أصدرت المحكمة الإدارية العليا أمس، برئاسة المستشار محمد عبد الغني، رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين مجدي العجاتى، وأحمد عبد التواب، وعادل بريك، ومنير عبد القدوس، نواب رئيس مجلس الدولة، قرارًا بإبعاد الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية عن حرم جامعة القاهرة، مؤيدة بذلك الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري (أول درجة) بإلغاء قرار وزير الداخلية، فيما تضمنه من إنشاء إدارة للحرس الجامعي تابعة للوزارة داخل الجامعة، ورفضت الطعون على الحكم، ليصبح الحاكم نهائيًا غير قابل للطعن عليه بأية صورة من صور التقاضي. وجاء في حيثيات الحكم، أن وجود قوات للشرطة تابعة لوزارة الداخلية بصفة دائمة داخل حرم جامعة القاهرة يمثل انتقاصا للاستقلال الذي كفله الدستور والقانون للجامعة، وقيدا على حرية الأساتذة والباحثين والطلاب فيها، وأضافت أن إلغاء الحرس الجامعي يتيح لهيئة الشرطة التفرغ للمهام الجسام الملقاة على عاتقها في كفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في ربوع البلاد على امتدادها. وقوبل الحكم النهائي بترحيب كبير من أكاديميين وقانونيين، متوقعين أن يترتب على ذلك تداعيات إيجابية على أجواء الحريات والإبداع داخل الجامعة، ومن شأنه أن يحرر الجامعة من قبضة الأمن، في خطوة قد تفتح الباب أمام إقالة المؤسسة الجامعية من عثرتها، والتحول لقاطرة من قاطرات التنمية في المجتمع. وطالب أكاديميون تحدثوا ل "المصريون" بضرورة تحرك المجتمع الجامعي من أجل توحيد صفوفه وممارسة أقصى أنوع الضغوط على الحكومة بالالتزام بتنفيذ الحكم على الرغم من يقينهم بأن النظام سيضرب بالحكم عرض الحائط وسيبحث عن ثغرات للالتفاف حوله، على حد توقعاتهم. ويرى الدكتور عادل عبد الجواد، رئيس نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة سابقا، أن الحكم واضح، وأن على رؤساء الجامعات تنفيذه منطوقه وطرد الحرس الجامعي من داخل الجامعة وتصفية مكاتب أمن الدولة والأجهزة الأمنية بداخله، داعيًا جميع أستاذة الجامعات والحركات الأكاديمية إلى الوقوف صفًا واحدًا وممارسة أقصى أنواع الضغوط على الحكومة والنظام بالالتزام بهذا الحكم وتنفيذه بأسرع وقت ممكن. وأكد قدرة الجامعة على إيجاد حرس جامعي مدني يأتمر برئيس الجامعة وليس بأوامر "أمن الدولة" كما هو حادث في جميع جامعات العالم، معتبرا أن لا مشكلة إطلاقا في طرد الحرس الجامعي، وأن لهذا الأمر تداعيات إيجابية على الحياة الجامعية والحريات وعلى الإبداع العلمي داخلها. لكنه مع ذلك، لا يتوقع أن تقوم الحكومة بتنفيذ الحكم، ورجح أن تضرب به عرض الحائط شأنه شأن عشرات الأحكام النهائية الصادرة فيما يتعلق بالنقابات ونوادي هيئة التدريس وغيرها، على الرغم من كونه ملزمًا ويجب تنفيذه ويعاقب بالقانون من يحول دون ذلك، وقال إن الحكومة التي تقوم بإحكام الحصار على جميع مؤسسات المجتمع المدني، "ليس من الطبيعي أبدا أن تترك الجامعة وشأنها". غير أن الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي أكد التزام الحكومة بتنفيذ الحكم، وقال فى تصريح أمس إنه "على الرغم من عدم وصول منطوق الحكم للوزارة حتى الآن إلا إننا ملتزمون بتنفيذه". ونوه إلى أن الوزارة ألزمت الجامعات بإقامة وحدات أمن داخلي بكل كلية ويعين بها مدنيون وتقوم على أعمال الحراسة وحفظ الأمن، وقال إن إنشاء وحدات الأمن الداخلية أصبحت ضمن الهيكل التنظيمي للجامعات، وإن الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية هو خارج أسوار الجامعات وليس داخلها، ولفت إلى أن كل جامعة تحدد أفراد الأمن من المدينين وفقا لاحتياجاتها . بدوره، وصف الدكتور حسام عيسى الأستاذ بكلية حقوق جامعة عين شمس الحكم الصادر بالتاريخي والعظيم، والذي قال إنه سيؤدي إلى تغيير وجه الحياة الجامعية في مصر في حال تنفيذه، مشيرا إلى أن لا وجود للحرس التابع لوزارة الداخلية في أي من دولة العالم، فجامعة باريس مثلا لا يحدث بها أي تجاوزات أو مخالفات للقانون، على الرغم من عدم وجود حرس بها. واتهم عيسى حرس الجامعة بأنه حول الجامعة أساتذة جامعات من مبدعين وقدوة للمجتمع إلى جواسيس على زملائهم، وهو ما قال إنه أساء للجامعة المجتمع الجامعي بشكل عام، وقال إن القانون يعتبر حكم الإدارية العليا ملزما ونهائيا واجب التنفيذ ويعاقب بالحبس وعزله من منصبه من يحول دون تنفيذه. غير أن استبعد استجابة الحكومة للحكم القضائي، حيث توقع أن تلجأ لوضع العراقيل أمامه للحيلولة دون تنفيذه، مضيفا: فليس من المعقول وهي تقوم بخنق المجتمع وإغلاق القنوات الفضائية أن تستجيب بهذا الحكم، خصوصا مع اقتراب الانتخابات، مشيرا إلى أن الحكومة ستلجأ وستبحث عن ثغرات لتجاهل الحكم وعدم تنفيذه بكل الطرق ورأى حافظ أبو سعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن هذا الحكم يعيد الأمور إلى نصبها الصحيح ووضعها الطبيعي، فالحرس الجامعة مكانه خارج الجامعة وليس بالداخل، وهو نظام معمول به في جميع أنحاء العالم حتى في مصر حيث تلجأ الجامعات الخاصة والأمريكية والألمانية بالاستعانة بجهاز أمني خاص يحميها، وهو ما يجب أن يعمم على الجامعات الحكومية. وأشار إلى أنه يجب على وزارة الداخلية تنفيذ الحكم، باعتباره يوفر أمولا وجهدا على الوزارة التي تلجأ إلى تعيين أفراد داخل الجامعة وأنفاق الملايين على الاتصالات وهو ما يشكل عبئا عليها، غير أنه رجح ألا تنفذ الحكومة الحكم وأن تلجأ إلى عراقيل، منها طلب تفسير من المحكمة الدستورية العليا، أو تغيير القانون الخاص بالجامعات، بما يسمح باستمرار الحرس داخل الجامعة، واعتبار الحكم كأنه لم يكن. من جانبه، أكد اللواء فؤاد علام الوكيل السابق لمباحث أمن الدولة، أن السلطات المعنية تنتظر الاطلاع على منطوق الحكم حتى تحدد سبل التعاطي معه، معتقدا أن الحكم لا يتضمن طرد الحرس الجامعي من على بوابات الجامعة، بل يحظر إقامة مؤسسات تابعة للحرس أو للجهات الأمنية داخل الحرم الجامعي. وأبدى علام استعداد وزارة الداخلية لمغادرة الجامعة بشكل فوري، إذا كان منطوق الحكم يلغي أي وجود الأجهزة الأمنية مكلف بحماية الجامعة، خصوصا أن الحرس الجامعي يشكل عبئا ماليا ومهنيا على الوزارة ويزيد من أعبائها. غير أن الخبير الأمني أشار إلى مخاوف من فوضى شديدة داخل الجامعة، وتحولها لما وصفه ب "السداح المداح ووكر للجريمة والسرقة وتجارة المخدرات"، إذا تم طرد الحرس الجامعي من على أسوار الجامعة أو داخلها.