تعوز الدكتور نظيف الحصافة السياسية عندما يضطر للحديث في السياسة، وهذا ليس عيبا، فهو وزير ثم رئيس وزراء تكنوقراطي، يضاف إلى غيره من رؤساء الحكومات التكنوقراط في السنوات الأخيرة. وعندما يشذ أحدهم عن القاعدة ويظهر موهبة في السياسة، فقد كان ذلك استثناءً وقتيا أو قدرات شخصية. هذا لا يعني أننا نحتاج شخصيات تهبط من المريخ لتكون قادرة على خوض العمل السياسي، فالمفروض أن منصبي الوزير ورئيس الوزراء منصبان سياسيان، ومن يتولى أيا منهما لابد أن تتوفر عنده خبرة العمل السياسي، فلا نأتي مثلا بوزير للري والموارد المائية مثل الدكتور محمد نصر علام من الباب للطاق، لمجرد شهاداته الفنية والعلمية، ثم نفاجأ بأنه متلعثم متردد خائف عندما وجد نفسه فجأة في قلب حرب النيل الكلامية، فيضطر إلى الهروب من الصحافة والإعلام حتى يبلغه رأي القيادة السياسية أو تجلياتها! رغم أنني لست من أنصار المقدمات الطويلة في الكتابة والصحافة، إلا أنني وجدت نفسي مضطرا لهذه المقدمة التي لا تدخل أساسا في صلب الموضوع الذي أنا بشأنه، والخاص بتصريح الدكتور أحمد نظيف لرؤساء تحرير الصحف الحزبية والخاصة بأنه يتمنى أن يرشح الرئيس مبارك نفسه للانتخابات القادمة في صيف عام 2011 لأن "السيستم لم يفرز بديلا له"! لم يستطع نظيف الهروب من خلفيته الفنية فاختار الترجمة الإنجليزية لكلمة "النظام" وهو يقصد بالطبع النظام السياسي الذي يجلس الرئيس مبارك على قمته. ولو كان رئيس الوزراء سياسيا وليس شخصا على نياته لقلت إنه ينتقد ضمنا الرئيس مبارك. ويؤكد ضمنا أيضا أن جمال مبارك لا يصلح بديلا رغم أنه مقرب منه جدا وهو الذي أتى به إلى موقع الرجل الثاني في مصر! لكني أؤكد أنه سليم النية، ما شعر به في قلبه خرج على لسانه. وهو ما حاول أن يعالجه السياسي المخضرم صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى والأمين العام للحزب الوطني الحاكم، فقال إن مبارك أسطورة ليس له بديل في حجمه السياسي، لكن في مصر شخصيات عندها الكفاءة للترشح لمنصب الرئاسة. لابد أن الشريف كان في وضع لا يحسد عليه وهو يحاول اصلاح ما أفسده تصريح نظيف، فإما أن ينفي مقولة إنه لا بديل لمبارك، فيقع في خط التماس مع شخصية الرئيس وقدراته، وإما أن يؤكدها فيقع في نفس الغلطة وسيتهم حينها بأنه ينتقد الرئيس باعتباره أكثر حصافة وقدرة على اللعب بكلمات السياسة والمناورة بها! لم يجد أمامه سوى القول إن مبارك أسطورة ولا بديل عنه في حجمه السياسي "فهو زعيم الوطن والحزب الوطني" مستدركا "لكن هناك شخصيات مؤهلة للترشح للرئاسة". لا أعتقد أن الرئيس مبارك سعيد بتصريح أحمد نظيف ولا بشرح صفوت الشريف الذي وصفه بالأسطورة، فعندما يعجز "السيستم" عن إفراز بديل طوال 29 عاما، فالمعنى أن "البستم" كما ينطقه بلدياتنا من الأرياف، غير صالح للاستمرار. لا أضرب "أسفينا" في الدكتور نظيف.. الرجل على نياته كما قلت. لكني أستنتج أن الرئيس مبارك بات مطالبا حالا وفورا بتغيير "البستم" الذي يعتمد عليه في إدارة مصر، وأولهم رئيس حكومته! عندما سئل مبارك أثناء زيارته الأخيرة لروما عما إذا كان سيرشح نفسه للانتخابات القادمة أجاب "الله أعلم" وعندما كرر الصحفي سؤاله متطرقا إلى البديل في حال إذا لم يرشح نفسه، أشار بأصبعه إلى السماء قائلا "ربنا وحده الذي يعلم"! إجابة الرئيس لا تختلف في سياقها عن إجابة أحمد نظيف، أي أنه لا علامات ظاهرة لمستقبل الحكم، فهل يعني هذا أن "البستم" كله من أوله حتى أصغر عناصره مستهلك ولا تجدي معه قطع الغيار؟! في رأيي أن التصريحات السابقة كلها تشاؤمية. يكفي أنها تضع مصر رهينة للمجهول. إذا أتيحت ديمقراطية حقيقية وانتخابات نزيهة ونفضت الحكومة يدها عن التدخل، ستجد في مصر عشرات من أمثال "ديفيد كاميرون" أصغر رئيس لحكومة بريطانيا طوال 200 عام والذي وصل للمنصب الأهم والأكبر في العالم بعد رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية، عبر صندوق الانتخابات. كاميرون "43 عاما" دخل العمل السياسي لأول مرة عام 1997 عندما ترشح في الانتخابات العامة، وبعدها اكتشف فيه أحد الصحفيين قدراته السياسية والخطابية عندما كان يجري حوارا معه فشجعه على المضي بعيدا، حتى أصبح نائبا في البرلمان، ثم وزيرا للتربية في حكومة الظل، ثم رئيسا لحزب المحافظين. نعم الله يعلم.. لكن هل هذا "التواكل" يرضيه؟! [email protected]