في ظل حملة الكراهية والتطرف ضد الإسلام في الولاياتالمتحدة جاء مقال المخرج الأمريكي مايكل مور بشأن خطة بناء مسجد في حي جروند زيرو بالقرب من موقع برج التجاري العالمي في نيويورك عاكسا لوعي وسماحة وبعد نظر يندر وجودهم في ظل الهوجة الحالية. مور دعا لبناء المسجد فوق الموقع ذاته وليس بالقرب منه، ودعا الأمريكين جميعهم للتبرع له بادئا بنفسه بعشرة آلاف دولار، قائلا في مقال كتبه بصحيفة هوفنجتن بوست إنه يفضل أن يتم بناء المسجد أو المركز الإسلامي من 111 طابقا بدلا من الحالة المثيرة للاشمئزاز التي بقع عليها الموقع منذ هجمات سبتمبر وهي حفرة فارغة، تضم رفات ألف ومائة قتيل لا تزال مفقودة، أي أنه مقبرة مقدسة – على حد قوله- وإقامة أي نصب تذكاري عليه للتجارة فيه سيعد تدنيسا للمقدسات. وأضاف مور "العشرات من المسلمين قتلوا أيضا في الهجوم على مركز التجارة العالمي يوم 11 سبتمبر وما زال المئات من أفراد عائلاتهم يتألمون. منفذو العملية التسعة عشرة لم يهتموا بديانة أي من الأرواح التي أزهقوها". إن 70% من الأمريكيين الذين يطالبون بتغيير مكان بناء المسجد وهي وجهة النظر الخاطئة، هي النسبة نفسها التي أيدت الحرب على العراق". نعرف أن المسؤول عن المشروع والذي هو ليس مسجدا بالمعنى المعروف كما يوضح مايكل مور نفسه وإنما مركز إسلامي متعدد الوظائف، هو المصري فيصل عبدالرؤوف إمام مسجد الفرح في نيويورك، أكبر مساجد الولاياتالمتحدة، وقد وصفه مور بالشخص الرائع الذي يجب التعرف عليه والاقتراب منه. وكان قد أطلق مبادرة قرطبة بمشاركة المنظمات الإسلامية والمسيحية واليهودية والمؤسسات المدنية لبناء تحالف واسع متعدد الديانات لاصلاح ما فسد في العلاقات الإسلامية الأمريكية. ورغم أنه يدعو دائما للحوار بين الأديان فقد أثار حفيظة الرأي العام الأمريكي بدعوته إلى إنشاء المسجد لدرجة أن القس الأحمق الذي دعا لحرق نسخ من المصحف اشترط تراجعه عن مشروعه مقابل عدم تنفيذ خطته الدنيئة. الإمام أو الشيخ فيصل يسمي مشروعه الذي تشاركه في فكرته زوجته ديزي خان (حديقة 51) نسبة إلى عنوان المكان للتخفيف من حدة الانتقادات التي يوجهها الرأي العام الأمريكي لبناء مسجد على بعد مئات الأمتار من جروند زيرو، حتى يتم النظر إليه بشكله الحقيقي وهو أنه ليس مكانا للعبادة فقط بل مركزا إجتماعيا يحوي أنشطة خيرية ورياضية وتعليمية وخدمات طبية. ولتنفيذه اختار مؤسسة عقارية يمتلكها ثلاثة مصريين أيضا بينهم ابن شقيق السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية والتي اشترت مبنى المشروع مقابل خمسة ملايين دولار تقريبا، فيما تقدر التكلفة الكلية بمائة مليون، ولهذا دعا مايكل مور إلى فتح باب التبرع بدولارين قائلا إن الحصيلة ستكفي في النهاية، والهدف هنا الرد على الشكوك التي يثيرها المعارضون المتعصبون بقولهم إن المبلغ كبير مما يعني أن منظمات ودولا مؤيدة للإرهاب ستدفعه وتستثمر في المكان، وطلب المرشح الجمهوري لمنصب حاكم ولاية نيويورك ريك لازيو بفتح تحقيق مالي في هذا الموضوع. هاجر فيصل عبدالرؤوف إلى الولاياتالمتحدة في الستينيات وأشرف في العام 1985 على بناء مسجد الفرح في حي جروند زيرو، وهو رجل صوفي أنهى دراسة الفيزياء في جامعة كولومبيا، يبحث دائما عن النقاط المشتركة بين القيم الإسلامية والقيم الأمريكية. المتعصبون الأمريكيون يصفونه رغم جهوده الهائلة في مجال التقريب والحوار بأنه أصولي متطرف وذلك في ظل الرهاب الديني أو الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام السائد حاليا وبشدة ضد الجاليات الإسلامية في الولاياتالمتحدة. في تعقيب مني كمسلم على دعوة مايكل مور المتسامحة والعادلة، أرى أن المضي في بناء هذا المركز أو المسجد ليس لصالح الجاليات الإسلامية ولا لصالح الإسلام في أمريكا. في علم الإعلام ما يعرف باسم الصورة النمطية وهي ما تشكلت في حالتنا هذه منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 وتغييرها لا يكون ببناء ما قد يأخذه دعاة الكراهية ضد الإسلام وسيلة لتأجيج الذكرى الأليمة في كل وقت. لا أعتقد أننا يمكن أن نكسب تعاطف الكارهين أو نخفف من ألم المتألمين بأن نبني لهم مسجدا بالقرب من موقع يعكس صورة نمطية بأن الكارثة التي حدثت فيه وأزهقت أرواح الأبرياء من صنع مسلمين مدفوعين بثقافتهم ودينهم، وهي صورة خاطئة ومضللة بالطبع ينميها ويرضعها الكارهون لنا، فلماذا نحسب منفذي الهجمات على الإسلام كدين، ولماذا مثلا – كما قال مايكل مور – لا نحسب على الكاثوليكية منفذ عملية أوكلاهوما الكاثوليكي؟! زادت موجة الكراهية منذ تم الإعلان عن المشروع ولن تخف لو تحول إلى واقع. أظن أنه قد يصبح في وقت ما بمثابة رابط نفسي للأمريكيين بأن ما حدث هناك يوم 11 سبتمبر انطلق من ثقافة تسكن تلك الجدران.. فما حاجتنا لذلك وماذا يكسب منه المسلمون؟! أنا لا أشكك في عبدالرؤوف باعتبار أن مؤسسات يهودية تؤيد مشروعه وأن علاقته جيدة بالإدارة الأمريكية التي تمول بعض رحلاته إلى العالم العربي والشرق الأوسط. لست من أنصار نظرية المؤامرة فهو أيضا صاحب أراء صريحة أثارت الغضب عليه هناك مثل تصريحه الذي نقلته شبكة فوكس نيوز عام 2005 "الولاياتالمتحدة تسببت في ازهاق الكثير من دماء الأبرياء مثلما فعلت القاعدة". لكني أرى أن الصواب جانبه كثيرا في فكرة ذلك المشروع ومن المهم أن يتراجع عنه إذا كان يريد أن يخدم مجهوداته الطويلة من أجل التعايش بين الإسلام والغرب وإنقاذ الجاليات المسلمة من العصبية والكراهية التي تثيرها الإسلاموفوبيا. [email protected]