من حكم وكلمات أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي رحمه الله التي كان يتحف بها مجلة الرسالة نشرت قبل 75عاما ( بتاريخ 7 ربيع الثاني 1354ه الموافق 8 يوبيو 1935م عدد 105 ) * * * كَلمة وكُلَيمة مصطفى صادق الرافعي أرادوا مرةً امتحانَ السياسيين في بلاغة السياسة ، فطرحوا عليهم هذا الموضوع : سَرَقْتَ حقوقَ أمةٍ ضعيفة ، فاكتب كيف تشكرها على هديَّتها ... * * * عندما يَشربُ الضعفاءُ من السراب الذي تُخَيّله السياسةُ لأعينهم – يقدِّمون لهم المناديلَ النظيفةَ ليمسحوا أَفواهَهم ... * * لو سُئِلَ السياسيُّ العظيم : أيَّ شيء هو أثقلُ عليك ؟ لقال : إنسانيتي . * * قد يُبْطِلُ المنطقُ كل الحجَج إلا اثنتين : حُجَّةَ السياسيّ القويّ حين يغتصبُ الضعيف ، وأُختها حُجةَ اللص الفاتك حين يُسألُ من أين اشترى ؟ فيقول : اشترت يميني من شمالي ... * * قالوا . نظم الصَّقرُ قصيدةً من الغَزَل في عُصفور جميلِ مُصبّغ الريش ، فكان مَطْلغها : (( ما ألدَّ )) ريشك أيها العصفور ! هكذا لغةُ السياسة . * * مرَّ فيلسوفٌ برجلٍ مصوِّرِ بين صورةُ امرأةٍ قد صورها فأكثر عليها الحِلَى من الذهب والجوهر ، فسأله في ذلك ، فقال المصوَّر : لم أستطع أن أجعلها حسناءَ فجعلتها غنيَّة ... كذلك أحزانُنا السياسية لما عجزتْ عن حقيقة السياسة جعلتنا أغنى الناس بالكلام الفارغ . * * من تمام فضيلة الرجل السياسيّ أن يكون له كلاَمان : أحدهما سكوتُه . * * في الحب والسياسة ، لا يَبْدأُ الاثمُ إلا كالفلْتة المفْرَدَة ؛ ولكن متى وَقَعَ الشَّاذُّ في السياسة والحب ، صار هو القاعدة ... * * إذا رأيتَ شبابَ أُمةٍ يَتَنبَّلون بالثياب والزينة ، فاعلم أنها أُمةُ كَذِبٍ ونفاق : يُغَطُّون الحقيقة الرخيصةَ بالثوب الغالي ، ويكذبون حتى على الأعين . * * فضيلةُ الملائكة عند الناس أنهم لا يكابدُون ولا يحْزَنون ؛ أفلا تكونُ فضيلةُ الناس عند الملائكة أنهم يكابدون ويحزنون ؟ * * قالت العَشرةُ للألْف : أنت سرقتَ مني صِفْرين ... هكذا رأيتُ غرورَ بعض أدبائنا * * يكْبرُ بعضُ الأدباء من صِغَر المحيطين بهم ؛ قالوا بَعَرَت شاةٌ حولَ قطعةٍ من حَجر ، فنطقتْ بَعْرةٌ فقالت للحجر : ياما أعظَمَك أيها الجبلُ الشامخ .. * * يكونُ في بعض الأدباء من سَخَافة الحِقْد ما لا يكون مثله إلا في بعض النساء من دناءة الغَيْرة : لو ماتت ضَرَّتها لبقى من ذَنبها أنها كانت ضَرَّة . * * من فَرَضَ على الناس أن يعرفوه نابغةً فقد فَرَضَ عليهم أن يعرفوه معتوهًا أو مغرورًا . * * إذا أردتَ أن تتكلم عن ميّت ، فضع نفسك في موضعه ثم تكلم . * * مَن أكثر الشكوى إلى الناس ، علمهم كيف يسمعون كلامه خاليًا من الشكوى . * * إذا صَدقَ الحبُّ كانت بعضُ اللعَناتِ فيه أحيانًا ضربًا من التَحايا ( غيابيًا ) . * * كلُّ معشوقةٍ هي أعظمُ من عاشقها بحاجته إليها ، ولو كان مَلِكا وكانت خادمًا ؛ فما أحْقر العظَمة أحيانًا ! ** علمتني التَّجربةُ أنه لا يَحْسُنُ استعمال البلاغة مع عجائز النساء ، فإنهنَّ يحسبنها غزلاً . فمن كَتب لإحداهن فلا يجعَلنَّ كتابه متقدِّمًا في الأدب متقدِّمًا في السِّن .. * * لا تكونُ صورة المرأة أجملُ من الأصل إلا عند اثنين : العاشق ، والمصور المُكْرَه على التزوير .. * * المرأةُ التي لا تعرفُ كيف تجعلُ كبرياءَها وسيلةَ حُبّ ، لا تجعلها إلا وسيلةَ مَقت إذا أصبتَ زوجَين يتمنى أحدهما موتَ الآخر ، فلن تجدَ لهذا الآخر عملاً إلا أن يغبطَ صاحبه كلَّ يوم بأنه لم يَمُتْ .. أعظمُ الشعراء وأعظمُ الفلاسفة من بلغ درجةَ الطِّفل .. في جعل حُكمه على الدنيا من الشعور لا من الفكر . تزولُ صفةُ الجمال عن الحبيب إذا لم يره مُحبُّه متَّصفًا بها ؛ ولكنَّ المشكلة هي : كيف يستطيع أن يراه غيرَ جميل ، وهو كأنما خُلِقَ من أجلِ عينيه خاصَّة ؟ أيُّهما الذي تحبُّه المرأة ؟ أَلرجلُ القويُّ بأنواعِ القوة يُعِجبُها فتراه سيَّدَ قلبها ، أم الرجلُ الضعيفُ أنواع الضعف ترى نفسها سيِّدَته ؟ هذا هو جوابُ طبيعةِ المرأة على طلب المساواة بين الرجال والنساء . من سُخْريةِ الحياة بالنابغة العبقريّ ، أنه حين يؤخِّر عملَه من عجز أو ضعف ، يكون هذا هو كل ما يستطيعه النابغة العبقري ... لو اجتمع الذين ملأوا الدنيا بشهرتهم لما ملأوا دارًا صغيرة ؛ كأن منهم ممالِكَ للتاريخ كمالك الأرض فلا يتسع إلا لعَدد محدود . لو كنتُ قاضيًا ورُفِعَ إلىَّ شابٌّ تجرّأَ على امرأة فمسّها أو احتكَّ بها أو طارَدَها أو أسْمَعَها ، وتحقَّق عندي أن المرأة كانت سافرةً مدهونةً مصقولةً متعطِّرةً مُتَبرِّجة – لعاقبتُ هذه المرأةُ عقوبتين : إحداهما بأنها اعتدَتْ على عفة الشاب ... ، والثانية بأنها خَرقاءُ كشفت اللحمَ للهِرّ . لن يكونَ الإلحادُ من العلم ، فأساسُ العلم هو هذا : ما عَرَفْتَه فقد عرفتَه ، وما لم تعرفه فلا أقلَّ من أن تقرَّ بأنك لا تعرفه . إذا كنت قائدًا عظيمًا في أمة ذليلة فقيرة ، استطعت أن تكون نبيًا فيها بنَصْبِ شَنَّاقَتَين ؛ وما أسرعَ ما يعتقدون أن الذي معه عِزْرائيل كالذي معه جِبْرائيل . ليس المصلحُ من استطاع أن يُفْسِدَ عمل التاريخ فهذا سهلٌ مُيَسَّرٌ حتى للحَمْقى ؛ ولكن المصلحَ من لم يستطع التاريخُ أن يُفسد عملَه من بَعْد . كل أبٍ يضربُ أولادَه المساكين هو نابليون ، ولكنه نابليون داره فقط . دَجَاجَةُ القَفَص إمرأةٌ متحجبةٌ في نظر الثَّعلب ؛ وحجابها جهلٌ وحماقةٌ ورَجْعيةٌ وتخَلُّف عن زمن الثعالب . هنا مسألةٌ اقتصادية : فهذا مسجدٌ واسع مفتوح لا يؤجَّر بإيجار يُنْتَفَع به ؛ وهذه كنيسةٌ قائمةٌ لا تستوفى الدولةُ عليها ضريبة . أفليس الإصلاح أن يحوَّلَ المسجد دارَ صناعةٍ مثلاً ، وتتقلبَ الكنيسةُ مثلاً ( خمَّارة ) ؟ بلى أيها الحاكم . إن هذا هو إصلاحك الطبيعي مادام عقلك كيسَ دراهم ، ومادامت بلادك بلاد إفلاس .. ( طنطا ) ..