المداهنة والتراجع ترك لصحيح الدين من أجل الدنيا ، والمراجعة اقبال على صحيح الدين وترك ما عداه ، وتصحيح سريع ودؤوب لما شاب المسيرة من أخطاء اعزازاً للدين ونصرةً للأوطان ، لئلا تعصف أخطاءُ البعض بقضاياهما الأساسية . الأعداء يحاولون اخراج الاسلام من المواجهة وصولاً للسيطرة الكاملة على الأمة ، بتعطيل الشريعة وتغييب الأخلاق والقيم واضعاف دور الأزهر وتهميش الحركة الاسلامية ، وأسهمت الحكومات المتعاقبة ومؤسسات الدولة بالتحالف مع التيار العلمانى فى تحقيق جزء كبير من ذلك ، - والسلطة الحالية مصرة على ارتكاب نفس الخطيئة - والحركة الاسلامية غير مُعفاة من مسئولية اضعافها ، وكان هذا الاقصاء المتعمد للحركة الاسلامية خسارة كبيرة للأمة وللأوطان . المراجعة لا تقتصر على القاء السلاح وحل الجهاز الخاص أو الجناح العسكرى ، بل هى بلورة شاملة لرؤية تخدم الاسلام والوطن والحركة وتعالج العوامل التى أدت للصدام مع الدولة فى السابق سواء ما يتعلق بالتصورات الفقهية أو الفكرية . مراجعة للمسائل الفقهية الدقيقة وكيفية انزال الحكم الشرعى على الواقع وضبط العلاقة مع الحكام ومواءمة الواقع والتحديات وتغير الفتاوى باختلاف الزمان والمكان وضوابط الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. الخ . وتنقية الفكر من آفات التكفير والغلو والتقصير والافراط والتفريط تحقيقاً للمنهج الوسط المتزن فى فهم الاسلام . وتنقية الخطاب مما شابه بالمقارنة مع الخطاب الاسلامى الراشد مع الخصوم والمخالفين ، تحقيقاً لخطاب اسلامى راق مع الهيئات والعلماء والمؤسسات والرموز والشخصيات السياسية والفكرية ، مهما كانت درجة خصومتهم وعداوتهم ، فلا تطاول ولا تجاوز ولا تخوين ، بل وحتى الخطاب الموجه للدول المعادية والغرب فى حاجة لمراجعة وتصحيح . الحركة الاسلامية تحصر اختياراتها بين اثنين لا ثالث لهما وتعمد لطعن من لايرى ذلك بالنفاق والتخاذل وانهزام أمام الواقع – كما فعل أحد قادة تحالف الشرعية مؤخراً - ؛ فاما المواجهة مع الدولة حتى الموت أو اقامة المشروع الاسلامى والحكومة الاسلامية الخالصة ، دون النظر الى واقع الحركة من قوة وضعف ، والى التحديات الكبرى التى تواجهها دولنا ، والمتغيرات دولياً واقليمياً . يراها البعض قضية وجود لا تنتهى الا بانتصار طرف على الآخر ، ويبحث البعض الآخر فى صيغة لا تهمل الواجب ولا الواقع لتأسيس علاقة تكامل وتعايش وتعاون ومشاركة بين الحركة والدولة . الجماعات ليست وحدها التى تحمل هم الاسلام ، وهناك أناس ومؤسسات لا تحمل العناوين الاسلامية ، لكنها تحمل هم هذا الدين وتسعى باجتهادها لنصرته وعزته وتمكينه . سلطان العلماء العز بن عبد السلام حشدَ الأمة خلف سلطان مصر والشام سيف الدين قطز - رغم ما شابَ المماليك من مخالفات كثيرة - فى مواجهة تحدى التتار ، وكذلك فعل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله مع المماليك ، وكان هذا اختيار فضيلة الشيخ الشعراوى مع الرئيس السادات ، وللشيخ القرضاوى افاضات فى تأصيل هذه الرؤية . مع تطورات الأحداث أصبحت هناك حالة من فقدان الثقة بين الاسلاميين والدولة ، بعد أن قطعا شوطاً فى تعزيز هذه الثقة قبلَ الثورة وكانت انطلاقة مبشرة لتحالف راشد بين القرآن والسلطان ، على أساس عدم منازعة أهل الحكم سلطتهم مقابل فتح أبواب الدعوة والاصلاح والتربية فى وجه أبناء الجماعة الاسلامية ، لتلتزم الحركة بمنع كافة أشكال الصدام مع الدولة وعدم المساس بهيبتها وسيادتها ، مع التزام الاخوان بالاصلاح الدستورى والسياسى المتدرج من داخل الدولة . الأحداث غيرتْ الكثير من القناعات وأطاحتْ بالكثير من المكاسب فى مسار المغالبة استقواءاً بالانفجار الشعبى ، ورغم الانفراجات والامتيازات غير المسبوقة للاسلاميين فى دهاليز صناعة القرار والتشريع والاعلام الا أن البعض عصف بالمراجعة ومن ينادى بها ما دامت الفرصة سانحة لتحقيق الهدف المستحيل وازاحة الدولة لبسط كامل السيطرة لتكون الحركة الاسلامية هى البديل بلا منازع . هذا ليس صراع وجود ولن ينتصر هذا على ذاك انتصاراً ساحقاً ، والدولة لن تستقر بتهميش واقصاء الاسلاميين ، والخاسر فى هذا الصراع هى مصر ، وتمزيقها لا يصب الا فى مصلحة أعدائها الحقيقيين المتربصين بها ، الذين يتحينون فرصة الانهيار الداخلى للانقضاض على الفريسة التى لم تعد قادرة على النهوض للدفاع عن نفسها .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.