في مشهد أشبه بأفلام الكاوبوي الامريكية هل علينا الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي في اولى جلسات محاكمته خاطفا لكل الاذهان والعقوق والاعين بحركاته المعهودة، وسلوكياته غير المتوقعة، فكان بطل المحاكمة، أما ماسواه من قيادات الاخوان ومنصة القضاء والمدعين بالحق المدني والمحامين والصحفيين مجرد كومبارس لاكمال المشهد الذي سلط الضوء على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر قابعا داخل قفص الاتهام ليكون الرئيس المصري الثاني الذي يحاكمه شعبه. راهن البعض أن محاكمة مرسي الاثنين الماضي ستكون نهاية لكل تظاهرات مؤيديه، وتخيل البعض أيضا أن ظهور مرسي بعد غياب قارب على 3 اشهر وهو منكسر مرتديا زي الحبس الاحتياطي راقدا على سريره كما هو الحال مع مبارك سيكون له أثرا سيئا في نفوس مؤيدي الشرعية، وهو ما راهن الكثير عليه متحدين كل التحذيرات من محاكمة مرسي في هذا التوقيت، إلا أن السلطات الحالية أرادت أن تثبت للجميع أنها قادرة على محاكمة أي مواطن مهما كانت خطورته حتى لو تكبدت الدولة الملايين جراء تأمين تلك المحاكمة. في بداية المشهد نزل مرسي من سيارته " الميكروباص " واثق من نفسه، انتظر برهه ليهندم بدلته، ويتحسس خطاه بنفس الطريقة التي كان عليها خلال فترة رئاسته، والحرس المكلف بتأمينه أشبه بحرسه الشخصي داخل قصر الرئاسة، ثم يدخل مرسي القفص وهو رافع رأسه، يستقبله قيادات الاخوان المتواجدين داخل القفص بالتصفيق والترحاب وكأنه في زيارة رسمية أو إن شئت قل زيارة عائلية لاتتضمن أي من اعتبارات المحاكمة ولا طقوسها المعهودة. تكرار مرسي لجملة " انا الرئيس الشرعي للبلاد " أفقدت المستشار احمد صبري قاض المحاكمة صوابه، وهتاف الاخوان داخل القاعة في مواجهة هتاف الصحفيين المؤيدين لما حدث في 30 يونيه أفسد الجلسة وجعلها أشبه بوصلة " ردح " في سوق عام، وهو ما دفع قاض المحكمة لرفع الجلسة مرتين ثم تأجيلها لجلسة 8 يناير المقبل. المشهد برمته فيه بعض الدلالات السياسية والنفسية، فثبات مرسي ماتوقعه أي أحد، حتى أقرب المقربين اليه، فالكل توقع ان يأتي مرسي مكسورا ذليلا، لكنه جاء بحلة غير متوقعة، ليحول قاعة المحكمة الى منصة للخطابة التي طالما عشقها حتى ملً منها الشعب. نجح مرسي في إفساد المحاكمة والتصريح لأول مرة أن ماحدث في 30 يونيه هو انقلاب عسكري وأن وجوده داخل قفص الاتهام بالقوة والقهر وليس بإرادته، للأسف تحولت ساحة المحكمة الى فوضى عارمة بين مؤيد لمرسي ومعارض له، مابين هتافات هنا وأخرى هناك فقدت المحاكمة قيمتها وقامتها. ولم ينجح قاض المحاكمة أن يسيطر علي مجرياتها، ففضل رفع الجلسة مرتين دون تحقيق شروطه على الاقل والمتمثلة في ارتداء مرسي زي الحبس الاحتياطي، وعقب انتهاء الجلسة بدأت وسائل الاعلام تعزف على هواها، فهناك من صور مافعله مرسي على أنه جنان وهرتلة كما كتبت بعض الصحف، وهناك من صور المحكمة على أنها تمثيلية لا اكثر، وأخرون رأوا أن مافعله مرسي انتصار حقيقي للصمود والارادة.
والسؤال الاخير هنا، هل فشل قاض القرن الجديد في محاكمة مرسي والسيطرة على مجريات الأمور؟ وهل تحولت قاعة المحكمة الى ساحة لإثبات صمود مرسي وتمسكه بشرعيته فضلا عن كونها وسيلة لطمأنة مويديه عنه؟ كيف لنا أن نقبل فشل نظام في محاكمة شخص أيا كانت جماعته ومؤيديه؟ هل هذا النظام قادر فعلا على حكم مصر؟