منذُ خمسة أشهر تقريبًا أُجريت الانتخابات العراقية تمهيدًا لتشكيل حكومة جديدة، ولكن هذه الحكومة لم يتمّ تشكيلها حتى الآن، حيث لم تكن النتائج حاسمةً بما يتيح لكتلة واحدة من التكتّلات السياسية المتصارعة في العراق تشكيل الحكومة منفردةً، وهو ما فتح باب المفاوضات بين مختلف الكتل لتجميع الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، كما فتح الباب على مصراعيه لتدخل قوى إقليميَّة ودولية متصارعة هي الأخرى في العملية السياسية بالعراق. يعودُ ذلك من الناحية القانونية إلى أن الدستور العراقي لم ينصّ صراحةً على أحقيَّة التكتل السياسي الفائز بأكثر مقاعد البرلمان، وهو هنا ما يُعرف بالقائمة العراقية التي يقودها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي، ولكنه أشار إلى أن التكتُّل الذي يتمتع بأغلبية مقاعد البرلمان هو الذي يشكل الحكومة، وبالتالي يصبح ممكنًا أن يتحد تكتلان أو أكثر من التكتلات الانتخابية لتكوين هذه الأغلبية حتى، ولو لم يكن بينها التكتل الفائز بأكبر عدد من المقاعد. والمؤكد أن كل الكتل الانتخابية تطمعُ في أن يكون لها شرف تشكيل هذه الحكومة، ولو بالتحالف مع منافسين أو حتى أعداء، وحتى لو أدى ذلك لرفض نتائج الانتخابات التي أُجريت كسابقاتها في ظلّ الاحتلال الأمريكي الجاثم حتى الآن على بلاد الرافدين التي أعادتها الديمقراطية الأمريكية المزيَّفة عشرات السنين ناحية الخلف لا الأمام. ومع أن إياد علاوي الذي يصوّر نفسه ممثلا للسنة في العراق، والذي أسَّس قائمته الانتخابية على أساس المواطنة -كما يقال- دون تفريق بين لون طائفي وغيره لا يزال متمسكًا بحقه في رئاسة الحكومة الجديدة، باعتبار قائمته الفائزة رقم 1 بالانتخابات، إلا أن كافة الشواهد تشير إلى خصمه اللدود نوري المالكي -رئيس الوزراء المنتهية ولايته منذ شهور- قد ينجح في تجميع الأغلبية اللازمة بالتحالف مع التيار الصدري لتأتي الحكومة الجديدة كالقديمة ذات طابع شيعي طائفي، وهو الأمر الذي يفتح الباب على مصراعَيْه لعدم الاستقرار في العراق؛ لأن السنة مكون أساسي من مكوِّنات الشعب العراقي، ولا يمكن تجاهله أو تهميشه، حتى لو حاول ذلك نوري المالكي بمساعدة إيران والولايات المتحدة، والتي تحاول تصوير نفسها كطرف محايد. وباعتبار العراق دولةً محتلة بموجب قرارات الأممالمتحدة حتى الآن وباعتبار أن القوات الأمريكية المطعَّمة ببعض الجنسيات الأخرى -ذرًّا للرماد في العيون-لا تزال تعمل في العراق بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، فربما يعني ذلك إمكانية تدخُّل المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن الذي تسيطر عليه أمريكا لحسْم الصراع لحساب فريق المالكي دون شك في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأمريكية للانسحاب من العراق طبقًا لبنود الاتفاقية الأمنيَّة التي وقَّعتها حكومة المالكي ذاتها مع قوات الاحتلال الأمريكي في وقتٍ سابق. وبديهي أن بقاء المالكي هدف أمريكي -إيراني صرف كما أن بقاء القوَّات الأمريكية في العراق لأطول فترة ممكنة -المفروض حتى أواخر 2011- يعد هدفًا مباشرًا للمالكي الذي يعرف أن وجودَه مرهونٌ بوجود هذه القوات، ولذلك بدأت الأصوات تعلو من هنا وهناك مطالبة بتمديد بقاء القوات الأمريكية إلى أجلٍ غير مسمّى. وقد يكون غريبًا اتفاق الخصمين اللدودَيْن أمريكا وإيران على المالكي في العراق، ولكن ذلك هو الأمر الواقع؛ لأن إيران تريد حكومة ذات سيادة شيعية دون شك، كما أن أمريكا تفضِّل المالكي الشيعي على غيره لأنه القادر حتى الآن على حفظ توازن المصالح الإيرانيَّةالأمريكية في العراق والإقليم كله. إذًا فجميع الاحتمالات ممكنةٌ في العراق، وإن كانت القوى النافذة ترجِّح سيناريو استمرار المالكي، ولكن ذلك شيء والتمكُّن منه شيء آخر؛ حيث إن القوى المنافسة لا يُستهان بها؛ إذ إنها قادرة على تفجير العراق إذا خرجت قسرًا من معاملة السلطة. والملاحظ أن الغياب العربي عن الساحة العراقيَّة يُضعِف من موقف السنَّة في العراق بدرجة كبيرة، خاصة أن معظم الدول السنية الكبيرة التي كان من الممكن أن تشكِّل ضغطًا لإحداث التوازن المطلوب في المعادلات العراقية تفضل ترك الساحة للولايات المتحدةالأمريكية وتتعامل مع الشأن العراقي بحذرٍ شديد، وكأنه ليس شأنًا عربيًّا صرفًا، وتلك هي مشكلة العراق الحقيقية. والمطلوب تحديدًا إما اعتماد مسألة المواطنة كحلّ للمعضلة العراقية أو الضغط لإحداث توازن مفتَقَد بين الطوائف في العراق، وهذا يعني ضرورة التواجد العربي إن كان العرب يريدون حلًّا لمشكلة العراق كما يزعمون!! المصدر: الإسلام اليوم