وهذا تعليق من الأستاذ هشام النجار... فى تقديمك لرسالة أحد قرائك الكرام طرحت التيار الاسلامى كمشروع كبير للقيادة والحكم، وأمل للتغيير المأمول، بعد الوحدة وتحقيق الانسجام والتنسيق والابتعاد عن الصغائر بين فصائله، وذلك دون شك من خلال سلوك الطريق السلمى واحترام إرادة الشعب التى يضعها فى الصندوق الانتخابى الزجاجى الشفاف، سواء كانت النتيجة والمحصلة فى صالح الإسلاميين أو فى صالح غيرهم . ولا خلاف حول هذه الرؤية من الجانب النظرى؛ فالإسلاميون حقا هم العصبة القادرة على إنقاذ الوطن وإنهاض الأمة، وهم خميرة التقدم والرقى والإزدهار وحلم التكافل وأداة الاصلاح، بما لديهم من وعى تام بسنن الله عز وجل فى البنيان والهدم والعلو والانهيار وأسباب الرفعة والعزة، وأسباب الانتكاسة والاندحار والذلة، وأسباب ارتقاء الأمم ونهوضها وأسباب فنائها وهزيمتها وزوالها . وبما لديهم من إدراك تام بالأخطار الحضارية التى تواجه الأمة اليوم، وبما يمتلكونه من حلول واقعية وبدائل منهجية وشرع ربانى ورموز جادة شريفة طاهرة اليد فوق مستوى الشبهات، قادرة على انتشال الوطن من مستنقع الفساد الغارق فيه، وحمايته من سوس الفرقة والشتات والتمزق الذى ينخر ببطء فى بنائه . وحتى لا أطيل وأسهب فى هذه الجزئية، فقد لخص تلك الفكرة البديهية وهذا التصور المتفق عليه الشيخ رشيد رضا رحمه الله عندما قال : "إن الصالحين المصلحين فى الأرض هم الذين يحفظ الله بهم الأمم من الهلاك ما داموا يطاعون فيها بحسب سنة الله " . هذا هو الجانب النظرى من الطرح، وهو بلا شك لا خلاف عليه وهو محل اعتقادنا وإيماننا جميعا . أما الجانب التطبيقى والعملى فقد تناولته رسالة قارئكم المحترم، والقضية بالطبع ليست بهذه البساطة، والصورة ليست بهذه السوداوية والإظلام . أما القضية فليست متعلقة بالإسلاميين وحدهم؛ بمعنى أن خلافات الإسلاميين – إن وجدت تلك الخلافات – ليست هى السبب الرئيسى فى تأخرهم، وأن انقسامهم على أنفسهم ليس هو سبب عدم تقدم ركبهم لقيادة مسيرة الأمة نحو التغيير والإصلاح والنهضة . والدليل على ذلك مشاهد فى واقع الحركة الاسلامية فى مصر؛ فما يوجد بين فصائل العمل الإسلامى – ليس خلافات بالمعنى الكبير للكلمة، وهى خلافات أقل بكثير مما بين العلمانيين والماركسيين والليبراليين بعضهم البعض . وليس معنى أنهم لا يتقابلون أو يتزاورون أو يجتمعون أنهم فى خصومة أو شقاق، بل معناه أنهم مضيق عليهم وأنهم ممنوعون من هذا التقارب والاجتماع والتنسيق، وقد ذكر قارئكم الكريم ذلك فى رسالته وأقر بهذا الواقع . وهذا الواقع الأليم – سيدى الكريم – متربص بوسائل التجميع والتوحد وآلياته، متوجس من أى تحرك فى إتجاه التنسيق واللقاء، حتى ولو كان تحركا بريئا من استهداف السلطة، خالصا لوجه المحبة والإخوة الإسلامية، سالما من أغراض السياسة ومطامعها . وهو أيضا واقع لا يرحم فصيلا إسلاميا وصل - على حين غفلة - إلى الحكم سواء تم هذا الإنجاز المستحيل – فى ظل الظروف الراهنة - بجهود تيار بمفرده أو بمجهودات تيارات إسلامية نسقت فيما بينها واتحدت على الوسائل ووحدت الغايات. وهذا ليس تصور نظرى أو طرح من وحى الخيال، بل مشهد واقعى دموى باهظ التكاليف ممتد عبر تجارب متنوعة فى أكثر من بلد عربى اسلامى، محفور فى خبرة الاسلاميين ووجدان الشعوب وذاكرتها على السواء بالإقصاء والإلغاء والمنع والحظر والأسر، ثم الصراع الدموى الرهيب الذى ينتهى فى كل الأحوال بنهاية واحدة ومشهد ختامى مكرر . إذاً ليست خلافات الإسلاميين هى العائق – سيدى الفاضل – وهى خلافات فى الأساس لا ترقى لأن تكون عائقا أمام وحدة منشودة أو تنسيق مأمول، وإن اختلفت الغايات والمقاصد من هذه الوحدة، ما بين تيار عازف عن السلطة زاهد فى السياسة، وآخر مشغول بها شغوف بممارستها، صابر على الأذى فيها . وهى خلافات لا تمنع تيار إسلامى كبير وعريق كالإخوان المسلمين من الوصول إلى السلطة بمفرده، اذا غابت الموانع الحقيقية محليا ودوليا؛ إذ لا حضور مؤثر لباقى التيارات والفصائل الإسلامية على الساحة السياسية، ولا ممارسة فعلية لها فى أروقة السياسة ومؤسساتها، ولا وجود لها ولا ثقل على الساحة السياسية يجعلنا نعتبره عاملا من عوامل صعود الإخوان وتمكنهم من السلطة إذا توافرت آليات الديمقراطية الحقيقية . فالإخوان وحدهم دون باقى فصائل التيار الإسلامى – فى ظل ديمقراطية حقيقية – يمكنهم التحرك والحشد والتنسيق والتأثير والوصول دون حاجة لباقى الفصائل – إن كان هناك حقا ثمة خلافات بهذا الشكل - . أخى الكريم الأستاذ فراج .. تمنى قارئكم الكريم فى رسالته ضمن ما تمنى أن تتسامح الجماعة الاسلامية وتتصالح مع الإخوان المسلمين، وهذا الكلام يوحى بوجود خصومة أو قطيعة ونزاع بين الجماعة الإسلامية والإخوان المسلمين أو غيرهم من تيارات الحركة الإسلامية، وهذا بعيد تماما عن الواقع وعن الحقيقة . نحن فى الجماعة الإسلامية – أخى الكريم – الأصل عندنا أننا جميعا – كحركة إسلامية – يد واحدة ، لا نوالي من منطلق الحزب أو على خلفية الاسم أو الجماعة ، إنما ولاؤنا عاما لكل من ينتمى للإسلام قولا وعملا وسلوكا واعتقادا، بغض النظر عن الانتماء لهذه الجماعة أو تلك المؤسسة أو هذا الحزب . نحن بفضل الله لا نتعصب إلا لجماعة المسلمين بمعناها العام الشامل، وهى الجماعة التى ترفع راية القرآن والسنة وهدى السلف الصالح . نبغض الفرقة ونذم الإختلاف ونحذر من عواقب التعصب والتشرذم والتناحر والشقاق والنزاع، ونسعى بكل ما نملك وبكل إخلاص وحب الى الاجتماع والتآلف. أيضا نحن نصبر ونعفو ونتجاوز عن إساءة من يسيئ الظن بنا وخطأ من قد يخطئ ناسيا أو متعمدا فى حقنا، ونرجو له الهداية ونتمنى له الرشد وندعو له بالمغفرة . نعم قد نختلف فى بعض المسائل، لا ننكر ذلك، لكنه ليس اختلاف مفضيا إلى قطيعة أو نزاع أو شقاق أو هجران – معاذ الله – وقد اختلف سلفنا وعلماؤنا الأوائل وأئمتنا الكبار فى مثل هذه المسائل الفرعية بل أكبر منها، ولم يدعهم ذلك إلى هجران ولم يكن دافعا الى قطيعة أو شقاق . هذه – أخى الكريم – ليست مجرد أمنيات بل حقيقة وواقع عملى طبقناه وسنظل نطبقه، ومن يطلع على أدبيات الجماعة ويتصفح موقعنا على الإنترنت، الذى يستضيف بدوره كافة أطياف العمل الإسلامى ويتحاور معهم ويتجاذب فقهيا وفكريا وإنسانيا مع رموزه الكبار يدرك ذلك جيدا . وليس معنى أننا ننقد مسيرة الحركة ونضع خطوطا تحت بعض الأخطاء ونسطر ملاحظاتنا على هامش تاريخ الحركة .. ليس معنى ذلك أننا نقيم حواجز أو نربي خصومات أو أننا فى صراع أو شقاق مع هذا التيار أو ذاك، ولذلك ننبش فى تاريخهم ونقتنص نقائصهم – كما يقال - . لكن هذا معناه حرصنا على هذا الكيان الكبير الذى ننتمى إليه جميعا ؛ فما يهمنا أولا وأخيرا هو المراجعة والتقويم والترشيد ومصلحة الحركة الإسلامية التى تصب فى مصلحة الأمة . وهذا لن ننجزه بخداع أنفسنا وخداع أمتنا وأجيال بأكملها بأن نظل نتوارث الأخطاء ونورثها جيلا بعد جيل . نحن نعتقد أن الحركة الإسلامية ليست ملكا لأبنائها وليست حكرا على فصيل بعينه أو تيار بذاته – سواء نحن أو غيرنا – بل هى ملك للأمة وهى نبتة حضارتها وأمل نهضتها . وواجبنا تجاه الأمة وتجاه الحركة التى ننتمى إليها يحتم علينا دوام المراجعة والنقد لمسيرتها فى جو من المحبة ومن خلال الحوار الهادئ الهادف البناء . نعم – سيدى الفاضل – نحن على كلمة سواء، لكن ثق تماما بأن مسيرة الحركة لن تقوم، ولن يتم تصحيح الأخطاء وتدارك النقص إلا إذا اتسعت صدورنا للحوار، وإلا إذا عودنا أنفسنا وربيناها على قبول النصح واحترام النقد . نحن على كلمة سواء، وهذا لا يتعارض أبدا مع ما نمارسه بين الحين والآخر من تناول قضية من قضايا الحركة الإسلامية بصفة عامة بالدراسة والبحث، سعيا فى الوصول إلى الحقائق وفهم الأحداث وأملا فى تصحيح واقع الحركة الحالى . ليس عيبا أن ننتقد تجربة أو نخطئ داعية أو عالما أو موقفا أو حدثا فى إطار أدب الحوار الاسلامى، لكن العيب أن نظل كما نحن نجتر أخطاء من سبقونا ونتوارثها ونورثها، وهذا لا يقدح أبدا فى ولائنا لعلمائنا ومفكرينا ورموزنا الكبار على اختلاف انتماءاتهم فى تيارات الحركة. وتجربتنا مشهورة فى نقد مسيرتنا داخل الجماعة الإسلامية، ولم تكن سعيا فى شقاق أو نزاع أو دليلا على صراع أو خصومة، بل حبنا للجماعة وخوفنا عليها وحرصنا على تاريخها ومسيرتها هو الذى دفعنا للمراجعة والنقد والمحاسبة والتقويم . فنحن نؤمن أن واقع الحركة الإسلامية عموما بحاجة إلى الحوار الجاد الدؤوب، وإلى فتح المجال لتبادل الخبرات والمعارف والتجارب، حتى لا تتكرر الأخطاء من تيار لآخر بصورة آلية ساذجة . ونحن نشجع على دعم البنية العلمية والفكرية والفقهية داخل الحركة ونعتقد بأن بنيان الحركة قائم على أكتاف مفكريها وعلمائها وفقهائها، وأملنا فيهم نحو التجديد والإصلاح والتغيير المنشود، حتى لا نبقى أسرى مناهج وقوالب فكرية جامدة، تقيدنا وتثقل حركتنا ولا توفر لنا البدائل وتتيح لنا الخيارات فى التعامل مع واقعنا. الحركة الاسلامية – سيدى الكريم – فى حاجة لجهد كل أبنائها – ونحن منهم - . ونحن نمد أيدينا لكل غيور قادر على الإسهام فى نهضتها وتقدمها . وتبقى كلمة.... انتهت رسالة الأستاذ هشام النجار، وبالأمس عرضنا رسالة الأستاذ سمير العركي، وكلاهما من الجماعة الإسلامية التي نقدرها تقديرا كبيرا ونجل علماءها وأعضاءها، فقد وضعت في تربة الحركة الإسلامية سبقا غير معهود متمثلا في المراجعات التي استهلمتها جماعات أخرى في العالم الإسلامي وانطلقت منها. المراجعات في حد ذاتها تمثل نتائج حوار استمر طويلا مع الآخر ومع النفس، مع الراسخ ومع المستجد من قضايانا ومشاكلنا وأولوياتنا. كان قمة الشجاعة أن تراجع هذه الجماعة نفسها في وقت حساس ومصيري للأمة، وأن تقدم فهمها الفقهي المتطور إلى العالم، فالحياة ليست قاصرة علينا فقط ومن هنا يجب أن نتفهم غيرنا ونراعي أننا لا نستطيع فرض أرائنا أو اجتهاداتنا على أمم أو أناس مختلفين معنا. الحوار وتفهم الآخر واستيعاب الإختلاف أمور بديهية في الإسلام لكن التعصب للفكرة أو الرأي يجعلنا ننسى ذلك أو نغض الطرف عنه. عندما أثيرت مسألة قطع بث قناة "الرحمة" على النايل سات، اعتبر البعض ذلك هجوما مخططا له بقوة للقرصنة على التيار الإسلامي وحبس صوته، وإستجابة من جهة وطنية في مصر هي شركة "النايل سات" لأجندة غربية انطلقت من فرنسا. والحقيقة ليست كذلك. الحقيقة أن بعض الدعاة ينسى من فرط حماسه واقع أننا اليوم في عالم متشابك، وإنطلاقا من هذا يجب بأن نتعامل بحس إعلامي لا يخلق عداوة الآخر، ويبتعد عن "جر شكل" المختلفين معنا دينيا أو مذهبيا أو فكريا. ومن أجمل ما قرأت في هذا الموضوع المقال الذي كتبه الأستاذ سمير العركي في موقع الجماعة الإسلامية، فانهال عليه المشككون والمختلفون معه في الرأي والمتحمسون لنقيض ما يقوله، وكالعادة لم ينس البعض أن يسيئ الظن ويكيل الإتهامات. استوعب موقع الجماعة الإسلامية هذا الخلاف على عنفه، والاتهامات على شدتها، وهو موقع يوفر حرية إنسياب المعلومات والأراء بمهنية عالية جدا تحريرا وإخراجا، مما جعل أصدقاء لي في الإعلام الأمريكي يشيدون في حوارات شخصية جمعتني بهم بالكوكبة التي تشرف على ذلك أو تقدمه، ومنهم فرسان المراجعات، والقدرة الاحترافية من رئيس تحريره الدكتور ناجح إبراهيم على إدارته بأسلوب عصري محترف، وهو الذي سكنت صورته النمطية في التسعينيات كأحد منظري أو قادة الجماعة الكبار، صحفهم وأقلامهم وتلفزيوناتهم. /[email protected]