تابعت مؤخرا فيلم "فوزية البرجوازية" الذى يعود إنتاجه لعام 1985. تدور أحداث الفيلم فى طابع كوميدى (كتبه الساخر أحمد رجب) حول العلاقة بين ذوى الإنتماءات السياسية المختلفه ما بين أهل حارة مصرية يسكنها مجموعه من البسطاء. لقد شاهدت هذا الفيلم أكثر من مره قبل ثورة 25 يناير و لم يكن يمثل لى سوى فيلم كوميدى حتى أننى لم أفكر فى معرفة معنى كلمة "برجوازية" و لا غيرها من المصطلحات السياسية الكثيرة التى قيلت خلال أحداث الفيلم ,فالسياسة فى مجتمعنا لم تكن تتجاوز بعض الكلمات مثل: حسبى الله و نعم الوكيل (ضيق العيش), اللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفهوش (إنتخابات), إمشى جنب الحيط (نصيحه أبويه) ,و.............الخ. عندما شاهدت هذا الفيلم مؤخرا, وجدته يعبر بصدق عن واقعنا السياسي الذى نعيشه, ليس فقط الآن بل تحديداًمنذ إستفتاء 19 مارس 2011. ذلك الإستفتاء الذى كان سوادا على كل المصريين ,حيث نجح و بشدة فى تقسيمهم, و منذ ذلك الوقت و الفجوه بين المصريين فى إتساع دائم. لم تشهد مصر منذ فترة طويلة حالة التوحد التى عاشها الشعب المصرى ما بين تنحى مبارك و إجراء الإستفتاء ,فقد كانت بالفعل فترة ذهبية, لواستثمرناها جيدا فى إعادة بناء الوطن,لكننا أصبحنا الآن نعيش فترة صعبة, من انقسام و اقتتال بين أبناء الشعب الواحد. الفيلم يتحدث فى مجمله عن دخول السياسة و المصطلحات السياسية (البرجوازية, الإمبريالية, اليسار,اليمين,.....الخ) فى مجتمع بسيط ليس له أى إهتمامات إلا كرة القدم و الصراع الكروى بين الأهلى و الزمالك فيتحول أهل الحارة من الحب و الموده إلى التنازع و التراشق بالألفاظ و الحروب الكلاميهالتى لا تنتهى. هذا المناخ يكون مناسبا جدا لإنتشار الإشاعات و استغلالها عن طريق المنتفعين و الوصوليين ممن يستخدمون جهل الطرفين و نزاعاتهم لتحقيق مكاسب مادية كبيرة. بعد حوالى 110 دقيقة من النزاع السياسي (فى إطار كوميدى) تأتى نهاية الفيلم لتعبر لنا عن واقع رأيناه بأعيننا و نتحسر على غيابه الآن "طول عمر حارتنا عايشه فى سلام من غير لا يمينى و لا يسارى". عندما شعر أهل الحارة بأنه يتم استخدامهم من قِبَلطرف ثالث, اتفقوا جميعا على العودة للتوحد و السلام المجتمعى مرة أخرى. أنا و مثلى كثيرون نتحسر على السِلم المجتمعى الذى كنا نعيشه دون حرب أو إقتتال, دون أن نحل دماء إخواننا أو نحرض عليهم, دون مشاحنات أو انقسامات. هذا لا يعنى أن نتخلى عن الحرية و الكرامة فى مقابل السلم المجتمعى و لكن الطريق لتحقيق الحرية و الكرامة لن يكون سهلا على الإطلاق بدون وجود سِلم مجتمعى بين كافة الأطياف. الحرية و الكرامة متلازمتان مع السلم المجتمعى لا تسبق إحداهما الأخرى. إذا كان لأهل السلطة نصيب مما حدث من انقسامات فى المجتمع, فلماذا لا يكون لنا – نحن الشعب المصرى – الكلمة العليا, و نعيد لملمة شتاتنا و نتوحد من جديد على هدف أعظم من أى حزبية بغيضة؟!. لماذا لا نتوحد ثانيةً على وطننا و نشارك جميعا فى دفعه للأمام بدلاً من جَرِّه إلى الهاوية. لن يكون على المواطن المصرى سلطان سوى عقله و ضميره عندما يستنكر الإرهاب بجميع أنواعه و فى نفس الوقت يحرم دماء جميع المصريين. لن يكون على المواطن المصرى سلطان عندما يترك النزاعات السياسية بعيدا عن العمل و المدرسة و الجامعة و المسجد و الكنيسه, و فى نفس الوقت يقف صلبا شجاعا فى وجه أى محاوله لتشويه صورة الدين أو طمس هوية الدولة الراسخه منذ قرون. لنعلم جميعاً أن عدونا واحد و واحد فقط, لن يتغير و لن يكون حليفاً استراتيجيا فى يومٍ من الأيام. و فى النهاية تبقى لى كلمة: ليكن هدفنا مصر. لنكن جميعاً عماد لبناء هذه البلد لا معاول لهدمها.