الأزمة السورية في جوانبها العديدة وطول أمدها تكشف عن حجم المعاناة في طبيعة عمل الجهات التي تقدم المساعدات الخيرية والإنسانية . فخلال مسيرة الثورة السورية شكلت التبرعات الإنسانية الخليجية رافدا أساسيا ضخما على كافة المستويات . وقد كانت الثورة السورية كما كتبت منذ بداياتها فرصة ومحطة لإعادة الاعتبار للعمل الخيري الخليجي على المستوى الدولي والذي طالما اجهض بحجة الحرب على الإرهاب . في خضم هذه المساعدات الخليجية المتدفقة الرسمية وغير الرسمية والتي تستحق الشكر والتقدير ، تجد جانبا من التناقض في التعامل الإنساني مع الأزمة السورية في بعض جوانبها ، فلا يخفى التعقيدات الكبيرة على دخول السوريين إلى دول الخليج العربي وفرض قيود شديدة على زيارات أقارب المقيمين وحتى استقدام زوجاتهم وأولادهم ! والأمثلة التي اطلعت عليها شخصيا كثيرة و تعبر عن هذه المعاناة ، فأذكر أن أحدهم عجز عن الحصول على تأشيرة دخول لدولة خليجية أخرى للمشاركة في ورشة تدريبية بسبب جنسيته السورية مع أن لديه إقامة في دولة خليجية وبمسمى مدير عام ! وأخر مقيم في دولة خليجية ارسل زوجته للولادة في سوريا ولم يستطع أن يحضر عائلته بعد انطلاق الثورة فأرسل عائلته لمصر وبعد الانقلاب غادرها إلى تركيا وما زال يتردد هنا وهناك ! أستاذ جامعي من دولة خليجية وناشط في العمل الخيري الإسلامي ، سألته الموظفة أثناء مقابلة للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة عن سبب هذا التعارض بين الدعم المالي والإعلاني الظاهري وبين هذا التشديد في إغلاق الحدود أمام السوريين . بالطبع فان مثل هذه القرارات أكبر من زميلنا - كما أجاب هو للموظفة - وأكبر حتى من المؤسسات الخيرية الإسلامية الخليجية التي يعمل معها ولكن هذا يعبر عن حجم معاناة وعمل إنساني منقوص في التعامل مع الحالة السورية أمام أنفسنا وأمام الأخرين . الحالة الجوية وموجه البرد الشديدة التي تمر بها بلاد الشام وتركيا في هذه الأيام وما أفرزته من معاناة إضافية للاجئين السوريين يثير في هذا السياق التساؤل حول الموقف الإنساني لبعض الدول المجاورة والتي تنعم بطقس أكثر اعتدالا وأكثر مناسبة لإيواء مئات الآلاف من اللاجئين ومع ذلك آثرت هذه الدول تقديم الدعم المالي وتشددت في إيواء بعض الفئات من اللاجئين ليزيد من معاناتهم ومعاناة الدول الأخرى التي فتحت حدودها اليهم . وفي الجانب الأخر ، فان البعض من الدول التي انعم الله عليها بأن تكون بلاد الأنصار لشعب هاجر الكثير منه سيرا على الأقدام ، تعامل أيضا بطريقة إنسانية منقوصة حينما شدد على دخول بعض اللاجئين ، وحينما ظهرت الأصوات النشاز التي تعشعش في رأسها ( سايكس وبيكو ) بأن تواجد السوريين اثروا سلبا على بلادنا وفرص عملنا وغلاء المعيشة وغيرها من الحجج التي يستحي الواحد أن يذكرها أمام شعب شرده طاغية وعايش الموت .