في شتاء 1969 وفقني الله تعالى إلى أداء فريضة الحج – كانت أول قافلة أهلية تحت كفالة حبيبي المهندس "مشاري البداح الخشرم" – هو الآن يعالج في أمريكا، أدعوا الله معي أن يعود معافى سالماً – و كانت إدارة الحملة تحت إشراف المهندس "عبد المنعم مشهور" و طلب مني أن أتولى الجوانب التنفيذية في جانب الرجال، و زوجته (أمّنا) – أو هكذا كناّ نناديها – تتولى الجانب الآخر، و كان معنا د. كساب و أهله و د. محمد سليم العوا و أهله و د. أحمد عسيلة و أهله، و غيرهم – رغم الملاحظات المعتادة على كل قافلة تذهب إلى الحج، إلّا أن المرء يسجل أنها كانت عامرة باللمسات الحانية و زاخرة بالمفاهيم التربوية العظيمة. المهم، أثناء صلاتي في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، كنت أسمع صوتاً ذا لكنة عراقية، و بعد الانتهاء من الصلاة، رأيت رجلاً ذات عمّة (غطاء رأس) – عراقية – و يمسك ميكروفوناً صغيراً و يتحدث عن هموم المسلمين و عرّج على وصف الحال في العراق، ومما سمعته – و لا أنساه – أن "البعث" قد تولى الحكم قبل عام و أنه يحذر المسلمين في كل مكان من خطورة ما وقع في العراق من استيلاء "البعث" على الحكم، لأنه "سرطان" إذا استمر فسوف يهلك الجسم العربي. انتهى الرجل من كلمته، و اقتربت منه و تعرفت عليه فإذا به الشيخ "عبد العزيز البدري" صاحب كتاب "لا اشتراكية في الإسلام" و أحد كبار الحزب الإسلامي بالعراق. جلسنا في الحرم النبوي – و انطلق يذكر الأمثلة على خطورة الحال في بلده و حّمل المصريين انتشار هذا الحزب (لأنكم دعوتموه للوحدة و استقبلتم رموزه للحوار –أيام جمال عبد الناصر – و عن طريقكم أصبحوا مشهورين و لم يكن أحد يقدره من قبل)، و قال [ كان عندنا علي صالح السعدي – و هو نكرة و زير نساء، و جاء عندكم و حسبتموه مفكراً...... مع أنه من زبائن – كازينو "صفية حلمي" – بالقاهرة!! و نحن نعرفه جيداَ] بعد انتهاء موسم الحج، سألت عن الشيخ "عبد العزيز البدري" إمام و خطيب أشهر المساجد في بغداد و إذا به قد تم تصفيته على يد زبانية حزب البعث، بعد عودته مباشرة من الحج – و يعتبر "البعث" مؤسساً لعمليات القتل و السحل و التصفية. تذكرت تحذيرات "الشيخ البدري" من البعث و أفكاره إلى أن قرأت كتاب شيخنا محمد الغزالي (حقيقة القومية العربية و أسطورة البعث العربي) فوجدت رداً منهجياً على غلاة القوميين العرب، الذين أرادوها قومية علمانية مبتوتة الصلة بالإسلام مثل حزب البعث القائم! ثم جاءت الأحداث – بعد ذلك – في مدينة (حماة – سوريا) و ما قام به الحزب من تصفية و هدم حتى للمساجد.... امتداداً لمنهج حزب البعث القائم على تصفية المخالفين. ثم كانت الخطيئة الكبرى - و هي جريمة العصر – و هي غزو الكويت و احتلالها و ما حدث فيها من تخريب و تصفية و حرق لآبار النفط - !!!! – و مع أن الرئيس محمد حسني مبارك قام - مشكوراً – بزيارة بغداد – قبل العدوان – و اتفق مع طاغيتها على الانسحاب و عرج على الكويت لإبلاغهم بهذا الاتفاق... لكن الغدر - و هو غدر بالجار- كان هو الصفة الغالبة. و ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس – من وقع الحسام المهند !!! نسى هذا الغدار كل ما قدمته الكويت له و لغيره، و ما قدمته للعرب و المسلمين في كل مكان و لا ينكره إلا جاحد أو مكابر، و لكن هذه طبيعة "البعث" البعيد كل البعد عن القيم الإسلامية من صدق و وفاء، و الشيخ الغزالي يقول عن هؤلاء [لماذا لا نسمي هؤلاء بأسمائهم الحقيقية، و الاسم الحقيقي لهؤلاء: المرتدون، فهؤلاء قد مرقوا من الدين مرق السهم من الرمية، و لم يعد في قلوبهم توقير لله تعالى، و لا تعظيم لكتابه – القرآن الكريم – و لا احترام لرسوله – صلى الله عليه و سلم – و لا انقياد لشريعته، هؤلاء يلبسون لبوس اليسار الثوري، و قد يلبسون لبوس اليمين الليبرالي، و قد يتحلون بعباءة القومية العربية، و قد يبدون في أثواب أخرى، و لكنهم جميعاً شركاء في الجرئة على الله تباركت أسماؤه، و في التعالم عليه جل علاه، الاستدراك على شرعه!!! و إنه يسميهم – نباتات سامة في حقول الإصلاح]. نقول هذا رداً على بعض التحركات لبعض الإسلاميين لمدّ اليد نحو هؤلاء و غيرهم كما في المؤتمر القومي العربي في بيروت. لقد آن الأوان أن يفيق القوم لحقيقة هذه الأفكار السامة، و التي تؤخر و لا تقدم، و تدمر و لا تبني. و مما يؤسف له هذا "البعث و رموزه الباقين " لم يتب، و لم يعترف بما أقترفه ضد أمته و لم يملك الشجاعة – حتى الآن – لكي يعتذر عما فعل و ما فعله ليس أمراً هيّناً، إنه شنيع بكل المقاييس لقد انتشر "السرطان " و تمدّد، و قد قرأت من الصحف أن هناك في "موريتانيا" يوجد بعث، و هناك في السودان يوجد "بعث" و لا أدري كيف انتشر في بعض الأطراف من جسم الأمة العربية و لدينا أزهر شريف يعرف و يدرس الأصيل من الدخيل و ربما لغياب الرجال الغيورين على دينهم... الحريصين على صفاء عقيدتهم و أغلبهم إمّا مطارد أو سجين. و أختم بما قاله الشيخ الغزالي – رحمه الله – [ لماذا يحتفظ هؤلاء باسم الإسلام و لماذا يظلون محسوبين على المسلمين، و الإسلام منهم براء، هؤلاء هم الذين ينطبق عليهم قول المثقّب العبدي: فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثي من سميني وإلّا فاطّرحني واتخذني عدواً أتقيك و تتقيني.