر. ومع كل الأسف فهو نظام لم يسمع ولم يلتفت إلى كل هذه التحذيرات، ولم يتفاعل مع ما يجري من حوارات ومناشدات من هنا وهناك، واكتفى بأن يصدق ويسمح ما يريد فقط أن يسمعه من الإعلام الرسمي الذي ثبت أنه كان أول أعداء النظام، فقد تسبب في أن يزداد الناس ابتعادا وكرهًا للنظام وإيمانًا بأن صوت المظلومين والمطحونين والبؤساء لن يصل أبدًا إليه..! لقد دفع هذا النظام ثمن أخطائه وعناده.. ولكن المهم ألا تدفع مصر ثمن أخطاء النظام.. ، فقد بدأ التغيير الحقيقي يوم 25 يناير الماضي.. ولا عودة للوراء أبدًا..! [email protected]