العديد من الكتاب والسياسيين اندفعوا في خطاب إعلامي واحد للتعليق على أحداث التغيير في تونس بالتأكيد على أن مصر ليست تونس، وأنها لذلك لن تكون مرشحة لأي تغيير على النهج التونسي.. واستشهدوا في ذلك بأن مصر تختلف عن تونس في أن مساحة الحريات والتعبير الإعلامي الأكبر، ولا توجد قيود على الممارسات والشعائر الدينية، كما أن هناك قطاعات عديدة من فئات الشعب المصري ليست غاضبة من النظام، كما أنه لا يوجد تطرف علماني. وهي دفوعات منطقية وسليمة وقائمة على أرض الواقع بالفعل ويساندها طبيعة خاصة للشعب المصري تتخوف من أي أعمال للعنف أو الفوضى قد تكون على حساب المجتمع واستقراره.. ولكن هذا لا يجب أن يدفعنا إلى تجاهل الاستفادة من دروس التغيير التونسي السريع والمفاجئ، وإلى تجاهل وجود متغيرات جديدة في المسرح السياسي الداخلي تغيب عن أذهان المنظريين التقليديين الذين يتعاملون ويحللون الأوضاع السياسية من منطلقات وأفكار لم تعد سائدة أو معترف بها. فالذين قاموا بالتغيير في تونس لا يعترفون ولا يعرفون شيئًا عن النظريات السياسية والتحليلات الأكاديمية والأسباب والأبعاد الأمنية والاجتماعية. الذين قادوا التغيير هم من الشباب المهمش في البنية والهيكل السياسي الوطني، الذين يتخاطبون ويشكلون أفكارهم وقناعاتهم عن الأنظمة ومؤسساتها وإعلامها وكتابها.. هذا الشباب الجديد هو جيل الثورة الالكترونية المعلوماتية الذي يعتبر نفسه جزءًا من منظومة العولمة والذي أصبح له قادة رأي وفكر يتعدون نطاق الحدود الجغرافية المحلية، وهو جيل يؤمن بحقه في حياة مختلفة مساوية للمجتمعات التي يشاهدها والتي أصبح يجد نفسه في إطارها.. وهذا الجيل يبحث عن حقه في فرصة عمل جيدة وفي مسكن آدمي وفي مستقبل أكثر أملاً له يتفق على تعليمه وطموحاته وآماله، ولن يقتنع كثيرًا بالحديث عن أي ظروف أو عوائق اقتصادية أو حديث عن شد الأحزمة والبطون، فهو سريع في أحلامه، كما هو سريع في غضب وإعلان رفضه وتذمره. إن هذا الجيل لا يمكن التكهن بردة فعله، ولا بقدرته على التحرك ولا بمخزون الغضب الكامن في أعماقه، وهو ما يدفعنا إلى القول بأننا حفاظًا على أمن واستقرار هذا الوطن، وحفاظًا علينا جميعًا فإنه يجب استيعاب ما حدث في تونس بسرعة والاستفادة من الدرس التونسي بالمضي بخطوات متسارعة في اتجاه تغيير يتعامل مع العصر بلغة ومنطق وخطاب وأفكار جديدة.. وبتغيير يمنح الفرصة للأكفاء الأصلح في كل المجالات بعيدًا عن منطق أهل الثقة الذين لا هم لهم إلا تدعيم وتأمين مكاسبهم ومصالحهم والتضحية بكل شيء آخر..!! [email protected]