.. "من أصول التعليق الرياضي أن يتسم المعلق بالحياد والمصداقية فلا يجعل اللون الذي يعشقه هو ما يغلب علي تعليقه أو يجعل من اللاعب الذي يحبه سيد الملعب وكابتن الكباتن وعليه أن ينتقي اللفظ الجميل والكلام الحسن وأن يتحين التوقيت المناسب ليدلي بوصفه للعبة معينة أو لاظهار مهارة لاعب معين.. هذه الأصول وتلك المفاهيم هي التي جعلت فن التعليف فناً من فنون وسائل الاتصال مثله مثل بقية الفنون الأخري. فالغناء لو كان صوت من يؤديه قبيحاً فإنه لا يكون من الفنون واللحن الموسيقي إذا اعتراه النشاز أصبح شيئاً آخر غير فن التلحين واللوحة الفنية إذا غلب فيها لون آخر غير فن التلحين.. واللوحة الفنية إذا غلب فيها لون آخر ولم تتسق فيها الألوان أصبحت بعيدة عن فن الرسم". العبارات السابقة جاءت علي لسان الإعلامي الكبير فهمي عمر في تقديمه لكتاب "فن التعليق الرياضي" الذي خرج إلي النور في الأيام الماضية للناقد والمعلق الرياضي أشرف محمود مساعد رئيس تحرير الأهرام العربي. الإعلامي الكبير فهمي عمر ذكر كذلك ان هذا الكتاب لا غني عنه للمعلقين وهواة التعليق لكي يتعرفوا علي مهنة التعليق بصورة أكمل وأوسع وهو هنا يقع في إطار الثقافة العامة التي يجب لجماهير الكرة أن تتعرف عليها وهو إضافة جميلة للمكتبة الرياضية خاصة هو الأول من نوعه إذ ليست لدينا معلومات تقول بأن هناك كتابا آخر تناول التعليق الكروي كفن من الفنون. أشرف محمود اتفق تماما مع الإعلامي الكبير فهمي عمر وأكد في أحد فصول كتابه القيم ان التعليق الرياضي فن قائم بذاته مثله مثل الفنون الأخري وهو أحد فروع فن الإعلام الذي هو رافد من روافد فن الاتصال وهو أحد أهم فنون الإعلام لأن المعلق يبقي علي صلة مباشرة مع المتلقي طيلة زمن المباراة لا يضاهيه في ذلك إلا الممثل المسرحي الذي يتفاعل مع جمهوره طيلة زمن العرض المسرحي. وتحت عنوان "مدارس التعليق" أكد المؤلف ان مدارس التعليق الرياضي في العالم كثيرة ومتباينة.. فهناك المدرسة الأوروبية التي نمت وترعرعت في انجلترا وفرنسا علي وجه التحديد واعتمدت علي اشتراك معلقين في وصف المباراة وتحليلها فنياً.. وتعتمد هذه المدرسة في أدائها علي الهدوء الذي هو سمتها الأساسية وهي مدرسة تعكس طبيعة المجتمع الأوروبي المفتقدة لحرارة الاتصال بين الأفراد. ومن مدارس التعليق الأخري التي تناولها الزميل والصديق أشرف محمود في كتابه في المدرسة اللاتينية والتي مهدها بلاد السامبا والتانجو البرازيل والأرجنتين حيث وصفها بأنها مدرسة الانفعال وحرارة الاتصال وسرعة التعبير بكلمات كثيرة علي مجريات الأحداث في الملعب وتبرز انفعالات المعلقين لحظة إحراز الأهداف. وعن التعليق في الوطن العربي أكد أشرف محمود ان المدرسة العربية ليست محددة الإطار والمنهج مثل المدارس الأوروبية واللاتينية وذكر ان مصر احتفظت بدور الريادة في هذا المجال وكانت البداية مع محمود بدر الدين في الأربعينيات من القرن الماضي وتبعه عدد كبير ممن امتهنوا التعليق وارتبطوا به ونالوا شعبية كبيرة بتألقهم فيه أمثال محمد لطيف الاسم الأبرز الذي طافت شهرته الوطن العربي كله وبعده حسين مدكور وعلي زيوار وإبراهيم الجويني.. ومن مصر انتشر التعليق في البلدان العربية مثل السعودية وبلاد الشام سوريا والعراق ولبنان والأردن وشمال افريقيا والسودان. ونظراً لأن المؤلف الزميل والصديق أشرف محمود هو أحد المعلقين الرياضيين المعروفين فقد خصص أحد فصول كتابه عن هموم ومشكلات المعلقين واعترف صراحة بأن التعليق الرياضي لم يتطور بالصورة التي تواكب التطور الكبير الذي صاحب عملية نقل الأحداث الرياضية إذاعيا وتليفزيونيا. أشرف محمود أرجع أسباب عدم تطور التعليق الرياضي إلي افتقاد المعلق للمظلة التي تصقله وتدعمه وتدافع عنه وتصحح مساره عند اللزوم بالإضافة إلي أسباب أخري منها المحاباة في توزيع المباريات علي المعلقين وعدم وجود مكان لائق للمعلقين بالاستادات المختلفة وضعف العائد المادي وغيرها لأسباب أخري. كتاب الزميل أشرف محمود تضمن جزءا من محاضرة ألقاها الشاعر والإذاعي الكبير فاروق شوشة في الدورة التنشيطية التثقيفية لمعلقي كرة القدم باتحاد الإذاعة والتليفزيون في مايو الماضي وذكر فيها ان المعلقين الآن هم النجوم الحقيقيون في الملاعب وان كثيرا من عناصر التفريق بين مباراة ناجحة ومباراة غير موفقة الانتقال من قناة إلي قناة وهذه تذيع وتلك تذيع العنصر المتحكم هو المعلق لأن المعلق هو الذي يحول المباراة من مجرد ألعاب وحركات صامتة إلي قصيدة أحيانا أو إلي أغنية أحيانا أو إلي صورة من الخيال الرائع أحيانا أخري. فصول عديدة وقضايا كثيرة وموضوعات مهمة تناولها الكتاب منها التعديلات الجديدة في قانون كرة القدم والتي أقرت في الاجتماع السنوي للاتحاد الدولي التشريعي مؤخرا ومنها كذلك استراتيجية الإعلام الرياضي.. الكتاب يتضمن أيضا فصلا كاملا عن معجم التعليق والمعجم الكروي ويضم مئات المصطلحات الرياضية. تحية خالصة إلي زميلي وصديقي أشرف محمود علي هذا الجهد الطيب لاخراج هذا الكتاب الشيق إلي النور والذي يعد إضافة جميلة للمكتبة الرياضية. [email protected]