"مصر إلى أين؟" سؤال يطرحه الكثير من المصريين، فلا يكاد يجتمع مصريان اليوم إلا ويصبح الحديث عن مستقبل البلاد ثالثهما، ومع اقتراب موعد المظاهرات الحاشدة التي دعت لها المعارضة في 30 يونيه أصبح من الصعب التكهن بمسار الأحدث في البلاد، فالعديد من المراقبين والمحللين يعجزون عن تحديد ما إذا كانت مصر تتجه للخروج من عنق الزجاجة، أم أن المزيد من الانتكاسات لا تزال تنتظر الديمقراطية الوليدة في البلاد. "المصريون" حاورت جوشوا ستاتشر، أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة ولاية كينت الأمريكية والخبير بمركز وودرو ويلسون الدولي للأبحاث، ووجهت له هذا السؤال: فى رأيك إلى أين تتجه مصر؟ وهل تتجه إلى حيث يجب أن تكون؟ في الحقيقة أنا لا أعرف تمامًا إلى أين يجب أن تتجه مصر ولكني لا أعتبر أن ما آلت إليه المرحلة الانتقالية في مصر أمرًا مفاجئًا، نظرًا للطريقة التي تعامل بها النظام السياسي القديم مع سقوط الرئيس مبارك بعدم إصلاح أجهزة الدولة مثل وزارات الداخلية والإعلام وغيرها، وأيضًا بالنظر إلى الطريقة التي أدار بها الجيش المرحلة الانتقالية بطريقة وضعت السلطة في يد جماعة حزبية لا تبدو مهتمة فعلًا بتقاسم السلطة إلا على أساس الانتخابات.
نحن الآن على بعد أيام قليلة من مرور عام على تولي مرسي رئاسة البلاد، كيف تقيم عام مرسي وجماعة الإخوان المسلمين الأول في السلطة؟ لقد كان عامًا صعبًا على الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين منذ توليهم السلطة بسبب مناورات مرسي العديدة في محاولة إلغاء الإعلانات الدستورية التي وضعها المجلس العسكري والتي جعلته يواجه اتهامات بأنه ضد القانون وأشياء من هذا القبيل، ولكن أداء مرسي أيضًا لم يكن إيجابيًا فقد فشل في إصلاح مؤسسات الدولة، ونظرًا لأنه لم يتم إصلاح هذه المؤسسات فإنها لا تزال تعمل بنفس الطريقة التي كانت تعمل بها في ظل حكم الرئيس مبارك.
ماذا عن أداء المعارضة؟ أعتقد أنه على الرغم من فشل المعارضة المتكرر في الانتخابات وأدائها الكوميدي في بعض الأحيان، إلا أن العبء يقع على أولئك في السلطة لتقاسمها والمساعدة في تطوير المعارضة عوضًا عن الاستمرار في منافسة معارضة غير مستعدة في الوقت الحالي، لذلك فإن عليهم التوصل إلى آليات لتقاسم السلطة حتى تتعلم المعارضة أيضًا كيفية ممارسة السياسة، وأنا أعني السياسة الرسمية.. السياسة الانتخابية، والحقيقة أنه من خلال أبحاثي وتنقلي في مختلف أنحاء مصر فأنا لم أر حضورًا حقيقيًا للمعارضة الوطنية هناك بالطبع معارضين في كل مكان ولكنك على سبيل المثال لا ترى صلات بين المعارضة في القاهرة، وتلك في السويس أو بورسعيد، المعارضة في مصر مقسمة.
كيف ترى فرص التيارات السياسية المختلفة في الانتخابات البرلمانية القادمة؟ أعتقد أن جماعة الإخوان ستسمر في الإبلاء بشكل جيد في الانتخابات، لأنها واحدة من الجماعات القليلة التي تمتلك قاعدة سياسية وطنية منظمة، وبالتالي فإن الانتخابات لا تمثل حقًا القوة السياسية للجماعة ولكنها فقط مجرد انعكاس لقدرتهم التنظيمية العالية، لذلك أنا أعتقد أن الإخوان المسلمين سيؤدون بشكل جيد ولكني أشك في أن يؤدوا كما فعلوا في الانتخابات البرلمانية لعام 2011، وأعتقد أن السلفيين سيؤدون بشكل أفضل قليلًا، ولكن الأمل ضئيل جدًا بالنسبة للتيارات العلمانية والليبرالية.
إذن أنت ترى أن المعارضة العلمانية والليبرالية لن تؤدي بشكل جيد في الانتخابات القادمة؟ ربما تؤدي أفضل قليلًا ولكن بشكل هامشي ولا أعتقد أننا سنشهد تحسنًا كبيرًا، ومرة أخرى فهذا ليس سوى انعكاس لضعف تنظيمهم.
هل تعتقد أننا يمكن أن نشهد عودة الجيش للمسرح السياسي مرة أخرى، أم أن الحكم العسكري انتهى إلى غير رجعة؟ إذا كنا نتحدث عن شيء على شاكلة المجلس العسكري فأنا أعتقد أن هذا النوع من التدخل قد انتهى، إلا إذا تفوقت الحشود بشكل كبير على جماعة الإخوان المسلمين، أنا أدرك أن حركة الاحتجاجات تزداد تقدمًا وقوة مرة أخرى، ولكني لا أرى أنها تمتلك القوة الكافية للإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، ولكن إذا تمكنت من ذلك فإن هذه ستكون الحالة الوحيدة التي سنرى فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرة أخرى، غير أني لا أعتقد أننا يجب أن نستبعد قيام أحد جنرالات الجيش المتقاعدين بالترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة بشكل قانوني وديمقراطي.
وما الذي يجعلك تعتقد أن أحد جنرالات الجيش قد يترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة؟ حسنًا، لقد شهدنا أحد الجنرالات المتقاعدين يترشح للرئاسة وكاد أن يفوز على الرغم من أن أحمد شفيق لم يكن مستعدًا بشكل جيد، لذلك أعتقد أننا من الممكن أن نرى جنرالًا آخر متقاعدًا غير شفيق يتنافس على المنصب في الانتخابات الرئاسية القادمة.
هناك دعوات لمظاهرات حاشدة في 30 يونيه القادم، كيف تتوقع أن تسير الأحداث؟ وهل من الممكن أن نشهد 25 يناير يتكرر مجددًا؟ لم يكن بإمكان أحد أن يتوقع ما حدث في 25 يناير 2011، لذلك في الوقت الحالي يصعب التكهن بمسار الاحتجاجات قبل أن تحدث، لقد تعلمت أنه لا يجب التقليل من قدرة الحشود على إصابة النخب بالشلل، ولكن التكهن بما إذا كانت احتجاجات 30 يونيه ستصبح مثل 25 يناير هو أمر سابق لأوانه.
هل تعتقد أن التغيير سيأتي من الشارع مجددًا، أم ينبغي على المصريين البدء في الضغط من خلال طرق أخرى قد تكون أكثر ديمقراطية؟ أعتقد أن الضغط يجب أن يأتي من خلال الضغط الشعبي إلى جانب إدراك النخبة الحاكمة أن المستقبل يكمن في مشاركة الحكم فيد واحدة لا تستطيع أن تصفق، أنت في حاجة إلى أن يعمل كل الشركاء سويًا، ولكن في النهاية فإن النخب الحاكمة لن تفعل أي شيء بدون ضغط شعبي، أعتقد أن سيطرة الإخوان المسلمين الكاملة على السلطة بمفردها خطأ استراتيجي.
عندما كان عمر سليمان نائبًا للرئيس قال إن المصريين غير مستعدين بعد للديمقراطية، هل تتفق مع هذا الرأي؟ أنا أختلف مع هذا الرأي، أعتقد أن المصريين أكثر من مستعدين للديمقراطية، الديمقراطية هي المشاركة والعمل سويًا، وأنا أعتقد أنه إذا كانت قواعد اللعبة السياسية قد صيغت بدون تدخل من المؤسسات الخارجية مثل المؤسسات المالية الدولية والمؤسسة العسكرية والجماعات الحزبية، وكانت هناك قواعد عادلة للعبة فإن المصريين كانوا سيحصلون على الديمقراطية.
هل تعتقد أن الفوضى التي حلت بالمرحلة الانتقالية في مصر تنعكس بشكل سلبي على الشرق الأوسط، وخاصة دول مثل سوريا التي لا تزال تحاول اللحاق بركب دول الربيع العربي؟ أعتقد أن الناس أصبحوا أكثر حذرًا من الإسراع في الإطاحة بالحكومات على طريقة تونس ومصر، ولكني أيضًا أعتقد أن هناك قوى داخل وخارج المنطقة تحاول الدفع بالفترات الانتقالية في هذه الدول إلى هذه الفوضى، وبالتالي يصبح من الطبيعي أن ترغب الشعوب في تجنب الوقوع في مثل هذه الفوضى السياسية.
كيف ترى الموقف الأمريكي من مصر بعد الثورة؟ لا أعتقد أن الولاياتالمتحدة وقفت فعلًا إلى جانب الديمقراطية بقدر ما كانت قلقة حول كيف سينظر لها إذا دعمت نظام الرئيس المخلوع، وعندما تنظر للأمر ستجد أن الولاياتالمتحدة دعمت وبقوة المجلس العسكري ومن بعده الإخوان المسلمين، لذلك لا أعتقد أن الولاياتالمتحدة تأبه كثيرًا لمن تتعامل معه هي تتعامل مع أيًا كان في السلطة طالما أنهم يتعاملون مع الولاياتالمتحدة، وهي لا تهتم كثيرًا بالديمقراطية إذا كانت لا تتماشى مع مصالح الولاياتالمتحدة.
ما رأيك في كيفية إدارة الرئيس مرسي وجماعة الإخوان للأزمة الاقتصادية؟ لا أعتقد أنهم يديرون الأزمة بشكل جيدة، فهم تعاملوا مع الأزمة الاقتصادية كحفنة من المهندسين عوضًا عن النظر للأمر كاقتصاديين، وأعتقد أن ما يفعله الإخوان المسلمين سواء بقصد أو بغير قصد يدفع بالاقتصاد إلى حيث ينعدم الأمل.
في رأيك لماذا يبدو صندوق النقد الدولي مترددًا تجاه منح مصر القرض الذي تحتاجه بشدة؟ على العكس أنا أعتقد أن صندوق النقد الدولي يرغب في منح مصر هذا الدعم، لأن ذلك سيقيد العملية الانتقالية في مصر تمامًا ويضعها في يد المؤسسات المالية الدولية والحكومات الغربية، ولكني أعتقد أن التردد نابع من الرئيس مرسي والمجلس العسكري من قبله، فهم العقبة الحقيقية أمام توقيع الاتفاق وليس صندوق النقد الدولي.
هناك توتر في العلاقات بين مصر وإثيوبيا على خلفية بناء سد النهضة الإثيوبي، هل تعتقد أن الخيار العسكري بالفعل هو الحل؟ وما قد تكون الخيارات الأخرى لحل الأزمة؟ لا أعتقد أن الخيار العسكري سيحل الأزمة بقدر ما سيؤدي لتفاقم الصراع وقد يؤدي لعواقب غير مقصودة. لابد وأن يكون هناك طرق دبلوماسية للخروج من الأزمة، وأعتقد أنه سيكون من الأفضل أن تتعاون كل من مصر وإثيوبيا حول هذه المسألة عوضًا عن الدخول في حرب بسببها.
في رأيك ما هي الخطوات التي ينبغي اتخاذها لحماية الديمقراطية الوليدة في مصر؟ يجب أن يكون هناك ضغط مستمر لإصلاح وزارتي الداخلية والإعلام، وعلى المصريين أن يبقوا حذرين حتى وإن تطلب ذلك نزولهم للشوارع لضمان ألا تختطف النخبة الحاكمة هذه التجربة أكثر مما فعلت بالفعل.