حذر الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية من الخطورة البالغة في اعتبار رأي كل شخص غير مؤهل للفُتيا "فتوى" مما يعني أننا فقدنا أداةً بالغةَ الأهمية في المحافظة على مرونة الشريعة الإسلامية. وشدد، في مقال له نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية أمس، على أن هناك خطوات تجب مراعاتُها عند إصدار الفتاوى للناس، خاصة وأن الفتوى هي ذلك الجسرُ الذي يربط بين تراثنا الفقهي وعالمنا المعاصر وبين المطلق والنسبيّ والنظريّ والتطبيقيّ، بالإضافة إلى أن عملية إصدار الفتاوى تتطلب أبعاداً أخرى غَير المعرفة بالفقه الإسلامي، وهي أن يكون المُفتون على دراية تامة بالعالم الذين يعيشون فيه وبالمشكلات التي تواجه مجتمعاتهم، مؤكدا أن السبب والسر في ما نراه من آراء غير سديدة هو افتقار بعض من يتصدون للفتوى إلى هذه الأبعاد الهامة. وأضاف المفتي أن تغيرات العصر الهائلةً التي شهدها العالم خلال القرنين الماضيين مثلت تحدياً كبيراً بالنسبة لفقهاء المسلمين ومُفتيهم، و أصبح لزاماً علينا أن نُعيد قراءة الواقع و أن نأخذ في الاعتبار ما طرأ على عالمنا المعاصر من تغير عند تنزيل أحكام الشريعة على الواقع المَعيش. وأكد أن مرونةُ الفقه الإسلاميّ هي أهم ما يُميزه، فهذه المرونة تزود الناس بما يحتاجون من إرشاداتٍ وهداياتٍ، وفي الوقت ذاته يظل هو الإسلام الحق بما له من أصول وقواعد، فليس معنى المرونة أن تُمَيع القضايا التي للإسلام فيها رأي. أكد جمعة أن الإسلام ليس ديناً جامداً يفتقر إلى السلاسةِ والمرونةِ، وأن العيش وفقَ أحكامه لا يعنى أننا كمسلمين عُدنا إلى العُصور الوسطى. وقال إن الإسلام لم يأمر أتباعه بالتنَكُّر للثقافات التي تربَّوا في ظلالها واستبدالها بالثقافةِ العربية، والدليل على ذلك موجود في هذا الكم الضخم من الظواهر الثقافية، والفنية، والحضارية التي يمكننا وصفُها بأنها إسلامية، وأكد أن هذه المرونة جزء لا يتجزأ من التراث الإسلامي، وأنها تشكل إحدى السمات المميزة للشريعة الإسلامية. وقال المفتي إن أحكام الشريعة تسعى إلى تحقيق مقاصد عليا معتبرة من أهمهما الحرية والكرامة واختتم بقوله أنه، ومن خلال إدراك أهمية السمة البارزة – للمُرونة- في تطبيق تعاليم الشريعة يستطيع الفقهاء والمفتون أن يقدموا حلولاً للمشكلات التي تواجه العالمَيَن الإسلاميّ والغربيّ على السواء.