لا تسمع صوته وهو يقرأ القرآن في أي يوم من أيام السنة حتى تهل عليك نسائم رمضان.. هو الأول والأخير من مقرئي القرآن الذي تهافت على سماعه عدد كبير من غير المسلمين، وهو القارئ الذي أحاطت به هالة من الأساطير حتى قال عنه مفتي سوريا في وقتها بعد وفاته "إنه جدد شباب الإسلام". ولد فى حي المغربلين بمدينة القاهرة عام 1882م ألحقه أبوه بكتاب الحي عندما بلغ الخامسة وأتم حفظ القرآن قبل أن يتم العشر سنوات، وكان شيخه ومحفظه يحبه كثيرًا لإتقانه الحفظ والتلاوة بصوت شجي فعلمه التجويد وأعطاه شهادة إجادة حفظ القرآن وتجويده قبل بلوغه السادسة عشر، ومنذ تلك اللحظة والشيخ محمد رفعت يقرأ القرآن في السهرات والمآتم... ورغم صغر سنه بالنسبة لهم فأخذ يجوب محافظات مصر ويقرأ فيها حتى سطع نجمه وأصبح القارئ الأول في مصر كلها. وفي عام 1934م، كان يقرأ في أحد المآتم استمع إليه البرنس محمد على مصادفة فأعجب به وبصوته وأسلوب تلاوته، فأرسل إليه وطلب منه أن يفتتح الإذاعة الأهلية بتلاوة القرآن الكريم، فكان ذلك فتحًا كبيرًا على الشيخ محمد رفعت إذا كان أول قارئ بالإذاعة الأهلية. أول تسجيل للشيخ رفعت بصوته كان تسجيلاً أهلياً.. فقد سجل له صديقاه زكريا باشا مهران صاحب بنك مصر والحاج محمد خميس التاجر الكبير المعروف، في ذلك الوقت سورتى الكهف ومريم على أسطوانة.. ثم طلبت منه بعد ذلك إذاعة البى.بى.سى البريطانية, أن يسجل لها القرآن بصوته, فرفض معتقداً أن ذلك حرام على أساس أنها إذاعة أجنبية، فاستفتى الشيخ المراغي شيخ الأزهر في ذلك الوقت، فصحح له اعتقاده، فسجل لها سورة مريم، وبعدها طلبت منه الإذاعة الأهلية أن يسجل، وكان في مرضه الأخير فسجل بعض السور كالكهف ومريم ويونس على أسطوانتين، إلا أن صوته كان غير مرض بالنسبة له، وظلت الإذاعة تذيع له تلك التسجيلات طيلة حياته، ولم يكن راضياً عنها، واستعانت الإذاعة بالقارئ الشيخ أبو العينين شعيشع في استكمال بعض الآيات وربطها في الأسطوانات المسجلة لوجود عيوب فنية بها, وهي التي تذاع الآن. هاجمته الزغطة في عام 1943م، حيث كانت تلازمه لفترات طويلة تزيد على الثلاث ساعات يومياً، فذهب إلى الكثير من الأطباء وأخذ المسكنات، إلا أنها عاودته مرة أخرى، فامتنع عن الذهاب إلى الإذاعة بعدها لشعوره بالخوف على ضياع مكانته كقارئ عظيم. وفي يوليو عام 1949م كانت مجلة المصور نشرت خبرًا عن مرضه، وأعلن الأستاذ أحمد الصاوي محمد عن اكتتاب لعلاج الشيخ، وجمع التبرعات، فأثار ذلك الخبر حزن محبيه، وتم جمع خمسين ألف جنيه، وعندما علم الشيخ رفعت رفض، قائلاً: أنا مستور والحمد لله، ولست في الحالة التي تستوجب جمع هذه المبالغ، وإذا كان على العلاج فالأطباء يعالجونني، ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه، كما أن هذه المبالغ أصحابها أولى بها مني، فهم الفقراء والمحبون لصوتي حقًا، ولكني والحمد لله لست في حاجة إلى كل هذا، فكتب الأستاذ الصاوي بالأهرام يثني على عفة الشيخ رفعت وأخلاقه وتأثير القرآن عليه في سمو نفسه وعلوها، وقد توفي رحمه الله بعد ذلك بعام واحد.