أثناء حملة الانتخابات الأمريكية لرئاسة الدولة عام 2000م المشهورة ، بين الرئيس بوش ومنافسة آل غور نائب رئيس كلينتون ممثلا عن الحزب الديمقراطي ، كتبت خاطرة خاطفة صغيرة في سردها ، كبيرة في معناها ومغزاها ، وتلبيه لمشاركة إخوتي الاحبه من شعبنا الليبي الكريم في الهموم ، وثقل وطأة الحياة ، وتعدد مطالبها ، وحاجياتها اليومية ، وان كان ذلك جملة من التحديات الطبيعية للفرد ، والدولة ، كسنة ثابته لا تتغير ، فالمكابدة والمجاهدة ، والنصر والظفر والهزيمة ، والمحاولة والفشل والنجاح ، كلها سنن مضطردة أساسية ، لتحقيق مفهوم التدافع البشري ، والعمراني سواء منه الفكري العقائدي الثقافي ، أو الصناعي التقني أو الإسكاني المعماري ، أو الحرفي المهني ، أو حتى ما يدخل في دائرة الفنون والآداب والموسيقي ، ناهيك عن المحور السياسي والحكم بكافة إبعاده وظلاله ، إضافة إلي ذلك مشاركة الأفراح والأتراح ، والابتسامات وصور التفاؤل والانشراح ، ومنهجية بشروا ولا تنفروا ، ويسروا ولا تعسروا ، فالحياة أخي الكريم في النهاية قصة حافلة ، قد تطول أو تقصر، ثم عودة إلي الحياة الحقيقية " دار الحيوان " دار البقاء السرمدي الامدي ، لتجزأ كل نفس بما كسبت ، وللإنسان ما سعي ، فسوف تري ، خاصة فسيري الظالمون أي منقلب سينقلبون ، فافهم واحذر قبل فوات الأوان . كما قلنا إثناء حمي وطيس الحملة الأمريكية للانتخابات، بين الرئيس بوش عن الحزب الجمهوري، ومنافسة الديمقراطي أل غور ، أوقف شرطي المرور في ولاية اورجغن نائب الرئيس السابق كلينتون آل غور، متلبسا وهو يقود سيارة مسرعا بسرعة 75ميل في الساعة حيث السرعة المسوح بها في الطرقات العملاقة ، التي تربط أمريكا شرقها وغربها، وشمالها وجنوبها ووسطها ، مدنا وقري ، جبالها وغاباتها و صحاريها ، وجسورها وأنهارها ، هي 70 ميل في الساعة ( الفرق 5 أميال فقط زيادة ) ، وهي عادة ما يتغاضي عنها رجال شرطة المرور ، وعند التوقف طلب الشرطي بكل أدب من آل غور : هل تسمح لي أن أري رخصة قيادتك ، وأوراق التأمين ؟ ثم اخذ الرخصة وأوراق التأمين ورجع إلي سيارته الواقفة خلف سيارة نائب الرئيس لمراجعة صحة المعلومات ، ثم عاد إليه ، ممسكا بمخالفة السرعة لابد أن يدفعها . حاول آل غور أن يعتذر ، وانه كان مسرعا لحضور زفاف احد الأصدقاء ، وهو متأخر عشرة دقائق " لا حظ عشرة دقائق فقط، وكم من ساعة يقضيها احدنا ، ولا يتصل ويعتذر بأنه سيتأخر" ، ولا يود أن يعكر جو الحفلة والبهجة في انتظاره " ، ورغم وجاهة السبب ، إلا أن الشرطي سلمه الغرامة ، ليدفع قيمتها في غضون أسبوعين ، ومن حقه أن يطلب محاكمة مدنية ، ويشرح للقاضي السبب . وقال له : أتمني لك حفلة جميلة ، وارجوا أن لا تسرع ، وليلة وأمسية سعيدة . ففكر وتأمل معي جيدا ، نائب رئيس أمريكا مخالفا سرعة المرور، وشرطي مرور لم يحفل بمكانة نائب الرئيس، بقدر ما هو مؤديا واجبه الوطني ، بأمانة وصدق . ذلكم صور العدل البهيجة من الآثار والقيم الطيبة التي مازالت تزدهر في دول الغرب . تلكم القيمة الرفيعة التي نزلت وحثت وأمرت بها كل الشرائع السماوية ، ختمها الحبيب بقوله بلسان القران " وأمرت لأعدل بينكم " .وما أكثر القصص الكثيرة في هذا الشأن ، حيث جلس خليفة المسلمين مع يهودي ، أو الخليفة مع عامة المسلمين أو أبناء الأمراء مع الرعية . إن الله تعالي الذي جعل العدل من أسمائه وصفاته الحسني ، لهذا فهو ينصر الدولة الظالمة والكافرة العادلة علي الدول المسلمة " إن وجدت " علي الدولة الظالمة الجائرة علي أبناءها وشعوبها في الحكم وأرزاق والمحسوبية والقضاء ، فما أكثر تفشي الظلم في بلاد العرب والمسلمين ، والحديث طويل ومؤلم لكن بدون قنوط . فالعدل أساس الملك ودوامه ، والظلم مؤذن لزواله ، ولو بعد حين . لقد ذكر العالم عبدالرحمن حبنكة الميداني في كتابة القيم " الأخلاق الإسلامية وأسسها "جملة من المجالات التي يدخل فيها العدل أو الجور والظلم كثيرة فمنها : 1-الولاية علي الناس ، سواء كانت ولاية خاصة أو عامة ، أمانة شعبة ، أو أمانة دولة ، فيجب أن تتبع فيها قواعد العدل التي أمرت بها شريعة الله لعباده . ومن العدل في الولاية إسناد الإعمال إلي أهلها الاكفياء للقيام بها ، وإسنادها لغيرهم فهو مجانبة للعدل ، ومن العدل في ألولاية إعطاء المستحقين ومنع غير المستحقين ، وإتاحة الفرص لجميع الإفراد حسب كفايتهم . 2- يجب أن تتبع في القضاء قواعد العدل ، ويكون الفصل بين الخصماء بإعطاء كل ذي حق حقه أو ما يساويه ، وبإلزام الذي عليه الحق بأن يدفعه أو يدفع ما يساويه إلي مستحقه ، ويكون العدل بالتسوية بين الخصماء في مجلس القضاء ، ويكون بإقامة الحدود والجزاءات والقصاص بالمقدار الذي يكافئ ذنب المذنب ، ويكافئ حق الله علي عباده ، أو حق الناس علي الناس ." إلي أن تطرق إلي ضرورة العدل في الشهادة ، وكتابه الديون والحقوق ، ومعاملة الزوجات ، ومعاملة الأولاد والكيل بالميزان حتى العدل في الأنساب بان ينسب الإنسان إلي أبيه الذي ولده ، لا إلي أخر يتبناه ، والإصلاح بين الفئات المتقاتلة من المسلمين . فالجميع مأمورون بان يكونوا في أحكامهم واقضيتهم ورعايتهم لمن تحت أيديهم وفي سائر شؤونهم قوامين لله ، لا لأنفسهم وشهواتهم ، وما توسوس به الشياطين جنها وانسها . إن الدول والشعوب لابد لها من تحقيق صور العدل والقسط بين مرافقها ، وإدارتها وأجهزتها وموظفيها ، وعمالها ، وعائلاتها ومواطنيها ، وهيئاتها ومؤسساتها ، عدلا في اختيار الأكفاء الأمناء الأقوياء ، عدلا في توزيع الأرزاق والثروات ، في إتاحة الفرص للجميع ، وتوفير ضروريات الحياة للجميع ، بدون محاباة ومحسوبية ، فبقدر إقامة وإشاعة مبدأ وقيمة العدل وموازينه ، بقدر ازدهار ورخاء وخير، وتقدم الدول والشعوب . كاتب ليبي [email protected]