كعادة غالب الامم التي تحيا قابعة تحت سماوات التخلف، وفوق أرض النفاق، وبين جدران الظلام، وخلف ستائر الجهل، هلً علينا باسم يوسف من جديد، بحلًة مختلفة، شكلا ومضمونا، جاء ليمارس دوره المعهود، السياسي منه والثقافي والمجتمعي، أتي ممتطيا جواد غياب العقل المجتمعي، ملتحفا برداء عشق المغيبين، ليقول كلمته من جديد، على أسماع توهمت أن للحرية مخالب، وأن للديمقراطية ظهر، لكن جاء باسم ويا ليته لم يأت..جاء من باب الخروج ليدخل علينا بسيمفونية جديدة مارس فيها كل أنواع العزف، المنفرد منه والجماعي، لكن هذه المرة كان رد الفعل مختلفا، فلقد تعدى باسم خطوطهم، وكسر حظر منطقتهم المحرمة، فصاح البعض وطاح وناح، واعتلى المشهد الاعلامي من يحدثنا عن المسئولية الاجتماعية والوطنية للاعلام، ومن يتأفف من الايحاءات الجنسية في برنامج باسم، مع أنهم أنفسهم من حملوه بالامس فوق اعناقهم، وصنعوا منه بطلا قوميا، واسطورة لاتقهر..لكن بالامس كان مرسي فكان كل شيئ مباح....أما اليوم فهو السيسي وعنده لاتحدثني عن اعلام أو حريات..فقط حدثني عن شيكولا سيسي و سيسي فور كما قال اخونا باسم. هناك العديد من علامات الاستفهام التي تطل برأسها تبحث عن اجابة في ظل هذا الجدل المتباين حيال باسم يوسف وبرنامج الشهير، الكل يغني على ليلاه، والكل يقًيم الامر في ضوء مصلحته الذاتية، أما الحريات والديمقراطية فلا تقترب منها طالما أنها لم تخدم اهدافي ولا تصب في محيط توجهاتي. اول تلك العلامات مايتعلق بمضمون الحلقة الاولى نفسها والتي قدمها باسم في ذهول بعض مؤيديه، البعض توهم أن باسم ينتقد السيسي والجيش من خلال الحديث عنهم بصورته الساخرة المعهوده، لكن من يحلل مضمون كلامه يجد أن الرجل يلًمع الجيش والسيسي ولا ينتقدهم أبدا، واتحدى أن يأتي لي أحد بكلمة واحدة تسيئ للجيش أو السيسي، فالرجل أظهر ألسيسي أنه حبيب الملايين، وعاشق الوطن الاول، ومراد الجماهير، ومن فرط عشقه تحول كل شيئ لاسمه، فكانت الشوكولاته باسمه، وافخم الماركات باسمه..فأين الاساءة يادعاة الاساءة؟ لكن للاسف أنصار السيسي لايريدون أن يقترب أي احد من فخامة الزعيم، تحت دعاوى الامن القومي وعدم الاساءة لرموز الوطن، ومما يزيدك استفزازا أن هؤلاء الممتطين لا مشكلة لديهم أن ينتقد رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، لكن سيادة الفريق خط احمر..لما؟ لا ادري..وهذا يتناغم مع التسريبات التي تطالب بوضع مادة في الدستور لتحصين الفريق السيسي في منصبة لمدة 12 عاما قادمة، وهو ما أجمع عليه غالب اعضاء لجنة الخمسين. التساؤل الثاني، لماذا يادعاة الحرية قبلتم أن يهان مرسي، وأن يكون لعبة بأيدي هذا المقدم الساخر " الاراجوز" كما يحلو له أن يسمى؟ لماذا قبلتم أن يهان رموز الوطن سابقا؟ أم أنكم ترون أن رئيس الجمهورية ليس رمزا للوطن لكن وزير الدفاع هو الرمز؟ ومع ذلك أعرب السيسي نفسه أنه غير مستاء من هذا التناول وأنه يقبل النقد طالما كان في إطاره الهادف..لكننا شعب اعتاد أن يكون ملكيا أكثر من الملك. التساؤل الثالث وهو للقضاء الشامخ..للاسف سمعنا أن دعوى ايقاف برنامج باسم يوسف قد تم قبولها الان، وجاري مناقشتها والحكم فيها، وهي نفس الدعوى التي تقدم بها أحد المحامين أيام مرسي ولم تقبل، السؤال هنا، لماذا قبلتوها الان ولم تقبلوها بالامس؟ والجواب واضح ولا داعي لتكراره، فالدولة العميقة كانت اعمق من رؤية مرسي وجماعته التي ماعملت الا لمصلحتها فقط. كلنا يعلم أن حرية الاعلام ليست شيئا مطلقا، فهي محدودوة بمسئولية وطنية واجب عليها أن تراعيها في كل ماتنقله، والحرية المطلقة مفهوم خيالي لا واقع له، ومن ثم كلنا نرفض المساس برموز الوطن طالما أن في ذلك خروج عن تقاليد الاحترام وأداب الخلاف وأخلاقيات النقد..نقبل أن ينتقد الرئيس وكل المسئولين لكن في اختصاص مسئولياتهم، لانريد تجريحا أو إهانة لا في الاعراض ولا الاشكال ولا الاهل ولا الانساب..للاعلام مخالب لكنها تقلًم حين تمتد على الوطن وتهدد أمنه ومصلحته..ويبقي السؤال..لما ارتضيتم مخالب الاعلام بالأمس واليوم تسعون لتقليمها؟!! هل من مجيب؟ لا اعتقد...